الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
27 - قوله: (ع): "ورد ابن دقيق العيد الجواب الثاني".

(يعني قوله: أنه غير مستنكر أن بعض من قال ذلك أراد معناه اللغوي)

بأنه يلزم عليه أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ بأنه حسن؛ وذلك لا يقوله أحد من المحدثين إذا جروا على اصطلاحهم... إلى آخر الفصل.

قلت: وهذا الإلزام عجيب؛ لأن ابن الصلاح إنما فرض المسألة حيث يقول القائل: حسن صحيح، فحكمه عليه بالصحة يمتنع معه أن يكون موضوعا.

وأما قول الشيخ بعد ذلك: أن بعض المحدثين أطلق الحسن وأراد به معناه اللغوي دون الاصطلاحي. ثم أورد الحديث الذي ذكره ابن عبد البر ... إلى آخر كلامه عليه وهو عجيب؛ فإن ابن دقيق العيد قد قيد كلامه بقوله: إذا جروا على اصطلاحهم، وهنا لم يجر ابن عبد البر في ذلك الحكم على اصطلاح المحدثين باعترافه بعدم قوة إسناده، فكيف يحسن التعقب بذلك على ابن دقيق العيد ؟

[ ص: 476 ] وأما قول ابن المواق : إن الترمذي لم يخص الحسن بصفة تميزه عن الصحيح وما اعترض به أبو الفتح اليعمري من أنه اشترط في الحسن أن يجيء من غير وجه ولم يشترط ذلك في الصحيح.

قلت: وهو تعقب وارد [ورد] واضح على زاعم التداخل بين النوعين وكأن ابن المواق فهم التداخل من قول الترمذي : وأن يكون راويه متهما بالكذب. وذلك ليس بلازم للتداخل؛ فإن الصحيح لا يشترط فيه أن لا يكون متهما بالكذب فقط، بل بانضمام أمر آخر وهو : ثبوت العدالة والضبط بخلاف قسم الحسن الذي عرف به الترمذي .

فبان التباين بينهما.

وأما جواب الشيخ عماد الدين ابن كثير وقول شيخنا أنه تحكم لا دليل عليه. فقد استدل هو عليه فيما وجدته عنه بما حاصله: أن بين الحسن والصحة رتبة متوسطة.

[ ص: 477 ] فللقبول ثلاث مراتب :

الصحيح أعلاها، والحسن أدناها.

والثالثة ما يتشرب من كل منهما، فإن كل ما كان فيه شبه من شيئين ولم يتمحض لأحدهما اختص برتبة مفردة كقولهم للمز وهو: ما فيه حلاوة وحموضة: هذا حلو حامض.

قلت لكن هذا يقتضي إثبات قسم ثالث ولا قائل به. ثم إنه يلزم عليه أن يكون في كتاب الترمذي حديث صحيح إلا النادر؛ لأنه قل ما يعبر إلا بقوله: حسن صحيح.

وإذا أردت تحقيق ذلك فانظر إلى ما حكم به على الأحاديث المخرجة من الصحيحين كيف يقول فيها حسن صحيح غالبا.

وأجاب بعض المتأخرين عن أصل الإشكال بأنه باعتبار صدق الوصفين على الحديث بالنسبة إلى أحوال رواته عند أئمة الحديث، فإذا كان فيهم من يكون حديثه صحيحا عند قوم وحسنا عند قوم يقال فيه ذلك.

ويتعقب هذا بأنه لو أراد ذلك لأتى بالواو التي للجمع فيقول: حسن وصحيح أو أتى بأو التي هي للتخيير أو التردد فقال: حسن أو صحيح، ثم إن الذي يتبادر إلى الفهم أن الترمذي إنما يحكم على الحديث بالنسبة إلى ما عنده لا بالنسبة إلى غيره، فهذا يقدح في الجواب، ويتوقف أيضا على اعتبار الأحاديث التي جمع الترمذي فيها بين الوصفين، فإن كان في بعضها ما لا اختلاف فيه عند جميعهم في صحته، فيقدح في الجواب - أيضا - لكن لو سلم هذا [ ص: 478 ] الجواب من التعقيب لكان أقرب إلى المراد من غيره، وإني لأميل إليه وأرتضيه.

والجواب عما يرد عليه ممكن. والله أعلم.

وقيل: يجوز أن يكون مراده أن ذلك باعتبار وصفين مختلفين وهما الإسناد والحكم، فيجوز أن يكون قوله: حسن أي: باعتبار إسناده، صحيح أي: باعتبار حكمه؛ لأنه قبيل المقبول يجوز أن يطلق عليه اسم الصحة.

وهذا يمشي على قول من لا يفرد الحسن من الصحيح، بل يسمي الكل صحيحا، لكن يرد عليه ما أوردناه أولا من أن الترمذي أكثر من الحكم بذلك على الأحاديث الصحيحة الإسناد.

واختار بعض من أدركنا أن اللفظين عنده مترادفان، ويكون إتيانه باللفظ الثاني بعد الأول على سبيل التأكيد. كما يقال: صحيح ثابت أو جيد قوي أو غير ذلك.

وهذا قد يقدح فيه القاعدة بأن الحمل على التأسيس خير من الحمل على التأكيد؛ لأن الأصل عدم التأكيد، لكن قد يندفع القدح بوجود القرينة الدالة على ذلك.

وقد وجدنا في عبارة غير واحد كالدارقطني : هذا حديث صحيح ثابت.

وفي الجملة أقوى الأجوبة ما أجاب به ابن دقيق العيد ، والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية