الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومنها ) إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة ثم طلق الجميع ثلاثا فالمشهور عند الأصحاب أنه يخرج منهن أربع بالقرعة فيكن المختارات وله نكاح البواقي بعد عدة الأربع بناء على أن الطلاق اختيار والقرعة لها مدخل في تعيين المطلقات المبهمات فيميزن بالقرعة ويحكم باختيارهن وينفسخ نكاح البواقي بغير طلاق فيباح له نكاحهن بدون زوج وإصابة بعد انقضاء عدة البواقي . وقال القاضي في خلافه في كتاب البيع : يطلق الجميع ثلاثا لأن نكاحهن ثابت لم يحكم بفساده فيلحقهن الطلاق الثلاث فلا ينكح شيئا منهن إلا بعد زوج وإصابة . وهذا يرجع إلى أن الطلاق فسخ وليس باختيار ولكن يلزم منه أن يكون للرجل في الإسلام أكثر من أربع زوجات يتصرف فيهن بخصائص ملك النكاح من الطلاق وغيره وهو بعيد ، واختيار الشيخ تقي الدين أن الطلاق هنا فسخ ولا يحسب من الطلاق الثلاث وليس باختيار ، وإن مات قبل أن يختار منهن أربعا فإنه يقرع بينهن فيورث أربع منهن بالقرعة ، وأما العدة ففيها وجهان :

أحدهما : على الجميع عدة الوفاة قاله القاضي في الجامع لأنه مات والكل محبوسات على نكاحه فكان عليهن عدة الوفاة ، وإسلامه لم يوجب البينونة في الزائد على الأربع بل البينونة تقف على اختياره فإذا اختار في حياته أربعا فعدة البواقي من حين الاختيار على المشهور لا من حين الإسلام .

والثاني : وهو قول القاضي في المجرد وابن عقيل وصاحب المغني أن عليهن أطول الأمرين من عدة الوفاة وعدة الوطء وعللوه بأن أربعا منهن زوجات والبواقي موطوآت بشبهة فيجب على الجميع أطول العدتين لتبرأ الذمة من العدة الواجبة بيقين ، وهذا لا يخرج إلا على القول بأن البينونة ثبتت بالإسلام وتتبين بالاختيار فإذا اختار أربعا [ ص: 355 ] فعدة البواقي من حين إسلامه ، وأما إذا قلنا : عدتهن من حين اختياره فهن زوجات له حتى يختار فلا يتوجه أن يجب عليهن سوى عدة الوفاة إلا أن يقال إن نكاحهن في حكم الفاسد لأنه لا يجوز استدامته بحال فلا يجوز أن يثبت له خصائص النكاح الصحيح ويجاب عنه بأن النكاح الفاسد إذا اتصل به الموت أوجب عدة الوفاة على المنصوص فهذا أولى .

ويلتحق بهذه المسألة ما إذا طلق واحدة مبهمة أو معينة ثم أنسيها ثم مات قبل القرعة فإنا نقرع بينهن وتخرج المطلقة بالقرعة ويورث البواقي كما نص عليه أحمد ، وأما العدة فذكر القاضي في خلافه أنه يجب على كل واحدة منهن عدة الوفاة إن لم يكن دخل بهن يسقط الفرض بيقين وإن دخل بهن لزمهن أطول الأمرين من عدة الطلاق ومن حينه وعدة الوفاة من حينها ; لأن كل واحدة منهن يحتمل أن تكون مطلقة وأن تكون زوجة ، فلا تبرأ الذمة بدون ذلك وهذا يخالف المنصوص عن أحمد فإنه نص في رواية أبي طالب أنه يقرع بينهن فأيتهن أصابتها القرعة لم تورث ولم تعتد ، ومراده أنها لم تعتد عدة الوفاة وهذا يدل على أن العدة تابعة للميراث وهو ظاهر كلام القاضي في المجرد فمن خرجت لها قرعة الطلاق فليس عليها سوى عدة الطلاق من حينها ، وعلى البواقي عدة الوفاة من حينها ; لأن القرعة بينة شرعية وقد حكمنا بحل البضع بها كما سبق فجاز أن يبتني عليها حكم العدة لأنها من توابع الطلاق ولوازمه ، فعلى هذا المنصوص يتخرج في مسألة من أسلم على أكثر من أربع ثم مات قبل أن يختار منهن أن يقرع بين أربع منهن فيكن المختارات وتلزمهن عدة الوفاة من حينها ويلزم السهوكة عدة الوطء من حين الإسلام إذا قلنا إن عدتهن من حين الإسلام وعلى قول القاضي على الجميع أطول الأجلين .

التالي السابق


الخدمات العلمية