الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              - المطلب الثاني: البحث العلمي والتأليف في مجال الطب والصيدلة:

              لقد كان للوقف الإسلامي، الذي خصص وأنفق على المستشفيات وعلى النشاطات التعليمية الطبية والعلمية والمرتبطة بالطب، أثره الواضح على تقدم البحث العلمي في الكيمياء والصيدلة، وكانت كليات الطب والمستشفيات التعليمية هي المختبرات العلمية لتطور وتطوير علم «الأقرباذين» وعلم النبات وعلم الصيدلة. وكانت هذه المستشفيات، التي اعتمدت على الأموال الموقوفة، سببا في تحقيق الإنجازات الرئيسة في الفروع المتصلة بعلم الكيمياء والأدوية، ونتيجة ما انفتح من أبواب الإيقاف على البحث العلمي، خاصة من قبل من كان يدخل هذه المستشفيات ويخرج منها بعد ذلك معافى بفضل الله ومنه، حيث كان القادرون والميسورون عرفانا منهم بفضل الله تعالى عليهم، وتقديرا منهم للجهود المبذولة من قبل طلبة وأساتذة هذه المستشفيات، ولما يشاهدونه من وافر العناية والرعاية والتطبيب، الذي كانوا يلاقونه فيها، أخذوا يحبسون الكثير من أموالهم على هذه المستشفيات التعليمية [1] . [ ص: 172 ] وقد خصصت أوقاف مقررة للإنفاق على تأليف الكتب في الصيدلة والطب، واستطاع الأساتذة أن يكملوا كتبهم نتيجة مثل هذا التعضيد العلمي من هذه الأموال الموقوفة. ومن أمثلة ذلك (كتاب البيمارستانات) لزاهد العلماء الفارقي عميد أحد المستشفيات في القرن الخامس الهجري، وكتاب (مقالة أمينية في الأدوية البيمارستانية) لابن التلميذ، و «الدستور البيمارستاني» تأليف ابن أبي عبيان، وكتاب (صفات البيمارستان) للرازي في العلوم الطبية كذلك، إذ هو أحد أهم الإنجازات التي نتجت عن مثل هذا التعضيد من قبل الواقفين.

              وقام مشاهير الأطباء بتأليف أهم المؤلفات الطبية، التي تعد فخرا للتراث العربي والإسلامي ولتأثيره في الحضارة الإنسانية جمعاء؛ من ذلك: كتاب «الكليات في الطب» لابن رشد، الذي عندما ابتدأ الغرب يستيقظ أنشأ له أول معهد دراسي علمي في جنوبي إيطاليا، وهو أول معهد في أوروبا كلها، أنشأوه على نسق المدارس العربية، فترجم هذا المعهد كتاب «الكليات في الطب» إلى اللاتينية تحت عنوان (Colliget) فأصبح هو الكتاب الرئيس لتدريس الطب في أوروبا، إذ إن الطب هو أول دراسة عليا اقتبسها الغرب من العرب؛ وأصبح مفهوم (Colliget) يطلق على مركز الدراسة هذا، كما أطلق على الدراسة نفسها التي تطورت أخيرا إلى مفهوم (College) ، وهذا الاصطلاح ما هو إلا تحوير لاسم كتاب الكليات لابن رشد.

              ومن مشاهير الأطباء الذين ألفوا وترجموا العديد من الكتب المهمة، الرازي الذي ألف 237 كتابا ورسالة في الطب والفلسفة من أهمها [ ص: 173 ] «الحاوي في الطب»؛ ومن أشهر من ألف كذلك «ابن التلميذ» المتوفى سنة 560 هجرية، الذي ألف كتابه المشهور «الملكي»؛ والرئيس ابن سينا صـاحب كتاب «القانون» وعلي بن عيسى طبيب العيون، الذي ألف «تـذكرة الكمـالين» الذي وصـف فيه30 مرضـا من أمراض العيون، وابن جزلة صاحب كتاب «تقويم الأبدان»؛ والرازي الذي وصف أمراض الحصبة والجديري وكيفية علاجهما؛ وابن زهر الذي وصف الحوادث السريرية والأمراض الباطنية [2] .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية