الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 297 ] ذكر الآية الرابعة والثلاثين: قوله تعالى: لا إكراه في الدين ، اختلف العلماء هل هذا القدر من الآية محكم أو منسوخ .

فذهب قوم إلى أنه محكم ، ثم اختلفوا في وجه إحكامه على قولين: أحدهما: أنه من العام المخصوص ، وأنه خص منه أهل الكتاب فإنهم لا يكرهون على الإسلام ، بل يخيرون بينه وبين أداء الجزية ، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة .

" وكان السبب في نزول هذه الآية: ما أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال: أبنا عمر بن عبيد الله البقال ، قال: أبنا ابن بشران ، قال: أبنا إسحاق الكاذي ، قال: أبنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي ، قال: أبنا علي بن عاصم ، قال: أبنا داود بن أبي هند ، عن عامر ، قال: " كانت المرأة في الأنصار إذا كانت لا يعيش لها ولد تدعى المقلاة ، فكانت المرأة إذا كانت كذلك نذرت ، إن هي أعاشت ولدا تصبغه يهوديا ، فأدرك الإسلام طوائف من أولاد الأنصار ، وهم كذلك ، فقالوا إنما صبغناهم يهودا ونحن نرى أن [ ص: 298 ] اليهود خير من عباد الأوثان ، فإما إذ جاء الله بالإسلام فإنا نكرههم على الإسلام ، فأنزل الله تعالى: لا إكراه في الدين قال أحمد : وحدثنا حسن ، قال: أبنا أبو هلال ، قال: أبنا داود ، قال: قال عامر : " لا إكراه في الدين ، كانت تكون المرأة مقلاة في الجاهلية لا يعيش لها ولد ، فكانت تنذر الله عليها ، إن عاش لها ولد لتسلمنه في خير دين تعلمه ، ولم يكن في الجاهلية دين أفضل من اليهودية فتسلمه في اليهودية ، فلما جاء الله بالإسلام ، قالوا: يا نبي الله كنا لا نعلم أو لا نرى أن دينا أفضل من اليهودية ، فلما جاء الله بالإسلام نرتجعهم ، فأنزل الله عز وجل: لا إكراه في الدين لا تكرهوهم ولا ترتجعوهم قال أحمد : وأبنا وكيع ، قال: أبنا سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد ، قال: " كان ناس مسترضعون في بني قريظة ، فأرادوا أن يكرهوهم على الإسلام فنزلت: لا إكراه في الدين أخبرنا عبد الوهاب الحافظ ، قال: أبنا ابن جبرون ، وأبو ظاهر الباقلاوي ، قالا: أبنا ابن شاذان ، قال: أبنا ابن كامل ، قال: أبنا محمد [ ص: 299 ] بن سعد ، قال: أخبرني أبي ، قال: حدثني عمي ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس رضي الله عنهما " لا إكراه في الدين ، قال: وذلك لما دخل الناس في الإسلام وأعطى أهل الكتاب الجزية .

والثاني: أن المراد به ليس الدين ما يدين به في الظاهر على جهة الإكراه عليه ، ولم يشهد به القلب وينطوي عليه الضمائر ، وإنما الدين هو المعتقد بالقلب ، وهذا قول أبي بكر بن الأنباري .

والقول الثاني: أنه منسوخ ، لأن هذه الآية نزلت قبل الأمر بالقتال ثم نسخت بآية السيف ، وهذا قول الضحاك ، والسدي ، وابن زيد .

" أخبرنا ابن ناصر ، قال: أبنا ابن أيوب ، قال: أبنا ابن شاذان ، قال: أبنا أبو بكر النجاد ، قال: أبنا أبو داود ، قال: أبنا جعفر بن محمد ، قال: أبنا عمرو بن طلحة القناد ، قال: أبنا أسباط بن نصر ، عن إسماعيل السدي ، فأسنده إلى من فوقه " لا إكراه في الدين ، قال: نسخ وأمر بقتال أهل الكتاب في براءة .

