قال المصنف رحمه الله تعالى ( ، لأنا دللنا على أن ذلك يحرم على المحدث ، فلأن يحرم على الجنب أولى ، ويحرم عليه قراءة القرآن ، لما روى ومن أجنب حرم عليه الصلاة والطواف ومس المصحف وحمله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { ابن عمر } " [ ويحرم عليه اللبث [ ص: 177 ] في المسجد ] ولا يحرم عليه العبور لقوله تعالى : { لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ، ولا جنبا إلا عابري سبيل } وأراد موضع الصلاة . وقال في : ويكره له أن ينام حتى يتوضأ ، لما روي أن البويطي رضي الله عنه قال : " { عمر } " قال يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب ؟ قال : نعم إذا توضأ أحدكم فليرقد : وإذا أراد أن يطأ أو يأكل أو يشرب توضأ ، ولا يستحب ذلك للحائض لأن الوضوء لا يؤثر في حدثها ويؤثر في حدث الجنابة ، لأنه يخففه ويزيله من أعضاء الوضوء ) . أبو علي الطبري
التالي
السابق
( الشرح ) هذا الفصل مشتمل على جمل ويتعلق به فروع كثيرة منتشرة ، فالوجه أن نشرح كلام المصنف مختصرا ثم نعطف عليه مذاهب العلماء ثم الفروع والمتعلقات ، أما الآية الكريمة فسيأتي تفسيرها والمراد بها في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى . وأما حديث : { ابن عمر } " فرواه لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن الترمذي وابن ماجه وغيرهم وهو حديث ضعيف ضعفه والبيهقي البخاري وغيرهما ، والضعف فيه بين ، وسنذكر في فرع مذاهب العلماء غيره مما يغني عنه وأما حديث والبيهقي رضي الله عنه فصحيح رواه عمر البخاري . ومسلم
وقوله : فلأن يحرم على الجنب هو بفتح اللام ، وقد سبق إيضاحه في باب الآنية ثم في مواضع . وقوله : لا يقرأ الجنب ، بكسر الهمزة ، وروي بضمها على الخبر ، الذي يراد به النهي وهما صحيحان ، وممن ذكرها القاضي في هذا الموضع من تعليقه ونظائرهما كثيرة مشهورة ، واللبث هو الإقامة . قال أهل اللغة : يقال لبث بالمكان وتلبث أي أقام قال أبو الطيب الأزهري وصاحب المحكم وغيرهما : يقال لبث يلبث لبثا ولبثا بإسكان الباء وفتحها زاد في المحكم ولباثة ولبيثة ، يعني بفتح اللام فيهما . وأما الجنابة فأصلها في اللغة البعد وتطلق في الشرع على من أنزل المني ، وعلى من جامع وسمي جنبا ، لأنه يجتنب الصلاة والمسجد والقراءة ويتباعد عنها ، ويقال : أجنب الرجل ، يجنب وجنب بضم الجيم وكسر النون ، يجنب بضم الياء وفتح النون لغتان مشهورتان ، الأولى أفصح وأشهر ، يقال رجل [ ص: 178 ] جنب ورجلان ورجال وامرأة وامرأتان ونسوة جنب بلفظ واحد ، قال الله تعالى : { وإن كنتم جنبا فاطهروا } قال أهل اللغة : ويقال : جنبان وأجناب فيثنى ويجمع والأول أفصح وأشهر .
( وأما حكم المسألة ) الصلاة والطواف ومس المصحف وحمله واللبث في المسجد وقراءة القرآن ، فأما الأربعة الأولى فتقدم شرحها وما يتعلق بها في باب ما ينقض الوضوء ، وأما قراءة القرآن فيحرم كثيرها وقليلها حتى بعض آية ، وكذا يحرم اللبث في جزء من المسجد ولو لحظة . وأما العبور فلا يحرم ، وقد ذكر فيحرم على الجنب ستة أشياء المصنف دليل الجميع ، قال أصحابنا : ويكره للجنب أن ينام حتى يتوضأ ، ويستحب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو يطأ من وطئها أولا أو غيرها أن يتوضأ وضوءه للصلاة ويغسل فرجه في كل هذه الأحوال ولا يستحب هذا الوضوء للحائض والنفساء ، نص عليه في الشافعي واتفق عليه الأصحاب ، ودليله ما ذكره البويطي المصنف أن الوضوء لا يؤثر في حدثها لأنه مستمر ، فلا تصح الطهارة مع استمراره ، وهذا ما دامت حائضا ، فأما إذا انقطع حيضها فتصير كالجنب يستحب لها الوضوء في هذه المواضع ، لأنه يؤثر في حدثها كالجنب .
وهذا الذي قلناه وقاله المصنف والأصحاب إن الوضوء يؤثر في حدث الجنب ويزيله عن أعضاء الوضوء هو الصحيح الذي قطع به الجمهور وخالف فيه إمام الحرمين ، فقال : لا يرتفع شيء من الحدث حتى تكمل الطهارة . وقد سبق بيان هذه المسائل في المسائل الزوائد في آخر صفة الوضوء ودليل استحباب الوضوء وغسل الفرج في هذه الأحوال أحاديث صحيحة منها حديث رضي الله عنه قال : { عمر } " رواه يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب ؟ فقال : نعم إذا توضأ البخاري . وفي الصحيحين عن ومسلم قال : { ابن عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه الجنابة من الليل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ [ ص: 179 ] واغسل ذكرك ثم نم عمر } " وعن ذكر " { عائشة } " رواه كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام ، وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة البخاري هذا لفظ ومسلم . وفي رواية البخاري : { مسلم } " وفي رواية له " { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام } " . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان جنبا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه
وعن أن النبي صلى الله عليه وسلم " { عمار بن ياسر } " رواه رخص للجنب إذا أكل أو شرب أو نام أن يتوضأ أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح ، ومعناه إذا أراد أن يأكل . عن رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { أبي سعيد الخدري } " رواه إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود ، فليتوضأ بينهما وضوءا . زاد مسلم في رواية " فإنه أنشط للعود " . وأما حديث البيهقي في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم { ابن عباس } " فالمراد بحاجته الحدث الأصغر . وأما حديث قام من الليل فقضى حاجته ثم غسل وجهه ويديه ثم نام أبي إسحاق السبيعي - بفتح السين المهملة - عن الأسود عن أن النبي صلى الله عليه وسلم " { عائشة } " رواه كان ينام وهو جنب ولا يمس ماء أبو داود والترمذي وغيرهم ، فقال والنسائي أبو داود عن : وهم يزيد بن هارون السبيعي في هذا . يعني قوله : ولا يمس ماء . وقال الترمذي : يرون أن هذا غلط من السبيعي .
وقال : طعن الحفاظ في هذه اللفظة وتوهموها مأخوذة عن غير البيهقي الأسود وأن السبيعي دلس ، قال : وحديث البيهقي السبيعي بهذه الزيادة صحيح من جهة الرواية لأنه بين سماعه من الأسود والمدلس إذا بين سماعه ممن روى عنه وكان ثقة فلا وجه لرده .
( قلت ) قالت طائفة من أهل الحديث والأصول : إن المدلس لا يحتج بروايته وإن بين السماع ، والصحيح الذي عليه الجمهور أنه إذا بين السماع احتج به ، فعلى الأول لا يكون الحديث صحيحا ، ولا يحتاج إلى جواب ، وعلى الثاني جوابه من وجهين .
( أحدهما ) ما رواه عن البيهقي ابن سريج [ ص: 180 ] رحمه الله واستحسنه أن معناه : لا يمس ماء للغسل ، لنجمع بينه وبين حديث الآخر ، وحديث البيهقي الثابتين في الصحيحين . عمر
( والثاني ) أن المراد أنه كان يترك الوضوء في بعض الأحوال ليبين الجواز إذ لو واظب عليه لاعتقدوا وجوبه ، وهذا عندي حسن أو أحسن ، وثبت في الصحيحين عن { أنس } . فيحتمل أنه كان يتوضأ بينها ، ويحتمل ترك الوضوء لبيان الجواز ، وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه بغسل واحد ، وهن تسع نسوة لأبي داود { } " قال أنه طاف على نسائه ذات ليلة يغتسل عند هذه وعند هذه فقيل يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحدا فقال : هذا أزكى وأطيب وأطهر أبو داود : والحديث الأول أصح . ( قلت ) وإن صح هذا الثاني حمل على أنه كان في وقت وذاك في وقت ، والحديثان محمولان على أنه كان برضاهن إن قلنا بالأصح ، وقول الأكثرين أن القسم كان واجبا عليه صلى الله عليه وسلم في الدوام ، فإن القسم لا يجوز أقل من ليلة ليلة برضاهن والله أعلم .
( فرع ) روى أبو داود بإسناد جيد عن والنسائي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { علي } " قال لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة [ ص: 181 ] ولا جنب ولا كلب المراد الملائكة الذين ينزلون بالرحمة والبركة لا الحفظة لأنهم لا يفارقون الجنب ولا غيره قال : وقيل لم يرد بالجنب من أصابته جنابة فأخر الاغتسال إلى حضور الصلاة ولكنه الجنب الذي يتهاون بالغسل ويتخذ تركه عادة لأن النبي صلى الله عليه وسلم " { الخطابي } . " قال : وأما الكلب فهو أن يقتني كلبا لغير الصيد والزرع والماشية وحراسة الدار ، قال : وأما الصورة [ ص: 182 ] فهي كل مصور من ذوات الأرواح ، سواء كان على جدار أو سقف أو ثوب . هذا كلام كان ينام وهو جنب ويطوف على نسائه بغسل واحد وفي تخصيصه الجنب بالمتهاون والكلب بالذي يحرم اقتناؤه نظر وهو محتمل . الخطابي
( فرع ) هذا الذي ذكرناه من كراهة هو مذهبنا وبه قال أكثر السلف أو كثير منهم ، حكاه النوم قبل الوضوء للجنب عن ابن المنذر علي بن أبي طالب وابن عباس وأبي سعيد الخدري وشداد بن أوس وعائشة والحسن البصري وعطاء والنخعي ومالك وأحمد وإسحاق واختاره قال : وقال ابن المنذر وأصحاب الرأي : هو بالخيار ، دليلنا الأحاديث السابقة والله أعلم سعيد بن المسيب
وقوله : فلأن يحرم على الجنب هو بفتح اللام ، وقد سبق إيضاحه في باب الآنية ثم في مواضع . وقوله : لا يقرأ الجنب ، بكسر الهمزة ، وروي بضمها على الخبر ، الذي يراد به النهي وهما صحيحان ، وممن ذكرها القاضي في هذا الموضع من تعليقه ونظائرهما كثيرة مشهورة ، واللبث هو الإقامة . قال أهل اللغة : يقال لبث بالمكان وتلبث أي أقام قال أبو الطيب الأزهري وصاحب المحكم وغيرهما : يقال لبث يلبث لبثا ولبثا بإسكان الباء وفتحها زاد في المحكم ولباثة ولبيثة ، يعني بفتح اللام فيهما . وأما الجنابة فأصلها في اللغة البعد وتطلق في الشرع على من أنزل المني ، وعلى من جامع وسمي جنبا ، لأنه يجتنب الصلاة والمسجد والقراءة ويتباعد عنها ، ويقال : أجنب الرجل ، يجنب وجنب بضم الجيم وكسر النون ، يجنب بضم الياء وفتح النون لغتان مشهورتان ، الأولى أفصح وأشهر ، يقال رجل [ ص: 178 ] جنب ورجلان ورجال وامرأة وامرأتان ونسوة جنب بلفظ واحد ، قال الله تعالى : { وإن كنتم جنبا فاطهروا } قال أهل اللغة : ويقال : جنبان وأجناب فيثنى ويجمع والأول أفصح وأشهر .
( وأما حكم المسألة ) الصلاة والطواف ومس المصحف وحمله واللبث في المسجد وقراءة القرآن ، فأما الأربعة الأولى فتقدم شرحها وما يتعلق بها في باب ما ينقض الوضوء ، وأما قراءة القرآن فيحرم كثيرها وقليلها حتى بعض آية ، وكذا يحرم اللبث في جزء من المسجد ولو لحظة . وأما العبور فلا يحرم ، وقد ذكر فيحرم على الجنب ستة أشياء المصنف دليل الجميع ، قال أصحابنا : ويكره للجنب أن ينام حتى يتوضأ ، ويستحب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو يطأ من وطئها أولا أو غيرها أن يتوضأ وضوءه للصلاة ويغسل فرجه في كل هذه الأحوال ولا يستحب هذا الوضوء للحائض والنفساء ، نص عليه في الشافعي واتفق عليه الأصحاب ، ودليله ما ذكره البويطي المصنف أن الوضوء لا يؤثر في حدثها لأنه مستمر ، فلا تصح الطهارة مع استمراره ، وهذا ما دامت حائضا ، فأما إذا انقطع حيضها فتصير كالجنب يستحب لها الوضوء في هذه المواضع ، لأنه يؤثر في حدثها كالجنب .
وهذا الذي قلناه وقاله المصنف والأصحاب إن الوضوء يؤثر في حدث الجنب ويزيله عن أعضاء الوضوء هو الصحيح الذي قطع به الجمهور وخالف فيه إمام الحرمين ، فقال : لا يرتفع شيء من الحدث حتى تكمل الطهارة . وقد سبق بيان هذه المسائل في المسائل الزوائد في آخر صفة الوضوء ودليل استحباب الوضوء وغسل الفرج في هذه الأحوال أحاديث صحيحة منها حديث رضي الله عنه قال : { عمر } " رواه يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب ؟ فقال : نعم إذا توضأ البخاري . وفي الصحيحين عن ومسلم قال : { ابن عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه الجنابة من الليل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ [ ص: 179 ] واغسل ذكرك ثم نم عمر } " وعن ذكر " { عائشة } " رواه كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام ، وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة البخاري هذا لفظ ومسلم . وفي رواية البخاري : { مسلم } " وفي رواية له " { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام } " . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان جنبا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه
وعن أن النبي صلى الله عليه وسلم " { عمار بن ياسر } " رواه رخص للجنب إذا أكل أو شرب أو نام أن يتوضأ أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح ، ومعناه إذا أراد أن يأكل . عن رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { أبي سعيد الخدري } " رواه إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود ، فليتوضأ بينهما وضوءا . زاد مسلم في رواية " فإنه أنشط للعود " . وأما حديث البيهقي في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم { ابن عباس } " فالمراد بحاجته الحدث الأصغر . وأما حديث قام من الليل فقضى حاجته ثم غسل وجهه ويديه ثم نام أبي إسحاق السبيعي - بفتح السين المهملة - عن الأسود عن أن النبي صلى الله عليه وسلم " { عائشة } " رواه كان ينام وهو جنب ولا يمس ماء أبو داود والترمذي وغيرهم ، فقال والنسائي أبو داود عن : وهم يزيد بن هارون السبيعي في هذا . يعني قوله : ولا يمس ماء . وقال الترمذي : يرون أن هذا غلط من السبيعي .
وقال : طعن الحفاظ في هذه اللفظة وتوهموها مأخوذة عن غير البيهقي الأسود وأن السبيعي دلس ، قال : وحديث البيهقي السبيعي بهذه الزيادة صحيح من جهة الرواية لأنه بين سماعه من الأسود والمدلس إذا بين سماعه ممن روى عنه وكان ثقة فلا وجه لرده .
( قلت ) قالت طائفة من أهل الحديث والأصول : إن المدلس لا يحتج بروايته وإن بين السماع ، والصحيح الذي عليه الجمهور أنه إذا بين السماع احتج به ، فعلى الأول لا يكون الحديث صحيحا ، ولا يحتاج إلى جواب ، وعلى الثاني جوابه من وجهين .
( أحدهما ) ما رواه عن البيهقي ابن سريج [ ص: 180 ] رحمه الله واستحسنه أن معناه : لا يمس ماء للغسل ، لنجمع بينه وبين حديث الآخر ، وحديث البيهقي الثابتين في الصحيحين . عمر
( والثاني ) أن المراد أنه كان يترك الوضوء في بعض الأحوال ليبين الجواز إذ لو واظب عليه لاعتقدوا وجوبه ، وهذا عندي حسن أو أحسن ، وثبت في الصحيحين عن { أنس } . فيحتمل أنه كان يتوضأ بينها ، ويحتمل ترك الوضوء لبيان الجواز ، وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه بغسل واحد ، وهن تسع نسوة لأبي داود { } " قال أنه طاف على نسائه ذات ليلة يغتسل عند هذه وعند هذه فقيل يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحدا فقال : هذا أزكى وأطيب وأطهر أبو داود : والحديث الأول أصح . ( قلت ) وإن صح هذا الثاني حمل على أنه كان في وقت وذاك في وقت ، والحديثان محمولان على أنه كان برضاهن إن قلنا بالأصح ، وقول الأكثرين أن القسم كان واجبا عليه صلى الله عليه وسلم في الدوام ، فإن القسم لا يجوز أقل من ليلة ليلة برضاهن والله أعلم .
( فرع ) روى أبو داود بإسناد جيد عن والنسائي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { علي } " قال لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة [ ص: 181 ] ولا جنب ولا كلب المراد الملائكة الذين ينزلون بالرحمة والبركة لا الحفظة لأنهم لا يفارقون الجنب ولا غيره قال : وقيل لم يرد بالجنب من أصابته جنابة فأخر الاغتسال إلى حضور الصلاة ولكنه الجنب الذي يتهاون بالغسل ويتخذ تركه عادة لأن النبي صلى الله عليه وسلم " { الخطابي } . " قال : وأما الكلب فهو أن يقتني كلبا لغير الصيد والزرع والماشية وحراسة الدار ، قال : وأما الصورة [ ص: 182 ] فهي كل مصور من ذوات الأرواح ، سواء كان على جدار أو سقف أو ثوب . هذا كلام كان ينام وهو جنب ويطوف على نسائه بغسل واحد وفي تخصيصه الجنب بالمتهاون والكلب بالذي يحرم اقتناؤه نظر وهو محتمل . الخطابي
( فرع ) هذا الذي ذكرناه من كراهة هو مذهبنا وبه قال أكثر السلف أو كثير منهم ، حكاه النوم قبل الوضوء للجنب عن ابن المنذر علي بن أبي طالب وابن عباس وأبي سعيد الخدري وشداد بن أوس وعائشة والحسن البصري وعطاء والنخعي ومالك وأحمد وإسحاق واختاره قال : وقال ابن المنذر وأصحاب الرأي : هو بالخيار ، دليلنا الأحاديث السابقة والله أعلم سعيد بن المسيب
( فرع ) في مذاهب العلماء في قراءة الجنب والحائض ، مذهبنا أنه قليلها وكثيرها حتى بعض آية ; وبهذا قال أكثر العلماء كذا حكاه يحرم على الجنب والحائض قراءة القرآن وغيره عن الأكثرين ، وحكاه أصحابنا عن الخطابي عمر بن الخطاب وعلي رضي الله عنهم وجابر والحسن والزهري والنخعي وقتادة وأحمد وإسحاق . وقال : يجوز للجنب والحائض قراءة كل القرآن ، وروي هذا عن داود ابن عباس ، قال القاضي وابن المسيب أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهما : واختاره ، وقال ابن المنذر : يقرأ الجنب الآيات اليسيرة للتعوذ ، وفي الحائض روايتان عنه ( إحداهما ) تقرأ ( والثانية ) لا تقرأ ، وقال مالك : يقرأ الجنب بعض آية ولا يقرأ آية وله رواية كمذهبنا . أبو حنيفة
واحتج من جوز مطلقا بحديث عائشة رضي الله عنها { } " رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله تعالى على كل أحيانه ; قالوا : والقرآن ذكر ولأن الأصل عدم التحريم . واحتج أصحابنا بحديث مسلم المذكور في الكتاب لكنه ضعيف كما سبق وعن ابن عمر عبد الله بن سلمة ، بكسر اللام . عن رضي الله عنه قال : { علي } " رواه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فيقرأ القرآن ولم يكن يحجبه ، [ ص: 183 ] وربما قال : يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم . قال والبيهقي الترمذي : حديث حسن صحيح ، وقال غيره من الحفاظ المحققين : هو حديث ضعيف ورواه في سنن الشافعي حرملة ثم قال : إن كان ثابتا ففيه دلالة على تحريم القراءة على الجنب .
قال : ورواه البيهقي في كتاب جماع الطهور ، وقال : وإن لم يكن أهل الحديث يثبتونه . قال الشافعي : وإنما توقف البيهقي في ثبوته لأن مداره على الشافعي عبد الله بن سلمة وكان قد كبر وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة وإنما روى هذا الحديث بعدما كبر ، قاله ، ثم روى شعبة عن الأئمة تحقيق ما قال ، ثم قال البيهقي : وصح عن البيهقي رضي الله عنه أنه كره القراءة للجنب ، ثم رواه بإسناده عنه . وروي عن عمر لا يقرأ الجنب القرآن ولا حرفا واحدا ، وروى علي عن البيهقي عبد الله بن مالك الغافقي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { } " وإسناده أيضا ضعيف . واحتج أصحابنا أيضا بقصة إذا توضأت وأنا جنب أكلت وشربت ولا أصلي ولا أقرأ حتى أغتسل رضي الله عنه المشهورة : " أن امرأته رأته يواقع جارية له ، فذهبت فأخذت سكينا وجاءت تريد قتله ، فأنكر أنه واقع الجارية وقال " { عبد الله بن رواحة أليس قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنب أن يقرأ القرآن ؟ قالت : بلى فأنشدها الأبيات المشهورة فتوهمتها قرآنا فكفت عنه ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فضحك ولم ينكر عليه } " . والدلالة فيه من وجهين ( أحدهما ) أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه قوله : حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ( والثاني ) أن هذا كان مشهورا عندهم يعرفه رجالهم ونساؤهم ، ولكن إسناد هذه القصة ضعيف ومنقطع . وأجاب أصحابنا عن احتجاج بحديث داود بأن المراد بالذكر غير القرآن ، فإنه المفهوم عند الإطلاق . وأما المذاهب الباقية فقد سلموا تحريم القراءة في الجملة ، ثم ادعوا تخصيصا لا مستند له . فإن قالوا : جوزنا للحائض خوف النسيان ، قلنا : يحصل المقصود بتفكرها بقلبها . والله أعلم عائشة
واحتج من جوز مطلقا بحديث عائشة رضي الله عنها { } " رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله تعالى على كل أحيانه ; قالوا : والقرآن ذكر ولأن الأصل عدم التحريم . واحتج أصحابنا بحديث مسلم المذكور في الكتاب لكنه ضعيف كما سبق وعن ابن عمر عبد الله بن سلمة ، بكسر اللام . عن رضي الله عنه قال : { علي } " رواه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فيقرأ القرآن ولم يكن يحجبه ، [ ص: 183 ] وربما قال : يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم . قال والبيهقي الترمذي : حديث حسن صحيح ، وقال غيره من الحفاظ المحققين : هو حديث ضعيف ورواه في سنن الشافعي حرملة ثم قال : إن كان ثابتا ففيه دلالة على تحريم القراءة على الجنب .
