الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب الرخصة في المرور بين يدي المصلي

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس أنه قال أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي للناس بمنى فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت فأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي أحد

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          11 - باب الرخصة في المرور بين يدي المصلي

                                                                                                          قال الباجي : الرخصة في الشرع الإباحة للضرورة ، وقد تستعمل في إباحة نوع من جنس ممنوع ، فالرخصة هنا تناولت بعض أحوال المصلين وهو أن يكون مأموما .

                                                                                                          [ ص: 539 ] 369 367 - ( مالك عن ابن شهاب ) الزهري ( عن عبيد الله ) بضم العين ( ابن عبد الله ) بفتحها ( ابن عتبة ) بضم وفوقية ساكنة ( ابن مسعود ) أحد الفقهاء السبعة ، قال ابن عبد البر : لم يكن بعد الصحابة إلى يومنا هذا فيما علمت فقيه أشعر منه ( عن عبد الله بن عباس أنه قال : أقبلت راكبا على أتان ) بفتح من الحمير ( وأنا يومئذ قد ناهزت ) أي قاربت ( الاحتلام ) المراد به البلوغ الشرعي ( ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي للناس بمنى ) بالصرف أجود من عدمه سميت بذلك لما يمنى أي يراق بها من الدماء والأجود كتابتها بالألف ، قال الحافظ : كذا قال مالك وأكثر أصحاب الزهري ولمسلم من رواية ابن عيينة بعرفة ، قال النووي : يحمل ذلك على أنهما قضيتان ، وتعقب بأن الأصل عدم التعدد ولا سيما مع اتحاد مخرج الحديث فالحق أن قوله بعرفة شاذ ، ولمسلم أيضا من رواية معمر عن الزهري وذلك في حجة الوداع أو الفتح ، وهذا الشك من معمر لا يعول عليه والحق أن ذلك كان في حجة الوداع .

                                                                                                          وزاد البخاري من رواية إسماعيل عن مالك إلى غير جدار أي إلى غير سترة أصلا قاله الشافعي ، وسياق الكلام يدل عليه ، لأن ابن عباس أورده في معرض الاستدلال على أن المرور بين يدي المصلي لا يقطع صلاته ، ويؤيده رواية البزار والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي المكتوبة ليس شيء يستره انتهى .

                                                                                                          ( فمررت بين يدي بعض الصف ) أي قدام فالتعبير باليد مجاز إذ الصف لا يد له ، قال الكرماني : يحتمل أن يراد به صف من الصفوف أو بعض من أحد الصفوف انتهى .

                                                                                                          وللبخاري من رواية ابن أخي الزهري : حتى سرت بين يدي الصف الأول .

                                                                                                          ( فنزلت فأرسلت الأتان ترتع ) بفوقيتين وضم العين أي تأكل ما تشاء وقيل تسرع في المشي ، وجاء أيضا بكسر العين بوزن تفتعل من الرعي وأصله ترتعي لكن حذف الياء تخفيفا ، والأول أصوب لرواية البخاري في الحج نزلت عنها فرتعت .

                                                                                                          ( ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي أحد ) قال ابن دقيق العيد : استدل ابن عباس بترك الإنكار على الجواز ولم يستدل بترك إعادتهم للصلاة ، لأن ترك الإنكار أكثر فائدة ، قال الحافظ : وجهه أن ترك الإعادة يدل على صحتها فقط لا على جواز المرور ، وترك الإنكار يدل على جواز المرور وصحة الصلاة معا ، ويستفاد منه أن ترك الإنكار حجة على الجواز بشرطه وهو انتفاء الموانع من الإنكار وثبوت العلم بالاطلاع على الفعل ، ولا يقال : لا يلزم مما ذكر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 540 ] على ذلك لاحتمال أن يكون الصف حائلا دون رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لأنا نقول : إنه صلى الله عليه وسلم كان يرى في الصلاة من ورائه كما يرى من أمامه .

                                                                                                          وللبخاري في الحج أنه مر بين يدي بعض الصف الأول فلم يكن هناك حائل دون الرؤية ، ولو لم يرد شيء من ذلك لكان توفر دواعيهم على سؤاله صلى الله عليه وسلم عما يحدث لهم كافيا في الدلالة على اطلاعه على ذلك ، واستدل به على أن مرور الحمار لا يقطع الصلاة فهو ناسخ لحديث أبي ذر في مسلم أن مرور الحمار يقطع الصلاة وكذا المرأة والكلب الأسود ، وتعقب بأن مرور الحمار محقق في حال مرور ابن عباس وهو راكبه وذلك لا يضر لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه ، وأما مروره بعد أن نزل عنه فيحتاج إلى نقل .

                                                                                                          وقال ابن عبد البر : حديث ابن عباس هذا يخص حديث أبي سعيد : إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا بين يديه فإن ذلك مخصوص بالإمام والمنفرد ، فأما المأموم فلا يضره من مر بين يديه لحديث ابن عباس هذا ، قال : وهذا كله لا خلاف فيه بين العلماء ، وكذا نقل عياض الاتفاق على أن المأمومين يصلون إلى سترة لكن اختلف هل سترتهم سترة الإمام أو سترتهم الإمام نفسه ، لكن يعكر على الاتفاق ما رواه عبد الرزاق عن الحكم بن عمر الغفاري الصحابي أنه صلى بأصحابه في سفر وبين يديه سترة فمر حمير بين يدي أصحابه فأعاد بهم الصلاة .

                                                                                                          وفي رواية أنه قال لهم : إنها لم تقطع صلاتي ولكن قطعت صلاتكم .

                                                                                                          وحديث سترة الإمام سترة لمن خلفه رواه الطبراني في الأوسط من طريق سويد بن عبد العزيز عن عاصم عن أنس مرفوعا ، وقال : تفرد به سويد عن عاصم اهـ .

                                                                                                          وسويد ضعيف عندهم .

                                                                                                          ووردت أيضا في حديث موقوف على ابن عمر أخرجه عبد الرزاق ، ويظهر أن ثمرة الخلاف الذي نقله عياض فيما لو مر بين يدي الإمام أحد فعلى قول من يقول سترة الإمام سترة لمن خلفه يضر صلاته وصلاتهم ، وعلى قول من يقول الإمام نفسه سترة لمن خلفه يضر صلاته ولا يضر صلاتهم . اهـ .

                                                                                                          وحديث ابن عباس رواه البخاري عن شيخه إسماعيل وعبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى ثلاثتهم عن مالك به .




                                                                                                          الخدمات العلمية