[ ص: 300 ] أخبرنا المبارك بن علي ، قال: أبنا أحمد بن الحسن بن قريش ، قال: أبنا أبو إسحاق البرمكي ، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس ، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود ، قال: أبنا حمر بن نوح ، قال: أبنا أبو معاذ ، قال: أبنا أبو مصلح ، عن الضحاك " لا إكراه في الدين ، قال: نزلت هذه الآية قبل أن يؤمر بالقتال قال أبو بكر : وذكر المسيب بن واضح ، عن بقية بن الوليد ، عن عتبة بن أبي حكيم ، عن سليمان بن موسى ، قال: " هذه الآية منسوخة لا إكراه في الدين نسختها: يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين .

[ ص: 301 ] [ ص: 302 ] ذكر الآية الخامسة والثلاثين: قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه هذه الآية تتضمن الأمر بإثبات الدين في كتاب ، وإثبات الشهادة في البيع والدين ، واختلف العلماء هل هذا أمر وجوب أم استحباب ، فذهب الجمهور إلى أنه أمر ندب واستحباب .

" أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر ، قال: أبنا أبو محمد الجوهري ، قال: أبنا محمد بن المظفر ، قال: أبنا علي بن إسماعيل ، قال: أبنا أبو حفص عمر بن علي ، قال: أبنا معتمر بن سليمان ، قال: سمعت أبي ، يقول: " سألت الحسن عن الرجل يبيع ولا يشهد ، فقال: أليس قد قال الله عز وجل: فإن أمن بعضكم بعضا قال أبو حفص : وحدثنا يزيد بن زريع ، قال: أبنا داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، قال: " إن شاء أشهد وأخبرنا ابن الحصين ، قال: أبنا أبو طالب بن غيلان ، قال: أبنا أبو بكر الشافعي ، قال: أبنا إسحاق بن ميمون ، قال: أبنا موسى بن مسعود [ ص: 303 ] ، قال: أبنا الثوري ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، قال: " إن شاء أشهد وإن شاء لم يشهد ثم قرأ: فإن أمن بعضكم بعضا .

فعلى هذا القول الآية محكمة ، وذهب آخرون إلى أن الكتابة والإشهاد واجبان ، وهو مروي عن ابن عمر ، وأبي موسى ، ومجاهد ، وعطاء ، وابن سيرين ، والضحاك ، وأبي قلابة ، والحكم ، وابن زيد في آخرين ، ثم اختلف أرباب هذا القول هل نسخ أم لا ؟ فذهب قوم منهم عطاء وإبراهيم إلى أنه لم ينسخ ، [ ص: 304 ] وذهب آخرون منهم أبو سعيد الخدري ، والشعبي ، وابن زيد إلى أنه نسخ بقوله: فإن أمن بعضكم بعضا أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز ، قال: أبنا أبو محمد الجوهري ، قال: أبنا محمد بن المظفر ، قال: أبنا علي بن إسماعيل بن حماد ، قال: أبنا أبو حفص عمرو بن علي ، قال: أبنا محمد بن مروان ، قال: أبنا عبد الملك بن أبي نضرة ، عن أبيه ، عن أبي سعيد ، أنه قرأ هذه الآية: " إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه حتى بلغ فإن أمن بعضكم بعضا ، قال: هذه نسخت ما قبلها أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال: أبنا عمر بن عبيد الله البقال ، قال: أبنا ابن بشران ، قال: أبنا إسحاق الكاذي ، قال: أبنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال: حدثني أبي ، قال: أبنا عفان ، قال: أبنا عبد الوارث .

[ ص: 305 ] وأخبرنا محمد بن أبي القاسم ، قال: بنا أحمد بن أحمد ، قال: أبنا أبو نعيم الحافظ ، قال: أبنا أحمد بن إسحاق ، قال: أبنا أبو يحيى الرازي ، قال: أبنا عبد الرحمن بن عمر ، قال: أبنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال: أبنا محمد بن دينار كلاهما ، عن يونس ، عن الحسن " وأشهدوا إذا تبايعتم ، قال: نسختها فإن أمن بعضكم بعضا .

قلت: وهذا ليس بنسخ ، لأن الناسخ ينافي المنسوخ ، ولم يقل ههنا فلا تكتبوا ، ولا تشهدوا ، وإنما بين التسهيل في ذلك ولو كان مثل هذا ناسخا لكان قوله: فلم تجدوا ماء فتيمموا ناسخا للوضوء بالماء ، وقوله: فمن لم يجد فصيام شهرين ناسخا قوله: فتحرير رقبة والصحيح أنه ليس ههنا نسخ وأنه أمر ندب .