قال : ورواه البيهقي في كتاب جماع الطهور ، وقال : وإن لم يكن أهل الحديث يثبتونه . قال الشافعي : وإنما توقف البيهقي في ثبوته لأن مداره على الشافعي عبد الله بن سلمة وكان قد كبر وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة وإنما روى هذا الحديث بعدما كبر ، قاله ، ثم روى شعبة عن الأئمة تحقيق ما قال ، ثم قال البيهقي : وصح عن البيهقي رضي الله عنه أنه كره القراءة للجنب ، ثم رواه بإسناده عنه . وروي عن عمر لا يقرأ الجنب القرآن ولا حرفا واحدا ، وروى علي عن البيهقي عبد الله بن مالك الغافقي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { } " وإسناده أيضا ضعيف . واحتج أصحابنا أيضا بقصة إذا توضأت وأنا جنب أكلت وشربت ولا أصلي ولا أقرأ حتى أغتسل رضي الله عنه المشهورة : " أن امرأته رأته يواقع جارية له ، فذهبت فأخذت سكينا وجاءت تريد قتله ، فأنكر أنه واقع الجارية وقال " { عبد الله بن رواحة أليس قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنب أن يقرأ القرآن ؟ قالت : بلى فأنشدها الأبيات المشهورة فتوهمتها قرآنا فكفت عنه ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فضحك ولم ينكر عليه } " . والدلالة فيه من وجهين ( أحدهما ) أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه قوله : حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ( والثاني ) أن هذا كان مشهورا عندهم يعرفه رجالهم ونساؤهم ، ولكن إسناد هذه القصة ضعيف ومنقطع . وأجاب أصحابنا عن احتجاج بحديث داود بأن المراد بالذكر غير القرآن ، فإنه المفهوم عند الإطلاق . وأما المذاهب الباقية فقد سلموا تحريم القراءة في الجملة ، ثم ادعوا تخصيصا لا مستند له . فإن قالوا : جوزنا للحائض خوف النسيان ، قلنا : يحصل المقصود بتفكرها بقلبها . والله أعلم عائشة
[ ص: 184 ] فرع ) في مذاهب العلماء في ، مذهبنا أنه يحرم عليه المكث في المسجد جالسا أو قائما أو مترددا أو على أي حال كان ، متوضئا كان أو غيره ، ويجوز له العبور من غير لبث ، سواء كان له حاجة أم لا ، وحكى مكث الجنب في المسجد وعبوره فيه بلا مكث مثل هذا عن ابن المنذر عبد الله بن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن البصري وسعيد بن جبير وعمرو بن دينار . وحكي عن ومالك سفيان الثوري وأصحابه وأبي حنيفة أنه لا يجوز له العبور إلا أن لا يجد بدا منه فيتوضأ ثم يمر . وقال وإسحاق بن راهويه : يحرم المكث ويباح العبور لحاجة ولا يباح لغير حاجة . قال : ولو توضأ استباح المكث . وجمهور العلماء على أن الوضوء لا أثر له في هذا . وقال أحمد المزني وداود : يجوز للجنب المكث في المسجد مطلقا . وحكاه الشيخ وابن المنذر أبو حامد عن . زيد بن أسلم
واحتج من أباح المكث مطلقا ، بما ذكره في الأشراف ، وذكره غيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ابن المنذر } " رواه المسلم لا ينجس البخاري من رواية ومسلم ، وبما احتج به أبي هريرة في المختصر واحتج به غيره أن المشرك يمكث في المسجد ، فالمسلم الجنب أولى ، وأحسن ما يوجه به هذا المذهب أن الأصل عدم التحريم ، وليس لمن حرم دليل صحيح صريح . واحتج أصحابنا بقول الله تعالى : { المزني لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل } قال رحمه الله في الأم : قال بعض العلماء بالقرآن : معناها لا تقربوا مواضع الصلاة . قال الشافعي : وما أشبه ما قال بما قال : لأنه ليس في الصلاة عبور سبيل ، إنما عبور السبيل في موضعها وهو المسجد ، قال الشافعي وعلى ما تأولها الخطابي تأولها الشافعي . قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في معرفة السنن والآثار : وروينا هذا التفسير عن البيهقي قال وروينا عن ابن عباس قال : " كان أحدنا يمر في المسجد مجتازا وهو جنب " جابر
وعن أفلت بن خليفة عن جسرة بنت دجاجة [ ص: 185 ] عن رضي الله عنها قالت { عائشة } " رواه جاء النبي صلى الله عليه وسلم وبيوت أصحابه شارعة في المسجد ، فقال وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب أبو داود وغيره . قال : " ليس هو بقوي " قال : قال البيهقي " عند البخاري جسرة عجائب " وقد خالفها غيرها في سد الأبواب . وقال " ضعف هذا الحديث " وقالوا : الخطابي أفلت مجهول ، وقال الحافظ عبد الحق : " هذا الحديث لا يثبت " .
( قلت ) وخالفهم غيرهم ، فقال " لا أرى أحمد بن حنبل بأفلت بأسا " وقال " هو كوفي صالح " وقال الدارقطني أحمد بن عبد الله العجلي " جسرة تابعية ثقة " وقد روى أبو داود هذا الحديث ولم يضعفه ، وقد قدمنا أن مذهبه أن ما رواه ولم يضعفه ولم يجد لغيره فيه تضعيفا فهو عنده صالح ، ولكن هذا الحديث ضعفه من ذكرنا ، وجسرة بفتح الجيم وإسكان السين المهملة ، وأفلت بالفاء . قال : وجوه البيوت أبوابها ، وقال ومعنى وجهوها عن المسجد : اصرفوا وجوهها عن المسجد . وأجاب أصحابنا عن احتجاجهم بحديث { الخطابي } " بأنه لا يلزم من عدم نجاسته جواز لبثه في المسجد . المسلم لا ينجس
وأما القياس على المشرك فجوابه من وجهين : ( أحدهما ) أن الشرع فرق بينهما ، فقام دليل تحريم مكث الجنب . وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس بعض المشركين في المسجد ، فإذا فرق الشرع لم يجز التسوية .
( والثاني ) أن الكافر لا يعتقد حرمة المسجد فلا يكلف بها ، بخلاف المسلم وهذا كما أن الحربي لو أتلف على المسلم شيئا لم يلزمه ضمانه لأنه لم يلتزم الضمان بخلاف المسلم والذمي إذا أتلفا . واحتج من حرم المكث والعبور بحديث : " { } " وبحديث لا أحل المسجد لحائض ولا جنب سالم بن أبي حفصة عن المفسر عن عطية بن سعد العوفي قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : { لعلي بن أبي طالب لا يحل [ ص: 186 ] لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك علي } رواه يا الترمذي في جامعه في مناقب وقال : حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه . قال علي أبو نعيم ضرار بن صرد : معناه لا يحل لأحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك . قال الترمذي : سمع مني هذا الحديث واستغربه ، قالوا : ولأنه موضع لا يجوز المكث فيه ، فكذا العبور ، كالدار المغصوبة وقياسا على الحائض ومن في رجله نجاسة . البخاري
واحتج أصحابنا بما احتج به وغيره وهو قول الله تعالى { الشافعي لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل } وتقدم ذكر الدلالة منها . قال أصحاب : المراد بالآية أن المسافر إذا أجنب وعدم الماء جاز له التيمم والصلاة وإن كانت الجنابة باقية ، لأن هذه حقيقة الصلاة . والجواب أن هذا الذي ذكروه ليس مختصا بالمسافر بل يجوز للحاضر فلا تحمل الآية عليه ، وأما ما ذكرناه فهو الظاهر ، وقد جاء الحديث وأقوال الصحابة وتفسيرهم على وفقه فكان أولى . واحتجوا بحديث أبي حنيفة : { جابر } " رواه كنا نمشي في المسجد جنبا لا نرى به بأسا الدارمي بإسناد ضعيف ، ولأنه مكلف أمن تلويث المسجد فجاز عبوره كالمحدث . وأما الجواب عن حديثهم الأول فهو أنه إن صح حمل على المكث جمعا بين الأدلة .
وأما الثاني فضعيف لأن مداره على سالم بن أبي حفصة وهما ضعيفان جدا شيعيان متهمان في رواية هذا الحديث ، وقد أجمع العلماء على تضعيف وعطية سالم وغلوه في التشيع ، ويكفي في رده بعض ما ذكرنا ، لا سيما وقد استغربه إمام الفن ، على أنه لو صح لم يكن معناه ما ذكره البخاري أبو نعيم لأنه خلاف ظاهره ، بل معناه إباحة المكث في المسجد مع الجنابة ، وقد ذكر أبو العباس بن القاص هذا في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم . وأما قياسهم على الدار المغصوبة ، فمنتقض بمواضع الخمور والملاهي والطرق الضيقة .
وأما قياسهم على من على رجله نجاسة فإنما يمنع عبوره إذا كانت النجاسة جارية أو متعرضة للجريان ، وهذا يمنع صيانة للمسجد من [ ص: 187 ] تلويثه ، والجنب بخلافه فنظير الجنب من على رجله نجاسة يابسة فله العبور . وبهذا يجاب عن قياسهم على الحائض إن حرمنا عبورها ، وإلا فالأصح جواز عبورها إذا أمنت التلويث . والله أعلم
واحتج من أباح المكث مطلقا ، بما ذكره في الأشراف ، وذكره غيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ابن المنذر } " رواه المسلم لا ينجس البخاري من رواية ومسلم ، وبما احتج به أبي هريرة في المختصر واحتج به غيره أن المشرك يمكث في المسجد ، فالمسلم الجنب أولى ، وأحسن ما يوجه به هذا المذهب أن الأصل عدم التحريم ، وليس لمن حرم دليل صحيح صريح . واحتج أصحابنا بقول الله تعالى : { المزني لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل } قال رحمه الله في الأم : قال بعض العلماء بالقرآن : معناها لا تقربوا مواضع الصلاة . قال الشافعي : وما أشبه ما قال بما قال : لأنه ليس في الصلاة عبور سبيل ، إنما عبور السبيل في موضعها وهو المسجد ، قال الشافعي وعلى ما تأولها الخطابي تأولها الشافعي . قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في معرفة السنن والآثار : وروينا هذا التفسير عن البيهقي قال وروينا عن ابن عباس قال : " كان أحدنا يمر في المسجد مجتازا وهو جنب " جابر
وعن أفلت بن خليفة عن جسرة بنت دجاجة [ ص: 185 ] عن رضي الله عنها قالت { عائشة } " رواه جاء النبي صلى الله عليه وسلم وبيوت أصحابه شارعة في المسجد ، فقال وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب أبو داود وغيره . قال : " ليس هو بقوي " قال : قال البيهقي " عند البخاري جسرة عجائب " وقد خالفها غيرها في سد الأبواب . وقال " ضعف هذا الحديث " وقالوا : الخطابي أفلت مجهول ، وقال الحافظ عبد الحق : " هذا الحديث لا يثبت " .
