الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
116 - باب ذكر خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وعن جميع الصحابة

قال محمد بن الحسين رحمه الله :

لما طعن عمر رضي الله عنه ، وتيقن أنه الموت كان من حسن توفيق الله الكريم له ، ونصيحته لله عز وجل في رعيته ، وحسن النظر لهم حيا وميتا ، أنه جعل الأمر بعده شورى بين جماعة من الصحابة الذين قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض ، وقد شهد لهم بالجنة ، وأخرج ولده من الخلافة ومن المشورة ، وقال لهم : "من اخترتم منكم أن يكون خليفة ، فهو خليفة" وهم ستة : عثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم ، وجزاهم عن الأمة خيرا ، فما قصروا في الاجتهاد ، فرضي القوم بعثمان بن عفان رضي الله عنه ، فبايعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وسائر الصحابة ، لم يختلف عليه واحد منهم لعلمهم بفضله ، وقديم إسلامه ، ومحبته لله ولرسوله ، وبذله لماله لله ولرسوله ، ولفضل علمه ولعظيم قدره عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإكرام النبي صلى الله عليه وسلم له ، لا يشك في ذلك مؤمن عاقل ، وإنما يشك في ذلك جاهل شقي قد خطي به عن سبيل الرشاد ، ولعب به الشيطان ، وحرم التوفيق .

فإن قال قائل : فاذكر من بعض مناقبه ، ما إذا سمعها من جهل فضل عثمان رضي الله عنه ، رجع عن مذهبه الخطأ إلى الصواب ؟

[ ص: 1747 ] قيل له : أول مناقبه تصديقه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإسلامه ، وتزويج النبي صلى الله عليه وسلم إياه ابنتيه ، ولم يزوجه إلا بوحي من السماء .

روى ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله تعالى أوحى إلي أن أزوج كريمتي من عثمان بن عفان" .

قال محمد بن الحسين رحمه الله :

زوجه أولا رقية ، فلما ماتت ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان رضي الله عنه : "يا عثمان ، هذا جبريل عليه السلام يخبرني أن الله عز وجل ، قد زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية ، وعلى مثل صحبتها" .

وروى أبو هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قبر ابنته الثانية التي كانت عند عثمان ، رضي الله عنه فقال : "ألا أبو أيم ، ألا أخو أيم يزوجها عثمان ، فلو كان لي عشر لزوجتهن عثمان ، وما زوجته إلا بوحي من السماء" .

ثم اعلموا ، رحمكم الله ، أنه إنما يسمى عثمان ذا النورين ، لأنه لم يجمع بين ابنتي نبي في التزويج واحدة بعد الأخرى من لدن آدم عليه السلام ، إلا عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فلذلك سمي "ذا النورين" فهذه أحد مناقبه الشريفة .

ومنها أن عبد الرحمن بن سمرة قال : جاء عثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، وفي كمه ألف دينار فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ثم ولى .

[ ص: 1748 ] قال عبد الرحمن بن سمرة : فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها بيده في حجره ويقول : "ما ضر عثمان ما فعل بعد هذا اليوم أبدا" .


وقال قتادة : "إن عثمان رضي الله عنه جهز في جيش العسرة تسعمائة وثلاثين بعيرا وسبعين فرسا" .

وقال ابن شهاب الزهري : "حمل عثمان بن عفان رضي الله عنه في غزوة تبوك على تسعمائة بعير وأربعين بعيرا ، ثم جاء بستين فرسا فأتم بها الألف" .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "من يشتري بئر رومة ، فيجعلها سقاية للمسلمين ، غفر الله له" . فاشتراها عثمان رضي الله عنه ، ثم ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك" .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "لكل نبي رفيق ، ورفيقي عثمان بن عفان" .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن الملائكة لتستحيي من عثمان بن عفان" .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يشفع عثمان بن عفان يوم القيامة لمثل ربيعة ومضر" .

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بفتن كائنة تكون بعده ، وأخبر أن عثمان ، رضي الله عنه بريء منها .

وأخبر أنه يقتل مظلوما ، وأمره بالصبر ، فصبر رضي الله عنه ، حتى قتل مظلوما ، وقد اجتهد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم ورحم أصحابه - في نصرته ، [ ص: 1749 ] فمنعهم ، وقال : أنتم في حل من بيعتي ، وإني لأرجو أن ألقى الله عز وجل سالما مظلوما .

وكان يحيي الليل كله بركعة يختم فيها القرآن .

ومناقبه كثيرة شريفة عند من يعقل ممن نفعه الله الكريم بالعلم ، سنذكرها إن شاء الله في موضعها .

التالي السابق


الخدمات العلمية