وقد اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرس الذي شهد فيه خزيمة بلا إشهاد .

[ ص: 306 ] " أخبرنا المبارك بن علي ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش ، قال: أبنا أبو إسحاق البرمكي ، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس ، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود ، قال: أبنا محمد بن بشار ، قال: أبنا محمد ، قال: أبنا شعبة ، عن فراس ، عن الشعبي ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، قال: " ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم .

أحدهم: رجل كان له على رجل دين فلم يشهد عليه
[ ص: 307 ] ذكر الآية السادسة والثلاثين: قوله تعالى: وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله أما إبداء ما في النفس فإنه العمل بما أضمره العبد أو نطق به ، وهذا مما يحاسب عليه العبد ويؤاخذ به ، فأما ما يخفيه في نفسه فاختلف العلماء في المراد بالمخفي في هذه الآية على قولين: أحدهما: أنه عام في جميع المخفيات وهو قول الأكثرين ، ثم اختلفوا هل هذا الحكم ثابت في المؤاخذة أم منسوخ ؟ على قولين: أحدهما: أنه منسوخ بقوله: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها هذا قول علي وابن مسعود في آخرين .

[ ص: 308 ] " أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال: أبنا عمر بن عبيد الله ، قال: أبنا ابن بشران ، قال: أبنا إسحاق الكاذي ، قال: أبنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال: حدثني أبي ، قال أبنا عبد العزيز يعني ابن أبان ، قال: أبنا إسرائيل ، عن السدي ، عمن ، سمع عليا رضي الله عنه ، قال: " نزلت وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله أحزنتنا وهمتنا ، فقلنا: يحدث أحدنا نفسه فيحاسب به فلم ندر ما يغفر منه وما لم يغفر ، فنزلت بعدها فنسختها لا يكلف الله نفسا إلا وسعها أخبرنا المبارك بن علي ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش ، قال: أبنا إسحاق البرمكي ، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن عباس ، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود ، قال: أبنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد ، قال: أبنا حجاج ، قال: أبنا هشيم ، عن سيار أبي الحكم ، عن الشعبي ، عن أبي عبيدة ، عن [ ص: 309 ] عبد الله بن مسعود ، في قوله: " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ، قال: نسختها الآية التي تليها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت أخبرنا أبو بكر العامري ، قال: أبنا أبو عبد الله الطوسي ، قال: أبنا علي بن أحمد النيسابوري ، قال: أبنا عبد القاهر بن ظاهر ، قال: أبنا محمد بن عبد الله بن علي ، قال: أبنا محمد بن إبراهيم اليوشنجي ، قال: أبنا أمية بن بسطام ، قال أبنا يزيد بن زريع ، قال: أبنا روح بن القاسم ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: " لما أنزل الله عز وجل وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله اشتد ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: لو كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة ، والصيام ، والجهاد ، والصدقة ، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتاب من قبلكم ، أراه قال: سمعنا وعصينا ، قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ، فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم فأنزل الله عز وجل في إثرها: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه [ ص: 310 ] الآية كلها ، ونسخها الله تعالى فأنزل الله: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها الآية إلى آخرها أخبرنا عبد الوهاب ، قال: أبنا أبو طاهر الباقلاوي ، قال: أبنا ابن شاذان ، قال: أبنا عبد الرحمن بن الحسن ، قال: أبنا إبراهيم بن الحسين ، قال: أبنا آدم ، قال: أبنا ورقاء ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال: لما نزلت " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله نسختها الآية التي بعدها: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال: أبنا عمر بن عبيد الله البقال ، قال: أبنا ابن بشران ، قال: أبنا إسحاق الكاذي ، قال: أبنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال: حدثني أبي ، قال: أبنا علي بن حفص ، قال: أبنا ورقاء ، عن عطاء بن السائب ، عن ابن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، قال: نسخت هذه الآية وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله [ ص: 311 ] قال أحمد : وحدثنا محمد بن حميد ، عن سفيان ، عن آدم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال: " لما نزلت: وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله شق ذلك على المسلمين ، قال: فنزلت لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فنسختها أخبرنا ابن ناصر ، قال: أبنا علي بن أيوب ، قال: أبنا أبو علي بن شاذان ، قال: أبنا أبو بكر النجاد ، قال: أبنا أبو داود السجستاني ، قال: أبنا أحمد بن محمد بن ثابت ، قال: حدثني أبو علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ، قال: نسخت ، فقال الله: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها أخبرنا المبارك بن علي ، قال: أبنا أحمد بن الحسين ، قال: أبنا أبو إسحاق البرمكي ، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن عباس ، قال: أبنا أبو بكر ابن أبي داود ، قال: أبنا علي بن سهل بن المغيرة ، قال: أبنا عفان ، قال: أبنا عوانة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: " نسختها الآية التي بعدها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت [ ص: 312 ] أخبرنا عبد الوهاب ، قال: أبنا عاصم بن الحسن ، قال: أبنا أبو عمر بن مهدي ، قال: أبنا الحسين بن إسماعيل المحاملي ، قال: أبنا يعقوب الدورقي ، قال: أبنا يزيد بن هارون ، قال: أبنا سفيان ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر رضي الله عنهما " أنه تلا هذه الآية: وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ، فدمعت عيناه فبلغ صنيعه ابن عباس رضي الله عنهما ، فقال: يرحم الله أبا عبد الرحمن لقد صنع ما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت فنسختها: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها أخبرنا ابن الحصين ، قال: أبنا ابن المذهب ، قال: أبنا أحمد بن جعفر ، قال: أبنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال: حدثني أبي ، قال أبنا عبد الرزاق ، قال: أبنا معمر ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد ، قال: " دخلت على ابن عباس ، فقلت: يا ابن عباس كنت عند ابن عمر ، فقرأ هذه الآية ، فبكى ، قال: أية آية ؟ قلت: وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ، قال ابن عباس : إن هذه الآية حين أنزلت غمت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غما [ ص: 313 ] شديدا ، وغاظتهم غيظا شديدا يعني ، وقالوا: يا رسول الله ، هلكنا إن كنا نؤاخذ بما تكلمنا به وبما نعمل به ، فأما قلوبنا فليست بأيدينا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا سمعنا وأطعنا ، قالوا: سمعنا وأطعنا ، قال: فنسختها هذه الآية: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون إلى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت فتجوز لهم عن حديث النفس وأخذوا بالأعمال أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال: أبنا عمر بن عبيد الله البقال ، قال: أبنا ابن بشران ، قال: أبنا إسحاق بن أحمد الكاذي قال: بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال: حدثني أبي ، قال: أبنا وكيع ، قال: أبنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، وعن إبراهيم بن مهاجر ، عن إبراهيم ، وعن جابر ، عن مجاهد ، قال: " ونسخت هذه الآية لا يكلف الله نفسا إلا وسعها نسخت وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله .

