الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 682 ] الثالث : أفضلهم على الإطلاق أبو بكر ، ثم عمر رضي الله عنهما بإجماع أهل السنة ، ثم عثمان ثم علي ؛ هذا قول جمهور أهل السنة . وحكى الخطابي عن أهل السنة من الكوفة تقديم علي على عثمان ، وبه قال أبو بكر بن خزيمة ؛ قال أبو منصور البغدادي : أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة ، ثم تمام العشرة ، ثم أهل بدر ، ثم أحد ، ثم بيعة الرضوان ، وممن لهم مزية أهل العقبتين من الأنصار ، والسابقون الأولون ، وهم من صلى إلى القبلتين في قول ابن المسيب وطائفة ، وفي قول الشعبي : أهل بيعة الرضوان ، وفي قول محمد بن كعب وعطاء : أهل بدر .

        التالي السابق


        ( الثالث : أفضلهم على الإطلاق أبو بكر ، ثم عمر رضي الله عنهما بإجماع أهل السنة ) .

        وممن حكى الإجماع على ذلك أبو العباس القرطبي ؛ قال : ولا مبالاة بأقوال أهل التشيع ولا أهل البدع .

        وكذلك حكى الشافعي إجماع الصحابة والتابعين على ذلك ، رواه عنه البيهقي في الاعتقاد .

        وحكى المازري عن الخطابية تفضيل عمر ، وعن الشيعة تفضيل علي ، وعن [ ص: 683 ] الراوندية تفضيل العباس ، وعن بعضهم الإمساك عن التفضيل .

        وحكى الخطابي عن بعض مشايخه أنه قال : أبو بكر خير ، وعلي أفضل ، وهذا تهافت من القول .

        وحكى القاضي عياض : أن ابن عبد البر وطائفة ذهبوا إلى أن من مات منهم في حياته صلى الله عليه وسلم أفضل ممن بقي بعده ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : أنا شهيد على هؤلاء .

        قال المصنف : وهذا الإطلاق غير مرض ولا مقبول .

        ( ثم عثمان ، ثم علي ؛ هذا قول جمهور أهل السنة ) ، وإليه ذهب مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وسفيان الثوري ، وكافة أهل الحديث والفقه ، والأشعري ، والباقلاني ، وكثير من المتكلمين .

        لقول ابن عمر : كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا ، ثم عمر ، ثم عثمان ، رواه البخاري . ورواه الطبراني بلفظ أصرح كما تقدم في نوع المرفوع .

        ( وحكى الخطابي عن أهل السنة من الكوفة تقديم علي على عثمان ، وبه قال أبو بكر بن خزيمة ) ، وهو رواية عن سفيان الثوري ، ولكن آخر قوليه ما سبق .

        وحكي عن مالك التوقف بينهما ؛ حكاه المازري عن المدونة .

        وقال القاضي عياض : رجع مالك عن التوقف إلى تفضيل عثمان .

        [ ص: 684 ] قال القرطبي : وهو الأصح إن شاء الله تعالى .

        وتوقف أيضا إمام الحرمين .

        ثم التفضيل عنده ، وعند الباقلاني ، وصاحب المفهم ظني .

        وقال الأشعري : قطعي .

        ( قال أبو منصور ) عبد القاهر التميمي ( البغدادي أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة ، ثم تمام العشرة ) المشهود لهم بالجنة ؛ سعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وطلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة بن الجراح .

        ( ثم أهل بدر ) وهم ثلاثمائة وبضعة عشر ؛ روى ابن ماجه عن رافع بن خديج قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما تعدون من شهد بدرا فيكم ؟ قال : خيارنا ، قال : كذلك عندنا هم خيار الملائكة .

        ( ثم ) أهل ( أحد ، ثم ) أهل ( بيعة الرضوان ) بالحديبية ؛ قال صلى الله عليه وسلم : لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة ، صححه الترمذي .

        ( وممن له مزية : أهل العقبتين من الأنصار ، والسابقون الأولون ) من المهاجرين والأنصار ، ( وهم من صلى إلى القبلتين في قول ) سعيد ( بن المسيب وطائفة ) ، [ ص: 685 ] منهم : ابن الحنفية ، وابن سيرين ، وقتادة .

        ( وفي قول الشعبي ، أهل بيعة الرضوان ، وفي قول محمد بن كعب ) القرظي ( وعطاء ) ابن يسار ( أهل بدر ) ، روى ذلك سنيد عنهما ، بسند فيه مجهول وضعيف ، وسنيد ضعيف أيضا .

        وروى القولين السابقين عمن ذكر عبد بن حميد في تفسيره ، وعبد الرزاق ، وسعيد بن منصور في سننه بأسانيد صحيحة .

        وروى سنيد بسند صحيح إلى الحسن أنهم من أسلم قبل الفتح .

        فوائد

        الأول : ورد في أحاديث تفضيل أعيان من الصحابة ، كل واحد في أمر مخصوص .

        فروى الترمذي عن أنس مرفوعا ، أرحم أمتي بأمتي أبو بكر ، وأشدهم في دين الله عمر ، وأصدقهم حياء عثمان ، وأقضاهم علي ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، وأفرضهم زيد بن ثابت ، وأقرؤهم أبي بن كعب ، ولكل أمة أمين ؛ وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح .

        [ ص: 686 ] وروى الترمذي حديث : أفرضكم زيد ، وصححه الحاكم بلفظ : أفرض أمتي زيد .

        الثانية : اختلف في التفضيل بين فاطمة وعائشة على ثلاثة أقوال : ثالثها الوقف .

        والأصح تفضيل فاطمة ، فهي بضعة منه ، وقد صححه السبكي في الحلبيات ، وبالغ في تصحيحه .

        وفي الصحيح في فاطمة : سيدة نساء هذه الأمة .

        وروى النسائي عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هذا ملك من الملائكة استأذن ربه ليسلم علي ، يبشرني أن حسنا وحسينا سيدا شباب أهل الجنة ، وأمهما سيدة نساء أهل الجنة .

        وفي مسند الحارث بن أبي أسامة بسند صحيح ، لكنه مرسل : مريم خير نساء عالمها ، وفاطمة خير نساء عالمها .

        [ ص: 687 ] ورواه الترمذي موصولا من حديث علي بلفظ : خير نسائها مريم ، وخير نسائها فاطمة .

        قال شيخ الإسلام : والمرسل يفسر المتصل .

        الثالثة : أفضل أزواجه صلى الله عليه وسلم خديجة ، وعائشة .

        وفي التفضيل بينهما أوجه حكاها المصنف في الروضة .

        ثالثها : الوقف .

        واختار السبكي في الحلبيات تفضيل خديجة ، ثم عائشة ، ثم حفصة ، ثم الباقيات سواء .




        الخدمات العلمية