( قلت ) وخالفهم غيرهم ، فقال " لا أرى أحمد بن حنبل بأفلت بأسا " وقال " هو كوفي صالح " وقال الدارقطني أحمد بن عبد الله العجلي " جسرة تابعية ثقة " وقد روى أبو داود هذا الحديث ولم يضعفه ، وقد قدمنا أن مذهبه أن ما رواه ولم يضعفه ولم يجد لغيره فيه تضعيفا فهو عنده صالح ، ولكن هذا الحديث ضعفه من ذكرنا ، وجسرة بفتح الجيم وإسكان السين المهملة ، وأفلت بالفاء . قال : وجوه البيوت أبوابها ، وقال ومعنى وجهوها عن المسجد : اصرفوا وجوهها عن المسجد . وأجاب أصحابنا عن احتجاجهم بحديث { الخطابي } " بأنه لا يلزم من عدم نجاسته جواز لبثه في المسجد . المسلم لا ينجس
وأما القياس على المشرك فجوابه من وجهين : ( أحدهما ) أن الشرع فرق بينهما ، فقام دليل تحريم مكث الجنب . وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس بعض المشركين في المسجد ، فإذا فرق الشرع لم يجز التسوية .
( والثاني ) أن الكافر لا يعتقد حرمة المسجد فلا يكلف بها ، بخلاف المسلم وهذا كما أن الحربي لو أتلف على المسلم شيئا لم يلزمه ضمانه لأنه لم يلتزم الضمان بخلاف المسلم والذمي إذا أتلفا . واحتج من حرم المكث والعبور بحديث : " { } " وبحديث لا أحل المسجد لحائض ولا جنب سالم بن أبي حفصة عن المفسر عن عطية بن سعد العوفي قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : { لعلي بن أبي طالب لا يحل [ ص: 186 ] لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك علي } رواه يا الترمذي في جامعه في مناقب وقال : حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه . قال علي أبو نعيم ضرار بن صرد : معناه لا يحل لأحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك . قال الترمذي : سمع مني هذا الحديث واستغربه ، قالوا : ولأنه موضع لا يجوز المكث فيه ، فكذا العبور ، كالدار المغصوبة وقياسا على الحائض ومن في رجله نجاسة . البخاري
واحتج أصحابنا بما احتج به وغيره وهو قول الله تعالى { الشافعي لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل } وتقدم ذكر الدلالة منها . قال أصحاب : المراد بالآية أن المسافر إذا أجنب وعدم الماء جاز له التيمم والصلاة وإن كانت الجنابة باقية ، لأن هذه حقيقة الصلاة . والجواب أن هذا الذي ذكروه ليس مختصا بالمسافر بل يجوز للحاضر فلا تحمل الآية عليه ، وأما ما ذكرناه فهو الظاهر ، وقد جاء الحديث وأقوال الصحابة وتفسيرهم على وفقه فكان أولى . واحتجوا بحديث أبي حنيفة : { جابر } " رواه كنا نمشي في المسجد جنبا لا نرى به بأسا الدارمي بإسناد ضعيف ، ولأنه مكلف أمن تلويث المسجد فجاز عبوره كالمحدث . وأما الجواب عن حديثهم الأول فهو أنه إن صح حمل على المكث جمعا بين الأدلة .
وأما الثاني فضعيف لأن مداره على سالم بن أبي حفصة وهما ضعيفان جدا شيعيان متهمان في رواية هذا الحديث ، وقد أجمع العلماء على تضعيف وعطية سالم وغلوه في التشيع ، ويكفي في رده بعض ما ذكرنا ، لا سيما وقد استغربه إمام الفن ، على أنه لو صح لم يكن معناه ما ذكره البخاري أبو نعيم لأنه خلاف ظاهره ، بل معناه إباحة المكث في المسجد مع الجنابة ، وقد ذكر أبو العباس بن القاص هذا في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم . وأما قياسهم على الدار المغصوبة ، فمنتقض بمواضع الخمور والملاهي والطرق الضيقة .
وأما قياسهم على من على رجله نجاسة فإنما يمنع عبوره إذا كانت النجاسة جارية أو متعرضة للجريان ، وهذا يمنع صيانة للمسجد من [ ص: 187 ] تلويثه ، والجنب بخلافه فنظير الجنب من على رجله نجاسة يابسة فله العبور . وبهذا يجاب عن قياسهم على الحائض إن حرمنا عبورها ، وإلا فالأصح جواز عبورها إذا أمنت التلويث . والله أعلم
فصل ( يتعلق بقراءة الجنب والحائض والمحدث وأذكارهم ومواضع القراءة وأحوالها ونحو ذلك ) وهذا الفصل من المهمات التي يتأكد لطالب الآخرة معرفتها ، وقد جمعت في هذا كتابا لطيفا ، وهو ( التبيان في آداب حملة القرآن ) وأنا أشير هنا إلى جمل من مقاصده إن شاء الله تعالى ، وفيه مسائل : ( إحداها ) قد ذكرنا أنه وإن قل حتى بعض آية ، ولو كان يكرر في كتاب فقه أو غيره فيه احتجاج بآية حرم عليه قراءتها . ذكره يحرم على الجنب والحائض والنفساء قراءة شيء من القرآن في الفتاوى ، لأنه يقصد القرآن للاحتجاج . قال أصحابنا : ولو قال لإنسان : خذ الكتاب بقوة ، ولم يقصد به القرآن جاز ، وكذا ما أشبهه ، ويجوز للجنب والحائض والنفساء في معناه أن تقول عند المصيبة : { القاضي حسين إنا لله وإنا إليه راجعون } إذا لم تقصد القرآن . قال أصحابنا الخراسانيون : ويجوز عند ركوب الدابة أن يقول : { سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين } لا بقصد القرآن . وممن صرح به الفوراني والبغوي والرافعي وآخرون . وأشار العراقيون إلى منعه ، والمختار الصحيح الأول . قال القاضي وغيره : ويجوز أن يقول في الدعاء { حسين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } قال إمام الحرمين ووالده [ ص: 188 ] الشيخ أبو محمد والغزالي في البسيط : إذا قال الجنب باسم الله أو الحمد لله ، فإن قصد القرآن عصى وإن قصد الذكر لم يعص وإن لم يقصد واحدا منهما لم يعص أيضا قطعا ، لأن القصد مرعي في الأبواب .
( المسألة الثانية ) تجوز ك " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما " وما أشبه ، صرح به القاضي للجنب قراءة ما نسخت تلاوته حسين والبغوي وآخرون .
( الثالثة ) يجوز . وهذا لا خلاف فيه . للجنب والحائض النظر في المصحف وقراءته بالقلب دون حركة اللسان
( الرابعة ) قال أصحابنا : إذا يصلي الفريضة وحدها لحرمة الوقت ولا يقرأ زيادة على الفاتحة ، وفي الفاتحة وجهان حكاهما الخراسانيون ( أحدهما ) ورجحه القاضي لم يجد الجنب ماء ولا ترابا حسين والرافعي : لا تجوز قراءة الفاتحة أيضا لأنه عاجز عنها شرعا فيأتي بالأذكار التي يأتي بها من لا يحسن الفاتحة .
( والثاني ) وهو الصحيح وبه قطع الشيخ وسائر العراقيين أبو حامد والروياني في الحلية وآخرون من الخراسانيين : أنه تجب قراءة الفاتحة ، لأنه قادر وقراءته كركوعه وسجوده ، وستأتي المسألة إن شاء الله تعالى مبسوطة في باب التيمم .
( والثاني ) وهو الصحيح وبه قطع الشيخ وسائر العراقيين أبو حامد والروياني في الحلية وآخرون من الخراسانيين : أنه تجب قراءة الفاتحة ، لأنه قادر وقراءته كركوعه وسجوده ، وستأتي المسألة إن شاء الله تعالى مبسوطة في باب التيمم .
( الخامسة ) . قال غير الجنب والحائض لو كان فمه نجسا كره له قراءة القرآن الروياني : وفي تحريمه وجهان خرجهما والدي ( أحدهما ) يحرم كمس المصحف بيده النجسة ( والثاني ) لا يحرم كقراءة المحدث ، كذا أطلق الوجهين ، والصحيح أنه لا يحرم ، وهو مقتضى كلام الجمهور وإطلاقهم أن غير الجنب والحائض والنفساء لا يحرم عليه القراءة .
( السادسة ) أجمع المسلمون على جواز والأفضل أن يتوضأ لها . قال قراءة القرآن للمحدث الحدث الأصغر إمام الحرمين وغيره : ولا يقال قراءة [ ص: 189 ] المحدث مكروهة ، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم " { أنه كان يقرأ مع الحدث } " والمستحاضة في الزمن المحكوم بأنه طهر كالمحدث .
( السابعة ) لا يكره للمحدث ، نقله صاحبا العدة والبيان وغيرهما من أصحابنا ، وبه قال قراءة القرآن في الحمام ونقله محمد بن الحسن عن ابن المنذر إبراهيم النخعي . ونقل عن ومالك التابعي الجليل أبي وائل شقيق بن سلمة والشعبي ، ومكحول والحسن وقبيصة بن ذؤيب كراهته ، وحكاه أصحابنا عن ، ورويناه في مسند أبي حنيفة الدارمي عن ، فيكون عنه خلاف . دليلنا أنه لم يرد الشرع بكراهته فلم يكره كسائر المواضع . إبراهيم النخعي
( الثامنة ) لا تكره إذا لم يلته ، وروي نحو هذا عن القراءة في الطريق مارا أبي الدرداء . وعن وعمر بن عبد العزيز كراهتها . قال مالك الشعبي : تكره القراءة في الحش وبيت الرحا وهي تدور ، وهذا الذي ذكره مقتضى مذهبنا .
( التاسعة ) إذا أمسك عن القراءة حال خروجها . كان يقرأ فعرضت له ريح
( العاشرة ) أجمع المسلمون على جواز ، ودلائله مع الإجماع في الأحاديث الصحيحة مشهورة . التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من الأذكار وما سوى القرآن للجنب والحائض
( الحادية عشرة ) قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل وسائر الأذكار إلا في المواضع التي ورد الشرع بهذه الأذكار فيها ، وستأتي دلائله إن شاء الله تعالى حيث ذكره المصنف في أذكار الطواف . [ ص: 190 ] الثانية عشرة ) يستحب أن ، ولو قرأ قائما أو مضطجعا أو ماشيا أو على فراشه جاز ، ودلائله في الكتاب والسنة مشهورة ، ينظف فمه قبل الشروع في القراءة بسواك ونحوه ويستقبل القبلة ويجلس متخشعا بسكينة ووقار . والتعوذ سنة ليس بواجب وإذا أراد القراءة تعوذ وجهر به ، فإذا شرع في القراءة فليكن شأنه الخشوع والتدبر والخضوع فهو المطلوب والمقصود ، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب . قال الله تعالى : { ويحافظ على قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في أوائل السور غير براءة كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته } وقال تعالى { أفلا يتدبرون القرآن } والأحاديث فيه كثيرة ، وقد بات جماعة من السلف يردد أحدهم الآية جميع ليلته أو معظمها ، وصعق جماعات من السلف عند القراءة ، ومات جماعات منهم بسبب القراءة ، وقد ذكرت في التبيان جملة من أخبار هؤلاء رضي الله عنهم .
ويسن للأحاديث الصحيحة المشهورة فيه . وقد أوضحتها في التبيان وسأبسطها إن شاء الله تعالى في هذا الكتاب حيث ذكر تحسين الصوت بالقرآن المصنف المسألة في كتاب الشهادات . قالوا : فإن لم يكن حسن الصوت حسنه ما استطاع ، ولا يخرج بتحسينه عن حد القراءة إلى التمطيط المخرج له عن حدوده ، ويستحب ، وهي صفة العارفين وشعار عباد الله الصالحين ، قال الله تعالى { البكاء عند القراءة ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا } والأحاديث والآثار فيه كثيرة . وفي الصحيحين عن رضي الله عنه أنه { ابن مسعود } ، وطريقه في تحصيل البكاء أن يتأمل ما يقرؤه من التهديد والوعيد الشديد والمواثيق والعهود ، ثم يفكر في تقصيره فيها ، فإن لم يحضره عند ذلك حزن وبكاء ، فليبك على فقد ذلك ، فإنه من المصائب . ويسن قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قال حسبك قال فرأيت عينيه تذرفان . قال الله تعالى : { ترتيل القراءة ورتل القرآن ترتيلا } وثبت في الأحاديث الصحيحة أن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت مرتلة ، [ ص: 191 ] واتفقوا على كراهة الإفراط في الإسراع ويسمى الهذ .
