الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء

272 . فإن يقل : ( قل بيان من جرح ) كذا إذا قالوا : (لمتن لم يصح)      273 . وأبهموا ، فالشيخ قد أجابا
أن يجب الوقف إذا استرابا      274 . حتى يبين بحثه قبوله
كمن أولو الصحيح خرجوا له      275 . ففي ( البخاري ) احتجاجا (عكرمه)
مع (ابن مرزوق) ، وغير ترجمه      276 . واحتج (مسلم) بمن قد ضعفا
نحو (سويد) إذ بجرح ما اكتفى      277 . قلت : وقد قال (أبو المعالي)
، واختاره تلميذه (الغزالي)      278 . و (ابن الخطيب ) : الحق أن يحكم بما
أطلقه العالم بأسبابهما

التالي السابق


هذا سؤال أورده ابن الصلاح على قولهم : إن الجرح لا يقبل إلا مفسرا . وكذلك تضعيف الحديث ، فقال : ولقائل أن يقول : إنما يعتمد الناس في جرح الرواة ، ورد حديثهم ، على الكتب التي صنفها أئمة الحديث في الجرح ، أو في الجرح والتعديل [ ص: 340 ] .

وقلما يتعرضون فيها لبيان السبب ، بل يقتصرون على مجرد قولهم : فلان ضعيف ، وفلان ليس بشيء ، ونحو ذلك . وهذا حديث ضعيف ، وهذا حديث غير ثابت ، ونحو ذلك . فاشتراط بيان السبب ، يفضي إلى تعطيل ذلك ، وسد باب الجرح في الأغلب الأكثر . قال : وجوابه أن ذلك وإن لم نعتمده في إثبات الجرح ، والحكم به ، فقد اعتمدناه في أن توقفنا عن قبول حديث من قالوا فيه مثل ذلك ، بناء على أن ذلك أوقع عندنا فيهم ريبة قوية ، يوجب مثلها التوقف . ثم من انزاحت عنه الريبة منهم ، ببحث عن حاله ، أوجب الثقة بعدالته; قبلنا حديثه ، ولم نتوقف . كالذين احتج بهم صاحبا الصحيحين ، وغيرهما ممن مسهم مثل هذا الجرح من غيرهم . فافهم ذلك فإنه مخلص حسن . ولما نقل الخطيب عن أئمة الحديث : أن الجرح لا يقبل إلا مفسرا ، قال : فإن البخاري احتج بجماعة سبق من غيره الطعن فيهم ، والجرح لهم ، كعكرمة مولى ابن عباس في التابعين ، وكإسماعيل بن أبي أويس ، وعاصم بن علي ، وعمرو بن مرزوق في المتأخرين .

[ ص: 341 ] قال : وهكذا فعل مسلم ، فإنه احتج بسويد بن سعيد ، وجماعة غيرهم ، اشتهر عمن ينظر في حال الرواة الطعن عليهم . قال : وسلك أبو داود هذه الطريقة ، وغير واحد ممن بعده .

وقولي : ( إذ بجرح ) ، أي : بمطلق جرح ، وذلك لأن سويد بن سعيد صدوق في نفسه ، كما قال أبو حاتم ، وصالح جزرة ، ويعقوب بن شيبة وغيرهم . وقد ضعفه البخاري ، والنسائي . فقال البخاري : حديثه منكر . وقال النسائي : ضعيف . ولم يفسر الجرح . وأكثر من فسر الجرح فيه ، ذكر أنه لما عمي ربما تلقن الشيء . وهذا وإن كان قادحا فإنما يقدح فيما حدث به بعد العمى ، وما حدث به قبل [ ص: 342 ] ذلك فصحيح . ولعل مسلما إنما خرج عنه ما عرف : أنه حدث به قبل عماه . وأما تكذيب ابن معين له ، فإنه أنكر عليه ثلاثة أحاديث : حديث : " من عشق ، وعف " ، وحديث : " من قال في ديننا برأيه فاقتلوه " ، وحديثه عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن عطية ، عن أبي سعيد مرفوعا : " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " . فقال [ ص: 343 ] ابن معين : هذا باطل عن أبي معاوية . قال الدارقطني : فلما دخلت مصر ، وجدت هذا الحديث في مسند المنجنيقي ، وكان ثقة ، عن أبي كريب ، عن أبي معاوية ، فتخلص منه سويد ، فأنكره عليه ابن معين ; لظنه أنه تفرد به عن أبي معاوية ، ولا يحتمل التفرد ، ولم ينفرد به ، وإنما كذبه ابن معين فيما تلقنه آخرا . فنسبه إلى الكذب لأجله . ويدل عليه أن محمد بن يحيى السوسي ، قال : سألت ابن معين ، عن سويد ، فقال : فيما حدثك فاكتب عنه ، وما حدثك به تلقينا فلا . فدل هذا على أنه صدوق عنده ، أنكر عليه ما تلقنه ، والله أعلم .

وإنما روى عنه مسلم لطلب العلو مما صح عنده بنزول . ولم يخرج عنه ما انفرد به . وقد قال إبراهيم بن أبي طالب : قلت لمسلم : كيف استجزت الرواية عن سويد في الصحيح ؟ فقال : ومن أين كنت آتي بنسخة حفص بن ميسرة ؟ وذلك أن مسلما لم يرو عن أحد ممن سمع من حفص بن ميسرة في الصحيح ، إلا عن سويد بن سعيد فقط . وقد روى في الصحيح عن واحد ، عن ابن وهب ، عن حفص ، والله أعلم .

[ ص: 344 ] وقولي : ( قلت . . . ) إلى آخر البيتين ، هو من الزوائد على ابن الصلاح . وهما رد على السؤال الذي ذكره ، وذلك أن إمام الحرمين ، أبا المعالي الجويني ، قال في كتاب " البرهان " : الحق أنه إن كان المزكي عالما بأسباب الجرح والتعديل ، اكتفينا بإطلاقه . وإلا فلا . وهذا هو الذي اختاره أبو حامد الغزالي ، والإمام فخر الدين بن الخطيب ، وقد تقدم نقله في شرح الأبيات التي قبل هذه عن القاضي أبي بكر ، وأنه نقله عن الجمهور . وممن اختاره أيضا من المحدثين : الخطيب ، فقال بعد أن فرق بين الجرح والتعديل في بيان السبب : على أنا نقول أيضا : إن كان الذي يرجع إليه في الجرح عدلا مرضيا في اعتقاده ، وأفعاله ، عارفا بصفة العدالة والجرح ، وأسبابهما ، عالما باختلاف الفقهاء في أحكام ذلك; قبل قوله فيمن جرحه مجملا ، ولا يسأل عن سببه .




الخدمات العلمية