[ ص: 314 ] قال أحمد : وحدثنا معاوية بن عمرو ، قال أبنا زايدة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، قال: " لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ، نسخت وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه قال أحمد : وحدثنا يونس ، قال: أبنا حماد يعني ابن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ، قال: نسختها: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، قال أحمد : وحدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، قال: نزلت هذه الآية فكبرت عليهم ، فأنزل الله تعالى بعدها آية فيها تيسير وعافية وتخفيف: " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها أخبرنا المبارك بن علي ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش ، قال: أبنا أبو إسحاق البرمكي ، قال: أبنا محمد بن إسماعيل الوراق ، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود ، قال أبنا زياد بن أيوب ، قال: أبنا هشيم ، عن يسار ، عن الشعبي ، قال: " لما نزلت وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله كان فيها شدة حتى نزلت الآية التي بعدها: لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت فنسخت ما قبلها .

[ ص: 315 ] قال أبو بكر : وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال: أبنا الأسود ، عن حماد ، عن يونس ، عن الحسن " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه ، قال: نسختها لا يكلف الله نفسا إلا وسعها .

وإلى هذا القول ذهبت عائشة رضي الله عنها ، وعلي بن الحسين ، وابن سيرين ، وعطاء الخراساني ، والسدي ، وابن زيد ، ومقاتل .

التالي السابق


الخدمات العلمية