قالوا : وقراءة جزء بترتيل أفضل من قراءة جزأين - في قدر ذلك الزمن - بلا ترتيل . قال العلماء : والترتيل مستحب للتدبر ، ولأنه أقرب إلى الإجلال والتوقير ، وأشد تأثيرا في القلب ، ولهذا يستحب ، الترتيل للأعجمي الذي لا يفهم معناه ونحو ذلك ، وإذا مر بآية تنزيه لله تعالى نزه ، فقال : تبارك الله أو جلت عظمة ربنا ونحو ذلك . وهذا مستحب لكل قارئ ، سواء في الصلاة وخارجها ، وسواء الإمام والمأموم والمنفرد . وقد ثبت ذلك في صحيح ويستحب إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله ، وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ من العذاب أو من الشر من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنبسط ذلك بدلائله إن شاء الله تعالى ، حيث ذكره مسلم المصنف في آخر باب سجود التلاوة .
ويسن للأحاديث الصحيحة المشهورة فيه . وقد أوضحتها في التبيان وسأبسطها إن شاء الله تعالى في هذا الكتاب حيث ذكر تحسين الصوت بالقرآن المصنف المسألة في كتاب الشهادات . قالوا : فإن لم يكن حسن الصوت حسنه ما استطاع ، ولا يخرج بتحسينه عن حد القراءة إلى التمطيط المخرج له عن حدوده ، ويستحب ، وهي صفة العارفين وشعار عباد الله الصالحين ، قال الله تعالى { البكاء عند القراءة ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا } والأحاديث والآثار فيه كثيرة . وفي الصحيحين عن رضي الله عنه أنه { ابن مسعود } ، وطريقه في تحصيل البكاء أن يتأمل ما يقرؤه من التهديد والوعيد الشديد والمواثيق والعهود ، ثم يفكر في تقصيره فيها ، فإن لم يحضره عند ذلك حزن وبكاء ، فليبك على فقد ذلك ، فإنه من المصائب . ويسن قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قال حسبك قال فرأيت عينيه تذرفان . قال الله تعالى : { ترتيل القراءة ورتل القرآن ترتيلا } وثبت في الأحاديث الصحيحة أن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت مرتلة ، [ ص: 191 ] واتفقوا على كراهة الإفراط في الإسراع ويسمى الهذ .
قالوا : وقراءة جزء بترتيل أفضل من قراءة جزأين - في قدر ذلك الزمن - بلا ترتيل . قال العلماء : والترتيل مستحب للتدبر ، ولأنه أقرب إلى الإجلال والتوقير ، وأشد تأثيرا في القلب ، ولهذا يستحب ، الترتيل للأعجمي الذي لا يفهم معناه ونحو ذلك ، وإذا مر بآية تنزيه لله تعالى نزه ، فقال : تبارك الله أو جلت عظمة ربنا ونحو ذلك . وهذا مستحب لكل قارئ ، سواء في الصلاة وخارجها ، وسواء الإمام والمأموم والمنفرد . وقد ثبت ذلك في صحيح ويستحب إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله ، وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ من العذاب أو من الشر من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنبسط ذلك بدلائله إن شاء الله تعالى ، حيث ذكره مسلم المصنف في آخر باب سجود التلاوة .
ولا تجوز سواء أحسن العربية أم لا ، وسواء كان في الصلاة أم خارجها ، وتجوز بالقراءات السبع ولا تجوز بالشواذ ، وسنوضح ذلك بدلائله في صفة الصلاة حيث ذكره القراءة بالأعجمية المصنف إن شاء الله تعالى ، والأولى أن ، سواء قرأ في الصلاة أم خارجها ، وإذا قرأ سورة قرأ بعدها التي تليها ، لأن ترتيب المصحف لحكمة فلا يتركها إلا فيما ورد الشرع فيه بالتفريق كصلاة الصبح يوم الجمعة ب ( الم ) و ( هل أتى ) وصلاة العيد ب ( ق ) ( واقتربت ) ونظائر ذلك ، فلو فرق أو عكس جاز وترك الأفضل . وأما قراءة السورة من آخرها إلى أولها ; فمتفق على منعه وذمه ; لأنه يذهب بعض أنواع الإعجاز ويزيل حكمة الترتيب ، وأما يقرأ على ترتيب المصحف فلا بأس به لأنه يقع في أيام تعليم الصبيان من آخر الختمة إلى أولها
( فرع ) أفضل من القراءة عن ظهر القلب ، لأنها تجمع القراءة والنظر في المصحف وهو عبادة أخرى ، كذا قاله القاضي القراءة في المصحف وغيره من أصحابنا . ونص عليه جماعات من السلف ولم أر فيه خلافا ، ولعلهم أرادوا بذلك في حق من يستوي خشوعه وحضور قلبه في الحالين ، فأما من يزيد خشوعه وحضور قلبه وتدبره في القراءة عن ظهر القلب فهي أفضل في حقه حسين
[ ص: 192 ] فرع ) لا كراهة في بل هي مستحبة ، وكذا الإدارة وهي أن قراءة الجماعة مجتمعين ، وقد ذكرت دلائله في التبيان ، يقرأ بعضهم جزءا أو سورة مثلا ويسكت بعضهم ، ثم يقرأ الساكتون ويسكت القارئون منها ما سبق في آداب القارئ وحده . ومنها أشياء يتساهل فيها في العادة ، فمن ذلك أنهم مأمورون باجتناب الضحك واللغط والحديث في حال القراءة إلا كلاما يسيرا للضرورة ، وباجتناب العبث باليد وغيرها ، والنظر إلى ما يلهي أو يبدد الذهن . وأقبح من ذلك وللقارئين مجتمعين آداب كثيرة كالأمرد وغيره ، سواء كان بشهوة أم بغيرها ويجب على الحاضر في ذلك المجلس أن ينكر ما يراه من هذه المنكرات وغيرها ، فينكر بيده ثم لسانه على حسب الإمكان ، فإن لم يستطع فليكرهه بقلبه . النظر إلى من يحرم النظر إليه
( فرع ) جاءت في الصحيح أحاديث تقتضي استحباب وأحاديث تقتضي أن الإسرار والإخفاء أفضل . قال العلماء : وطريق الجمع بينها أن الإخفاء أبعد من الرياء ، فهو أفضل في حق من يخاف الرياء ، وكذا من يتأذى المصلون وغيرهم بجهره فالإخفاء أفضل في حقه ، فإن لم يخف الرياء ولم يتأذ أحد بجهره فالجهر أفضل ; لأن العمل فيه أكثر ; ولأن فائدته تتعدى إلى السامعين ، ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمع همه إلى الفكر ويصرف سمعه إليه ويطرد النوم ويزيد في النشاط ، وقد أوضحت جملة من الأحاديث والآثار الواردة من ذلك في التبيان . رفع الصوت بالقراءة
( فرع ) يسن تحسين الصوت بالقراءة ، للأحاديث الصحيحة المشهورة فيه ، وسنبسطه إن شاء الله تعالى حيث ذكره المصنف في كتاب الشهادات ويسن ; وهذا متفق على استحبابه ، وهو عادة الأخيار والمتعبدين وعباد الله الصالحين . وفي الصحيحين { طلب القراءة من حسن الصوت والإصغاء إليها ، اقرأ علي القرآن فإني أحب أن أسمعه من غيري ، فقرأ عليه من سورة النساء حتى بلغ { لعبد الله بن مسعود فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } } والآثار فيه كثيرة مشهورة ، وقد مات جماعة من الصالحين بقراءة من سألوه [ ص: 193 ] القراءة ، واستحب العلماء افتتاح مجلس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بقراءة قارئ حسن الصوت ما تيسر من القرآن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
( فرع ) ينبغي . فإنها قد تكون في وسط كلام مرتبط كالجزء في قوله تعالى : ( { للقارئ أن يبتدئ من أول السورة أو من أول الكلام المرتبط ويقف على آخرها ، أو آخر الكلام المرتبط بعضه ببعض ، ولا يتقيد بالأجزاء والأعشار والمحصنات } ) ، ( { وما أبرئ نفسي } ) ، ( { قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا } ) ، ( { ومن يقنت منكن } ) ، ( { وما أنزلنا على قومه } ) ، ( { إليه يرد علم الساعة } ) ، ( { قال فما خطبكم } ) فكل هذا وشبهه لا يبتدأ به ، ولا يوقف عليه ، ولا يغتر بكثرة الفاعلين له ، ولهذا قال العلماء : قراءة سورة قصيرة بكمالها أفضل من قدرها من طويلة لأنه قد يخفى الارتباط
( فرع ) ، منها حال الركوع والسجود والتشهد وغيرها من أحوال الصلاة سوى القيام . وتكره في حال القعود على الخلاء ، وفي حال النعاس وحال الخطبة لمن يسمعها . ويكره للمأموم قراءة ما زاد على الفاتحة في صلاة جهرية إذا سمع قراءة الإمام ولا يكره في الطواف ، وتقدم بيان القراءة في الحمام والطريق وقراءة من فمه نجس تكره القراءة في أحوال
( فرع ) ، فإن أعاد التعوذ كان حسنا ، إذا مر القارئ على قوم سلم عليهم وعاد إلى القراءة ، ويلزم القارئ رد السلام باللفظ . وقال ويستحب لمن مر على القارئ أن يسلم عليه الواحدي من أصحابنا : لا يسلم المار ; فإن سلم رد عليه القارئ بالإشارة ، وهذا ضعيف ، ولو فليحمد الله تعالى ، ولو عطس غيره شمته القارئ ، ولو سمع المؤذن أو المقيم قطع القراءة وتابعه ، وقد ذكر عطس القارئ في الصلاة أو خارجها المصنف المسألة في باب الأذان ، ولو أجابه إشارة طلبت منه حاجة وأمكنه الجواب بإشارة مفهمة وعلم أنه لا يشق ذلك على الطالب
[ ص: 194 ] فرع ) أليس الله بأحكم الحاكمين } ) ; ( { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى } ) استحب أن يقول : بلى وأنا على ذلك من الشاهدين . إذا قرأ : ( { قال : سبحان ربي الأعلى ، وإذا قرأ ( سبح اسم ربك الأعلى ) وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا } ) قال : الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا . وقد بسطت ذلك في التبيان وسأذكره في صفة الصلاة من هذا الكتاب مبسوطا إن شاء الله تعالى . وإذا قرأ : ( {
( فرع ) جاء عن أنه إبراهيم النخعي وقالت اليهود يد الله مغلولة } ) ، ( { وقالت اليهود عزير ابن الله } ) ونحوهما خفض صوته قليلا . وقال غيره : إذا قرأ : ( { إن الله وملائكته يصلون على النبي } ) الآية ، استحب أن يقول : صلى الله عليه وسلم تسليما إذا قرأ ( {
( فرع ) جاء عن أنه إبراهيم النخعي وقالت اليهود يد الله مغلولة } ) ، ( { وقالت اليهود عزير ابن الله } ) ونحوهما خفض صوته قليلا . وقال غيره : إذا قرأ : ( { إن الله وملائكته يصلون على النبي } ) الآية ، استحب أن يقول : صلى الله عليه وسلم تسليما إذا قرأ ( {
( فرع ) في أفضلها ما كان في الصلاة ، ومذهبنا أن تطويل القيام في الصلاة أفضل من تطويل السجود وغيره ، وسنبسط المسألة بأدلتها ومذاهب العلماء فيها في صفة الصلاة إن شاء الله تعالى . وقد ذكرها الأوقات المختارة للقراءة المصنف في باب صلاة الخوف . وأفضل الأوقات الليل ونصفه الآخر أفضل ، والقراءة بين المغرب والعشاء محبوبة ، وأفضل النهار بعد الصبح ، ولا كراهة في شيء من الأوقات . ونقل عن بعض السلف كراهة القراءة بعد العصر ، وليس بشيء ولا أصل له ، ويختار من الأيام يوم عرفة ، ثم يوم الجمعة ، ثم الاثنين والخميس ، ومن الأعشار العشر الأواخر من شهر رمضان ، والأول من ذي الحجة ، ومن الشهور رمضان .
