الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              1118 [ ص: 236 ] (باب قصر الصلاة في الحج)

                                                                                                                              وهو في النووي في: (كتاب صلاة المسافرين) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 202 جـ5 المطبعة المصرية

                                                                                                                              ;[ (عن أنس بن مالك) عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله ولم يذكر الحج

                                                                                                                              قوله: ( خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى مكة، فصلى ركعتين ركعتين حتى رجع. قلت: كم أقام بمكة؟ قال: عشرا ) .]

                                                                                                                              وفي رواية: " خرجنا من المدينة، إلى الحج ".

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              قال النووي : معناه: أنه أقام في مكة وما حواليها، لا في نفس مكة فقط.

                                                                                                                              والمراد: سفره في حجة الوداع، فقدم مكة في اليوم الرابع، فأقام بها: الخامس، والسادس، والسابع.

                                                                                                                              وخرج منها في الثامن إلى منى، وذهب إلى عرفات في التاسع.

                                                                                                                              وعاد إلى منى في العاشر، فأقام بها: الحادي عشر. ونفر في الثالث عشر إلى مكة. وخرج منها إلى المدينة، في الرابع عشر.

                                                                                                                              فمدة إقامته صلى الله عليه وسلم في مكة وحواليها: عشرة أيام.

                                                                                                                              وكان يقصر الصلاة فيها كلها.

                                                                                                                              [ ص: 237 ] قال: ففيه دليل، على أن المسافر إذا نوى إقامة دون أربعة أيام، سوى يومي الدخول والخروج: يقصر.

                                                                                                                              وأن الثلاثة ليست إقامة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أقام هو والمهاجرون: ثلاثا بمكة، فدل على: أن الثلاثة، ليست إقامة شرعية.

                                                                                                                              وأن (يومي الدخول والخروج) ، لا يحسبان منها.

                                                                                                                              وبهذه الجملة قال الشافعي، وجمهور العلماء. وفيها خلاف منتشر للسلف. انتهى.

                                                                                                                              أقول: الذي لم يعزم على إقامة مدة معينة، لا يزال يقصر، حتى يمضي له قدر المدة، التي أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، عام الفتح. وفي تبوك.

                                                                                                                              وقد روي أنه أقام بمكة: " ثماني عشرة ليلة "، كما في رواية.

                                                                                                                              أو: " تسع عشرة ليلة "، كما في رواية أخرى.

                                                                                                                              أو: " سبع عشرة ليلة "، كما في رواية ثالثة.

                                                                                                                              وروي أنه أقام بتبوك: " عشرين ليلة ". فإذا مضى للمتردد، الذي لم يعزم على إقامة مدة معينة: "عشرون ليلة "، أتم صلاته.

                                                                                                                              فإن قلت: ومن أين لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم، لو أقام أكثر من هذه المدة لأتم صلاته؟

                                                                                                                              قلت: المقيم ببلد قد حط رحله، وذهب عنه مشقة السفر.

                                                                                                                              فلولا أنه صلى الله عليه وسلم، قصر في هذه المدة، لما كان القصر في ذلك سائغا.

                                                                                                                              [ ص: 238 ] فعلينا: أن نقتصر على المدة، التي قصر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليه وعلى من معه فيها: اسم "السفر".

                                                                                                                              فقال: "أتموا يا أهل مكة! فإنا قوم سفر".

                                                                                                                              وقد أخرج البخاري، وغيره، عن ابن عباس "رضي الله عنهما":

                                                                                                                              (قال: لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة، أقام فيها: "تسع عشرة ليلة". فنحن إذا سافرنا وأقمنا: "تسع عشرة ليلة"، قصرنا. وإن زدنا أتممنا ) .

                                                                                                                              هذا حبر الأمة يقول هكذا. (وهو الحق) اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما قصر فيه مع الإقامة. ورجوعا مع الأصل، وهو: أن المقيم يتم صلاته، فيما زاد على ذلك.

                                                                                                                              وتمام الكلام على هذا المقام، في كتابنا: "الروضة الندية". وليس على أكثر الفروع، التي ذكرها الفقهاء، من أهل الرأي وغيرهم، في هذه المسألة: أثارة من علم.

                                                                                                                              وهذا الذي ذكرناه، فيما إذا كان مترددا.

                                                                                                                              وأما مع عدم التردد، بل العزم على إقامة مدة معينة؛ فالواجب: الاقتصار على ما اقتصر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، مع عزمه على الإقامة. وذلك " أربعة أيام ".

                                                                                                                              والحاصل: أن من عزم على إقامة أربعة أيام بمكان، قصر. عزم على إقامة أكثر منها، أتم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية