الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب وجوب ذكر الله تعالى قوله تعالى : فاذكروني أذكركم قد تضمن الأمر بذكر الله تعالى ، وذكرنا إياه على وجوه . وقد روي فيه أقاويل عن السلف ، قيل فيه : " اذكروني بطاعتي أذكركم برحمتي " ، وقيل فيه : " اذكروني بالثناء بالنعمة أذكركم بالثناء بالطاعة " وقيل : " اذكروني بالشكر أذكركم بالثواب " وقيل فيه : " اذكروني بالدعاء أذكركم بالإجابة " . واللفظ محتمل لهذه المعاني ، وجميعها مراد الله تعالى لشمول اللفظ واحتماله إياه .

فإن قيل : لا يجوز أن يكون الجميع مراد الله تعالى بلفظ واحد ؛ لأنه لفظ مشترك لمعان مختلفة قيل له : ليس كذلك ؛ لأن جميع وجوه الذكر على اختلافها راجعة إلى معنى واحد . فهو كاسم الإنسان يتناول الأنثى والذكر ، والأخوة تتناول الإخوة المتفرقين ، وكذلك الشركة ونحوها ، وإن وقع على معان مختلفة فإن الوجه الذي سمي به الجميع معنى واحد .

وكذلك ذكر الله تعالى لما كان المعنى فيه طاعته ، والطاعة تارة بالذكر باللسان ، وتارة بالعمل بالجوارح ، وتارة باعتقاد القلب ، وتارة بالفكر في دلائله وحججه ، وتارة في عظمته ، وتارة بدعائه ومسألته ، جاز إرادة الجميع بلفظ واحد ، كلفظ الطاعة نفسها جاز أن يراد بها جميع الطاعات على اختلافها إذا ورد الأمر بها مطلقا نحو قوله تعالى : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وكالمعصية يجوز أن يتناول جميعها لفظ النهي . فقوله : فاذكروني قد تضمن الأمر بسائر وجوه الذكر ، ومنها سائر وجوه طاعته وهو أعم الذكر ، ومنها ذكره باللسان على وجه التعظيم والثناء عليه والذكر على وجه الشكر والاعتراف بنعمه .

ومنها ذكره بدعاء الناس إليه والتنبيه على دلائله وحججه ووحدانيته وحكمته وذكره بالفكر في دلائله وآياته وقدرته وعظمته ، وهذا أفضل الذكر وسائر وجوه الذكر مبنية عليه وتابعة له وبه يصح معناها ؛ لأن اليقين والطمأنينة به تكون ، قال الله تعالى : ألا بذكر الله تطمئن القلوب يعني والله أعلم ذكر القلب الذي هو الفكر في دلائل الله تعالى وحججه وآياته وبيناته ، وكلما ازددت فيها فكرا ازددت طمأنينة وسكونا .

وهذا هو أفضل الذكر ؛ لأن سائر الأذكار إنما يصح ويثبت حكمها بثبوته . وقد [ ص: 115 ] روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : خير الذكر الخفي حدثنا ابن قانع قال : حدثنا عبد الملك بن محمد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى عن أسامة بن زيد ، عن محمد ، عن عبد الرحمن ، عن سعد بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة عقيب قوله : فاذكروني أذكركم يدل على أن الصبر وفعل الصلاة لطف في التمسك بما في العقول من لزوم ذكر الله تعالى الذي هو الفكر في دلائله وحججه وقدرته وعظمته ، وهو مثل قوله تعالى : إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ثم عقبه بقوله : ولذكر الله أكبر والله أعلم أن ذكر الله تعالى بقلوبكم وهو التفكر في دلائله أكبر من فعل الصلاة ، وإنما هو معونة ولطف في التمسك بهذا الذكر وإدامته .

التالي السابق


الخدمات العلمية