( فرع ) ( في ) يستحب كونه في أول الليل أو أول النهار وإن قرأ وحده فالختم في الصلاة أفضل واستحب السلف صيام يوم الختم وحضور مجلسه . وقالوا : يستجاب الدعاء عند الختم وتنزل الرحمة ، وكان آداب ختم القرآن رضي الله عنه إذا أراد الختم جمع أهله وختم ودعا ، واستحبوا الدعاء بعد الختم استحبابا متأكدا وجاء فيه آثار كثيرة ، ويلح في الدعاء ويدعو بالمهمات ويكثر من ذلك في صلاح المسلمين وصلاح [ ص: 195 ] ولاة أمورهم ; ويختار الدعوات الجامعة ، وقد جمعت في التبيان منها جملة ، واستحبوا إذا ختم أن يشرع في ختمة أخرى أنس بن مالك
( فرع ) ( في ) ليكن على أكمل الأحوال وأكرم الشمائل ، ويرفع نفسه عن كل ما نهى القرآن عنه ، ويتصون عن دنيء الاكتساب ، وليكن شريف النفس عفيفا ، متواضعا للصالحين وضعفة المسلمين ، متخشعا ذا سكينة ووقار . قال آداب حامل القرآن رضي الله عنه : ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون ، وبنهاره إذ الناس مفطرون ، وبحزنه إذ الناس يفرحون ، وببكائه إذ الناس يضحكون ، وبصمته إذ الناس يخوضون ، وبخشوعه إذ الناس يختالون . وقال عبد الله بن مسعود رحمه الله : إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم ، فكانوا يتدبرونها بالليل ، وينفذونها بالنهار ، وقال الحسن البصري رحمه الله : حامل القرآن حامل راية الإسلام ، ينبغي أن لا يلهو مع من يلهو ولا يسهو مع من يسهو ، ولا يلغو مع من يلغو ، تعظيما لحق القرآن ، وليحذر أن يتخذ القرآن معيشة يكتسب بها . ولا بأس بالاستئجار لقراءة القرآن عندنا ، وسنبسط المسألة بأدلتها إن شاء الله تعالى في كتاب الإجارة . وليحافظ على تلاوته ، ويكثر منها بحسب حاله ، وقد بسطت الكلام في بيان هذا ، وعادات السلف فيه في التبيان ، ويكون اعتناؤه بتلاوته في الليل أكثر ، لأنه أجمع للقلب ، وأبعد من الشاغلات ، والملهيات ، والتصرف في الحاجات ، وأصون في تطرق الرياء ، وغيره من المحبطات ، مع ما جاء في الشرع من بيان ما فيه الخيرات ، كالإسراء ، وحديث النزول ، وحديث : { الفضيل } " وسنبسط الكلام ، والأحاديث في هذه المسألة حيث ذكرها في الليل ساعة يستجاب فيها الدعاء وذلك كل ليلة المصنف في باب صلاة التطوع ، إن شاء الله تعالى ، وليحذر كل الحذر من نسيانه ، أو نسيان شيء منه ، أو تعريضه للنسيان ، ففي الصحيحين عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { } " وفي سنن تعاهدوا القرآن ، فوالذي نفس محمد بيده [ ص: 196 ] لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها أبي داود ، عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أنس } " وفيه ، عن عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ، ثم نسيها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : { سعد بن عبادة } " والله أعلم من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله عز وجل يوم القيامة أجذم
( فرع ) في ، قال الله تعالى : { آداب الناس كلهم مع القرآن ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب } وفي صحيح عن مسلم ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { تميم الداري } وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام ، وقد أوضحت شرحه في أول شرح صحيح الدين النصيحة ، قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ، وبينت الدلائل في أن مدار الإسلام عليه ، وأقوال العلماء في شرحه . ومختصر ما يحتاج إليه هنا أن العلماء قالوا : نصيحة كتاب الله تعالى هي الإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق ولا يقدر الخلق على مثل سورة منه ، وتلاوته حق تلاوته ، وتحسينها وتدبرها والخشوع عندها ، وإقامة حروفه في التلاوة والذب عنه لتأويل المحرفين ، وتعرض الملحدين ، والتصديق بما فيه والوقوف مع أحكامه وتفهم علومه وأمثاله ، والاعتبار بمواعظه والتفكر في عجائبه والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه ، ومجمله ومبينه وغير ذلك من أقسامه ، ونشر علومه والدعاء إليه وإلى جميع ما ذكرنا من نصيحته . وأجمعت الأمة على وجوب مسلم . وأجمعوا على أن تعظيم القرآن على الإطلاق وتنزيهه وصيانته فهو كافر . وأجمعوا على أن من من جحد منه حرفا مجمعا عليه ، أو زاد حرفا لم يقرأ به أحد وهو عالم بذلك كفر . [ ص: 197 ] ويحرم تفسيره بغير علم ، والكلام في معانيه لمن ليس من أهله . وهذا مجمع عليه وأما تفسير العلماء فحسن بالإجماع ويحرم المراء فيه والجدال بغير حق ، ويكره أن يقول نسيت آية كذا . بل يقول : أنسيتها أو أسقطتها . ويجوز أن يقول : سورة البقرة وسورة النساء وسورة العنكبوت وغيرها ، ولا كراهة في شيء من هذا ، والأحاديث الصحيحة في هذا كثيرة ، وكره بعض السلف هذا وقال : إنما يقال السورة التي يذكر فيها البقرة ونحوها ، والصواب أنه لا كراهة فقد تظاهرت فيه الأحاديث الصحيحة وأقاويل الصحابة فمن بعدهم ، ولا يكره أن يقال : قراءة استخف بالقرآن أو بشيء منه أو بالمصحف أو ألقاه في قاذورة أو كذب بشيء مما جاء به من حكم أو خبر ، أو نفى ما أثبته أو أثبت ما نفاه أو شك في شيء من ذلك وهو عالم به أبي عمرو وابن كثير وغيرهما وكرهه بعض السلف ، والصواب أن لا كراهة وعليه عمل السلف والخلف ، ولا يكره أن يقول : الله تعالى يقول ، وكرهه التابعي . وقال : إنما يقال قال الله تعالى بصيغة الماضي ، والصواب الأول ، قال الله تعالى : { مطرف بن عبد الله بن الشخير والله يقول الحق } والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة مشهورة وقد جمعت منها جملة في أول شرح صحيح وفي أواخر كتاب الأذكار ، مسلم
ولا يكره ، وهو نفخ لطيف بلا ريق ، وكرهه النفث مع القراءة للرقية أبو جحيفة الصحابي والحسن البصري رضي الله عنهم والصحيح أنه لا كراهة ، فقد ثبت في الصحيحين عن والنخعي رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله . وقد أوضحت ذلك في التبيان ولو عائشة ، فقال كتب القرآن في إناء ثم غسله وسقاه المريض الحسن البصري ومجاهد وأبو قلابة والأوزاعي : لا بأس به ، وكرهه ، ومقتضى مذهبنا أنه لا بأس به ، فقد قدمنا في مسائل مس المصحف أنه لو كتب القرآن على حلوى أو غيرها من الطعام فلا بأس بأكله . النخعي
( فرع ) في . هذا الباب غير منحصر لكثرة ما جاء فيه ، ومعظمه يأتي إن شاء الله تعالى في هذا الشرح في مواطنه كالسور المستحبة في الصلوات الخاصة ، كالجمعة والمنافقون في صلاة الجمعة ، و ( قاف ) و ( اقتربت ) في العيد و ( سبح ) [ ص: 198 ] و ( هل أتاك ) في الجمعة والعيد فكلاهما سنة في صحيح الآيات والسور المستحبة في أوقات وأحوال مخصوصة وغيره ، و ( الم تنزيل ) و ( هل أتى ) في صبح الجمعة وغير ذلك مما سنوضحه في مواضعه إن شاء الله تعالى . ويحافظ على ( يس ) و ( الواقعة ) و ( تبارك : الملك ) و ( قل هو الله أحد ) و ( المعوذتين ) و ( آية الكرسي ) كل وقت ، و ( الكهف ) يوم الجمعة وليلتها ، ويقرأ ( آية الكرسي ) كل ليلة إذا أوى إلى فراشه ، ويقرأ كل ليلة الآيتين من آخر البقرة ( { مسلم آمن الرسول } ) إلى آخرها ، والمعوذتين عقيب كل صلاة ، ويقرأ إذا استيقظ من النوم ونظر في السماء آخر آل عمران : ( { إن في خلق السموات والأرض } ) إلى آخرها . ويقرأ عند المريض الفاتحة وقل هو الله أحد والمعوذتين مع النفخ في اليدين ويمسحه بهما . ثبت ذلك في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل ما ذكرته في هذا الفصل فيه أحاديث صحاح مشهورة . ويقرأ عند الميت ( يس ) لحديث فيه في سنن أبي داود وغيره . واعلم أن آداب القراءة والقارئ وما يتعلق بهما لا تنحصر فنقتصر على هذه الأحرف منها لئلا نخرج عن حد الشرح الذي نحن فيه ، وبالله التوفيق
( فرع ) قال إمام الحرمين ، روي { } . وقيل : كان التيمم في الإقامة وموضع الماء ، ولكن أتى به النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما للسلام وإن لم يفد التيمم إباحة محظور ، قال : فلو أن رجلا سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب صلى الله عليه وسلم يده على حائط وتيمم ثم أجاب كان جائزا على مقتضى الحديث ، هذا كلام تيمم المحدث وقرأ عن ظهر القلب إمام الحرمين . وذكر الغزالي مثله ولا نعرف أحدا وافقهما . وهذا الحديث في الصحيحين من رواية أبي الجهيم بن الحارث إلا أنه ليس فيه أنه في المدينة . بل في الصحيحين أنه أقبل من نحو بئر جمل فتيمم ، وهذا ظاهر في أنه كان خارج المدينة وعادما للماء ، وسنعيد الحديث والكلام عليه في باب التيمم إن شاء الله تعالى وبالله التوفيق
[ ص: 199 ] فصل ( في ) وما يتعلق بها وما يندب فيها وما تنزه منه ونحو ذلك ، وفيه مسائل : ( إحداها ) قد سبق أنه المساجد وأحكامها ولا كراهة في العبور ، سواء كان لحاجة أم لغيرها ، لكن الأولى أن لا يعبر إلا لحاجة ليخرج من خلاف يحرم على الجنب المكث في المسجد ولا يحرم العبور من غير مكث وغيره . هذا مقتضى كلام الأصحاب تصريحا وإشارة . وقال أبي حنيفة المتولي والرافعي : إن عبر لغير غرض كره وإن كان لغرض فلا . وحكى الرافعي وجها أنه لا يجوز العبور إلا لمن لم يجد طريقا غيره ، وقطع الجرجاني في التحرير بأنه لا يجوز العبور إلا لحاجة ، وهذان شاذان ، والصواب جوازه لحاجة ولغيرها ولمن وجد طريقا ولغيره ، وبه قطع الأصحاب
( الثانية ) لو وجب عليه الخروج منه إلا أن يعجز عن الخروج لإغلاق المسجد ونحوه ، أو خاف على نفسه أو ماله ، فإن عجز أو خاف جاز أن يقيم للضرورة . قال احتلم في المسجد المتولي والبغوي والرافعي وآخرون : فإن وجد ترابا غير تراب المسجد تيمم ولا يتيمم بتراب المسجد ، كما لو لم يجد إلا ترابا مملوكا فإنه لا يتيمم به ، فإن خالف وتيمم به صح ، ولو لم يجز أن يدخل ويغتسل في المسجد لأنه يلبث لحظة مع الجنابة . قال أجنب وهو خارج المسجد والماء في المسجد البغوي : فإن كان معه إناء تيمم ثم دخل وأخرج فيه الماء للغسل ، وإن لم يكن إناء صلى بالتيمم ثم يعيد وهذا الذي قال فيه نظر وينبغي أن يجوز الغسل فيه إذا لم يجد غيره ولم يجد إناء ولا يكفي التيمم حينئذ لأنا جوزنا المرور في المسجد الطويل لغير حاجة ، فكيف يمتنع مكث لحظة لطيفة لضرورة لا مندوحة عنها . وإذا دخل للاستقاء لا يجوز أن يقف إلا قدر حاجة الاستقاء .
( فرع ) لو فالأولى أن يخرج من الأقرب ، فإن خرج من الأبعد لغرض بأن كانت داره في تلك الجهة ونحو ذلك لم يكره ، وإلا ففي الكراهة وجهان حكاهما احتلم في مسجد له بابان أحدهما أقرب المتولي بناء على المسافر [ ص: 200 ] إذا قولان . كان له طريقان يقصر أحدهما دون الآخر ، فسلك الأبعد لغير غرض ، هل يقصر ؟ فيه
( المسألة الثالثة ) يجوز بإجماع المسلمين . وسواء قعد لغرض شرعي كانتظار صلاة أو اعتكاف أو سماع قرآن أو علم آخر أو وعظ أم لغير غرض ، ولا كراهة في ذلك . وقال للمحدث الجلوس في المسجد المتولي : إن كان لغير غرض كره . ولا أعلم أحدا وافقه على الكراهة ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم كرهوا ذلك أو منعوا منه ، والأصل عدم الكراهة حتى يثبت نهي .
( الرابعة ) يجوز ولا كراهة فيه عندنا ، نص عليه النوم في المسجد رحمه الله في الأم واتفق عليه الأصحاب ، قال الشافعي في الأشراف : رخص في النوم في المسجد ابن المنذر ابن المسيب وعطاء والحسن . وقال والشافعي : لا تتخذوه مرقدا : وروي عنه : إن كنت تنام للصلاة فلا بأس . وقال ابن عباس الأوزاعي : يكره النوم في المسجد . وقال : لا بأس بذلك للغرباء ولا أرى ذلك للحاضر . وقال مالك أحمد وإسحاق : إن كان مسافرا أو شبهه فلا بأس ، وإن اتخذه مقيلا ومبيتا فلا ، قال في السنن الكبير : روينا عن البيهقي ابن مسعود وابن عباس ومجاهد ما يدل على كراهيتهم النوم في المسجد . قال : فكأنهم استحبوا لمن وجد مسكنا أن لا يقصد النوم في المسجد . واحتج وسعيد بن جبير ثم أصحابنا لعدم الكراهة بما ثبت في الصحيحين عن الشافعي رضي الله عنهما قال : " كنت أنام في المسجد وأنا شاب عزب " وثبت أن ابن عمر أصحاب الصفة كانوا ينامون في المسجد وأن العرنيين كانوا ينامون في المسجد . وثبت في الصحيحين : " أن رضي الله عنه نام فيه " " وأن عليا نام فيه " وأن المرأة صاحبة الوشاح كانت تنام فيه " وجماعات آخرين من الصحابة . وأن صفوان بن أمية ثمامة بن أثال كان يبيت فيه قبل إسلامه ; وكل هذا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال في الأم : وإذا بات المشرك في المسجد فكذا المسلم ، واحتج بنوم الشافعي ابن عمر وأصحاب الصفة . وروى عن البيهقي عن النوم في [ ص: 201 ] المسجد فقال : أين كان ابن المسيب أصحاب الصفة ينامون ؟ يعني لا كراهة ، فإنهم كانوا ينامون فيه . قال في المختصر : ولا بأس أن يبيت المشرك في كل مسجد إلا الشافعي المسجد الحرام ، قال أصحابنا : لا يمكن كافر من دخول حرم مكة ، وأما غيره فيجوز أن يدخل كل مسجد ويبيت به بإذن المسلمين ويمنع منه بغير إذن ، ولو كان الكافر جنبا فهل يمكن من اللبث في المسجد ؟ فيه وجهان مشهوران أصحهما : يمكن ، وستأتي المسألة مبسوطة حيث ذكرها المصنف في كتاب الجزية إن شاء الله تعالى
( الخامسة ) يجوز الوضوء في المسجد إذا لم يؤذ بمائه ، وممن صرح بجواز ويسقط الماء على ترابه صاحبا الشامل والتتمة ، فقالا في باب الاعتكاف : يجوز الوضوء في المسجد . والأولى أن يكون في إناء . وكذا صرح به غيرهما . قال الوضوء في المسجد البغوي في باب الاعتكاف : ويجوز نضح المسجد بالماء المطلق ولا يجوز بالمستعمل لأن النفس تعافه ، وهذا الذي قاله ضعيف ، والمختار الجواز بالمستعمل أيضا ، وسنوضحه في باب الاعتكاف إن شاء الله تعالى . قال : أباح كل من يحفظ عنه العلم الوضوء في المسجد إلا أن يبله ويتأذى به الناس فإنه يكره ، هذا كلام ابن المنذر . ونقل ابن المنذر أبو الحسن بن بطال المالكي الترخيص في الوضوء في المسجد عن ابن عمر وابن عباس وطاوس وعطاء والنخعي وابن القاسم المالكي وأكثر أهل العلم . وعن ابن سيرين ومالك كراهته تنزيها للمسجد . وسحنون
( السادسة ) ، وسيأتي بسط هذه المسائل بدلائلها ، وفروعها إن شاء الله تعالى ، حيث ذكرها لا بأس بالأكل والشرب في المسجد ، ووضع المائدة فيه ، وغسل اليد فيه المصنف في كتاب الاعتكاف .
( السابعة ) ، للأحاديث [ ص: 202 ] الصحيحة في ذلك ، منها حديث يكره لمن أكل ثوما ، أو بصلا ، أو كراثا ، أو غيرها مما له رائحة كريهة ، وبقيت رائحته ، أن يدخل المسجد من غير ضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ابن عمر من أكل من هذه الشجرة - يعني الثوم - فلا يقربن مسجدنا } " رواه ، البخاري ، وفي رواية ومسلم : " مساجدنا " وعن مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم : " { أنس من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ولا يصلين معنا } " رواه البخاري ، وعن ومسلم قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " { جابر } " رواه من أكل ثوما ، أو بصلا فليعتزلنا ، أو فليعتزل مسجدنا البخاري ، وفي رواية ومسلم : " { لمسلم } " وعن من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا ; فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم رضي الله عنه { عمر بن الخطاب } " رواه أنه خطب يوم جمعة ، فقال في خطبته : ثم إنكم - أيها الناس - تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين : هذا البصل والثوم ، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع فمن أكلهما فليمتهما طبخا مسلم
( السابعة ) ، للأحاديث [ ص: 202 ] الصحيحة في ذلك ، منها حديث يكره لمن أكل ثوما ، أو بصلا ، أو كراثا ، أو غيرها مما له رائحة كريهة ، وبقيت رائحته ، أن يدخل المسجد من غير ضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ابن عمر من أكل من هذه الشجرة - يعني الثوم - فلا يقربن مسجدنا } " رواه ، البخاري ، وفي رواية ومسلم : " مساجدنا " وعن مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم : " { أنس من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ولا يصلين معنا } " رواه البخاري ، وعن ومسلم قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " { جابر } " رواه من أكل ثوما ، أو بصلا فليعتزلنا ، أو فليعتزل مسجدنا البخاري ، وفي رواية ومسلم : " { لمسلم } " وعن من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا ; فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم رضي الله عنه { عمر بن الخطاب } " رواه أنه خطب يوم جمعة ، فقال في خطبته : ثم إنكم - أيها الناس - تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين : هذا البصل والثوم ، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع فمن أكلهما فليمتهما طبخا مسلم
( فرع ) لا يحرم لكن الأولى اجتنابه لقوله صلى الله عليه وسلم : { إخراج الريح من الدبر في المسجد } " والله أعلم . فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم
( الثامنة ) ثبت في الصحيحين عن رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أنس خطيئة وكفارتها دفنها البصاق في المسجد } " وستأتي المسألة إن شاء الله تعالى بفروعها حيث ذكرها المصنف في آخر باب ما يفسد الصلاة .
( الثامنة ) ثبت في الصحيحين عن رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أنس خطيئة وكفارتها دفنها البصاق في المسجد } " وستأتي المسألة إن شاء الله تعالى بفروعها حيث ذكرها المصنف في آخر باب ما يفسد الصلاة .
( التاسعة ) يحرم في غير إناء ، ويكره الفصد والحجامة فيه في إناء ولا يحرم . وفي تحريم البول في إناء المسجد وجهان : أصحهما : يحرم ، وقد سبقت المسألة في باب الاستطابة . قال صاحب التتمة وغيره : ويحرم إدخال النجاسة إلى المسجد . فأما من على بدنه نجاسة أو به جرح فإن خاف تلويث المسجد حرم عليه دخوله ، وإن أمن لم يحرم ، قال البول والفصد والحجامة في المسجد المتولي : هو كالمحدث ودليل هذه المسائل حديث رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أنس } " أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله وقراءة القرآن . مسلم
[ ص: 203 ] العاشرة ) قال وصاحب البيان : يكره الصيمري ، ويكره غرس الشجر في المسجد قالوا : لأنه بناء في مال غيره وللإمام قلع ما غرس فيه . حفر البئر فيه
( الحادية عشرة ) تكره ونحوه من العقود هذا هو الصحيح المشهور . الخصومة في المسجد ورفع الصوت فيه ونشد الضالة وكذا البيع والشراء والإجارة قول ضعيف أنه لا يكره البيع والشراء . وسأذكر المسألة مبسوطة في آخر كتاب الاعتكاف حيث ذكرها وللشافعي المصنف والأصحاب إن شاء الله تعالى . ودليل هذه المسائل حديث والشافعي رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { أبي هريرة } " رواه من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك ، فإن المساجد لم تبن لهذا . وفي رواية مسلم الترمذي : " { } " . قال إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا : لا أربح الله تجارتك وإذا رأيتم من ينشد ضالة فقولوا لا رد الله عليك ضالتك الترمذي : حديث حسن . وعن رضي الله عنه { بريدة } " رواه أن رجلا نشد في المسجد فقال : من دعا إلى الجمل الأحمر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له وعن مسلم عن أبيه عن جده : " { عمرو بن شعيب } " رواه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشراء والبيع في المسجد وأن تنشد فيه ضالة وأن ينشد فيه شعر أبو داود والترمذي ، قال والنسائي الترمذي : حديث حسن . وعن قال : " كنت في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا السائب بن يزيد رضي الله عنه فقال : اذهب فأتني بهذين فجئته بهما فقال : من أين أنتما ؟ فقالا من أهل عمر بن الخطاب الطائف فقال لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه والله أعلم . البخاري
( فرع ) لا بأس بأن لحديث يعطي السائل في المسجد شيئا عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { عبد الرحمن ، فأخذتها فدفعتها إليه } " رواه هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا ؟ فقال أبو بكر : دخلت المسجد [ ص: 204 ] فإذا أنا بسائل يسأل فوجدت كسرة خبز في يد أبو داود بإسناد جيد .
( الثانية عشرة ) قال المتولي وغيره : يكره لأنه لا يؤمن تلويثهم إياه . ولا يحرم ذلك لأنه ثبت في الصحيحين { إدخال البهائم والمجانين والصبيان الذين لا يميزون المسجد رضي الله عنهما وطاف على بعيره أمامة بنت زينب } ولا ينفي هذا الكراهة لأنه صلى الله عليه وسلم فعله لبيان الجواز فيكون حينئذ أفضل في حقه فإن البيان واجب وقد سبق نظير هذا في الوضوء مرة مرة . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى حاملا
( الثالثة عشرة ) يكره أن ونحوها لحديث يجعل المسجد مقعدا لحرفة كالخياطة السابق في المسألة التاسعة ، فأما من ينسخ فيه شيئا من العلم أو اتفق قعوده فيه فخاط ثوبا ولم يجعله مقعدا للخياطة فلا بأس به . أنس
( الرابعة عشرة ) يجوز ونحو ذلك . ثبت في صحيحي الاستلقاء في المسجد على القفا ووضع إحدى الرجلين على الأخرى وتشبيك الأصابع البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك كله . ومسلم
( الخامسة عشرة ) يستحب ونحوها والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة مشهورة عقد حلق العلم في المساجد وذكر المواعظ والرقائق
( فرع ) يجوز ونحوه ما دام مباحا لحديث التحدث بالحديث المباح في المسجد وبأمور الدنيا وغيرها من المباحات وإن حصل فيه ضحك رضي الله عنه قال : { جابر بن سمرة } " رواه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقوم من مصلاه الذي صلى فيه الصبح حتى تطلع الشمس ، فإذا طلعت قام ، قال : وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم . مسلم
( السادسة عشرة ) لا بأس إذا كان مدحا للنبوة أو الإسلام أو كان حكمة أو في مكارم الأخلاق أو الزهد ونحو ذلك من أنواع الخير ، فأما ما فيه شيء مذموم كهجو مسلم أو صفة الخمر أو ذكر [ ص: 205 ] النساء أو المرد أو مدح ظالم أو افتخار منهي عنه . أو غير ذلك فحرام لحديث بإنشاد الشعر في المسجد السابق في المسألة التاسعة . فمما يحتج به للنوع الأول حديث أنس قال : { سعيد بن المسيب في المسجد عمر بن الخطاب وحسان ينشد الشعر فلحظ إليه فقال : كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك . ثم التفت إلى فقال : أنشدك بالله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أجب عني اللهم أيده بروح القدس ؟ قال نعم أبي هريرة } " رواه مر البخاري ، ومما يحتج به للنوع الثاني حديث ومسلم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم { عمرو بن شعيب } " حديث حسن رواه نهى عن تناشد الأشعار في المسجد بإسناد حسن . النسائي
( الثامنة عشرة ) من البدع المنكرة ما يفعل في كثير من البلدان من ، فيحصل بسبب ذلك مفاسد كثيرة منها مضاهاة المجوس في الاعتناء بالنار والإكثار منها ، ومنها إضاعة المال في غير وجهه ، ومنها ما يترتب على ذلك في كثير من المساجد من اجتماع الصبيان وأهل البطالة ولعبهم ، ورفع أصواتهم ، وامتهانهم المساجد وانتهاك حرمتها وحصول أوساخ فيها وغير ذلك من المفاسد التي يجب صيانة المسجد من أفرادها . إيقاد القناديل الكثيرة العظيمة السرف في ليال معروفة من السنة كليلة نصف شعبان
( التاسعة عشرة ) السنة لمن أن يمسك على حده كنصل السهم وسنان الرمح ونحوه لحديث دخل المسجد ومعه سلاح رضي الله عنه أن رجلا مر بسهام في المسجد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم { جابر } رواه أمسك بنصالها البخاري . وعن ومسلم أبي موسى رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم " { } رواه من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا ومعه نبل فليمسك [ ص: 206 ] أو ليقبض على نصالها بكفه أن يصيب أحدا من المسلمين منها بشيء البخاري . ومسلم
( العشرون ) لحديث السنة للقادم من سفر أن يبدأ بالمسجد فيصلي فيه ركعتين رضي الله عنه قال : { كعب بن مالك } " رواه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين البخاري . ومسلم
( الحادية والعشرون ) ينبغي فإنه يصح عندنا ، وإن قل زمانه . للجالس في المسجد لانتظار صلاة أو اشتغال بعلم أو لشغل آخر أو لغير ذلك من طاعة ومباح أن ينوي الاعتكاف
( الثانية والعشرون ) قال وغيره من أصحابنا : الصيمري لصيانته أو لحفظ آلاته هكذا قالوه وهذا إذا خيف امتهانها ، وضياع ما فيها ، ولم يدع إلى فتحها حاجة ، فأما إذا لم يخف من فتحها مفسدة ولا انتهاك حرمتها ، وكان في فتحها رفق بالناس فالسنة فتحها . كما لم يغلق مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمنه ولا بعده . لا بأس بإغلاق المسجد في غير وقت الصلاة
( الثالثة والعشرون ) ، وستأتي المسألة بفروعها في باب صلاة التطوع إن شاء الله تعالى . يكره لداخل المسجد أن يجلس فيه حتى يصلي ركعتين
( الرابعة والعشرون ) ينبغي ، فإن جلس فيه لصلاة أو غيرها فاتفقت حكومة ، فلا بأس بالقضاء فيها فيه ; وستأتي المسألة مبسوطة في كتاب الأقضية إن شاء الله تعالى . للقاضي أن لا يتخذ المسجد مجلسا للقضاء
( الخامسة والعشرون ) للأحاديث الصحيحة المشهورة في ذلك ، وأما يكره أن يتخذ على القبر مسجد ، فحرام شديد التحريم ، وستأتي المسألة بفروعها الكثيرة إن شاء الله تعالى حيث ذكرها حفر القبر في المسجد المصنف في آخر الجنائز .
( الرابعة والعشرون ) ينبغي ، فإن جلس فيه لصلاة أو غيرها فاتفقت حكومة ، فلا بأس بالقضاء فيها فيه ; وستأتي المسألة مبسوطة في كتاب الأقضية إن شاء الله تعالى . للقاضي أن لا يتخذ المسجد مجلسا للقضاء
( الخامسة والعشرون ) للأحاديث الصحيحة المشهورة في ذلك ، وأما يكره أن يتخذ على القبر مسجد ، فحرام شديد التحريم ، وستأتي المسألة بفروعها الكثيرة إن شاء الله تعالى حيث ذكرها حفر القبر في المسجد المصنف في آخر الجنائز .
[ ص: 207 ] السادسة والعشرون ) ، وقد نص حائط المسجد من داخله وخارجه له حكم المسجد في وجوب صيانته وتعظيم حرماته ، وكذا سطحه ، والبئر التي فيه ، وكذا رحبته والأصحاب رحمهم الله على صحة الاعتكاف في رحبته وسطحه وصحة صلاة المأموم فيهما مقتديا بمن في المسجد . الشافعي
( السابعة والعشرون ) ، لحديث السنة لمن أراد دخول المسجد أن يتفقد نعليه ويمسح ما فيهما من أذى قبل دخوله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " { أبي سعيد الخدري } " حديث حسن رواه إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما أبو داود بإسناد صحيح .
( الثامنة والعشرون ) يكره حتى يصلي إلا لعذر لحديث الخروج من المسجد بعد الأذان قال : " { أبي الشعثاء رضي الله عنه في المسجد فأذن المؤذن فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبي هريرة بصره حتى خرج من المسجد فقال أبو هريرة : أما هذا فقد عصى أبو هريرة أبا القاسم صلى الله عليه وسلم } رواه كنا قعودا مع . مسلم ،
( التاسعة والعشرون ) يستحب أن ، باسم الله والحمد لله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وسلم ، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك ، وإذا خرج من المسجد قال مثله إلا أنه يقول : وافتح لي أبواب فضلك ، ويقدم برجله اليمنى في الدخول ، واليسرى في الخروج ، فأما تقديم اليمنى واليسرى فتقدم دليله في صفة الوضوء في فضل غسل اليدين . وأما هذه الأذكار فقد جاءت بها أحاديث متفرقة . جمعتها في كتاب الأذكار بعضها في صحيح يقول عند دخوله المسجد : أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم ، ومعظمها في سنن مسلم أبي داود ، وقد أوضحتها في الأذكار ، فإن طال عليه هذا كله فليقتصر على ما في والنسائي { مسلم } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا دخل أحدكم المسجد فليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك ، وإذا خرج فليقل : اللهم إني أسألك من فضلك
[ ص: 208 ] الثلاثون ) لا يجوز كحجر وحصاة وتراب وغيره . وقد سبق في هذه المسألة تحريم التيمم بتراب المسجد ومثله الزيت والشمع الذي يسرج فيه ، وفي سنن أخذ شيء من أجزاء المسجد أبي داود بإسناد صحيح عن . قال بعض الرواة : أراه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { أبي هريرة } . إن الحصاة لتناشد الذي يخرجها من المسجد
( الحادية والثلاثون ) يسن لحديث بناء المساجد وعمارتها وتعهدها وإصلاح ما تشعث منها رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { عثمان بن عفان } " رواه من بنى لله تعالى مسجدا بنى الله له مثله في الجنة البخاري ، ويجوز بناء المسجد في موضع كان كنيسة وبيعة أو مقبرة درست إذا أصلح ترابها ، فقد ثبت في الصحيحين عن ومسلم : " { أنس } " وجاء في الكنيسة والبيعة أحاديث منها حديث أن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيه قبور المشركين فنبشت رضي الله عنه " { عثمان بن أبي العاص الطائف حيث كانت طواغيتهم } " رواه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعل مسجد أهل أبو داود بإسناد جيد .
( الثانية والثلاثون ) في في صحيح فضل المساجد عن مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة } " والأحاديث في فضلها كثيرة ولا بأس أن يقال مسجد فلان ومسجد بني فلان على سبيل التعريف . أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها . وأبغض البلاد إلى الله أسواقها
( الثالثة والثلاثون ) على المذهب . وبه قطع الجمهور ، وذكر المصلى المتخذ للعيد وغيره ، الذي ليس بمسجد لا يحرم المكث فيه على الجنب والحائض الدارمي فيه وجهين وأجراهما في منع الكافر من دخوله بغير إذن ذكره في باب صلاة العيد وقد يحتج له بحديث أم عطية في الصحيحين " { } ويجاب عنه : بأنهن أمرن باعتزاله ليتسع على غيرهن وليتميزن والله أعلم أن النبي [ ص: 209 ] صلى الله عليه وسلم أمر الحيض أن يحضرن يوم العيد ويعتزلن المصلى