الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      4261 حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن أبي عمران الجوني عن المشعث بن طريف عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر قلت لبيك يا رسول الله وسعديك فذكر الحديث قال فيه كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف يعني القبر قلت الله ورسوله أعلم أو قال ما خار الله لي ورسوله قال عليك بالصبر أو قال تصبر ثم قال لي يا أبا ذر قلت لبيك وسعديك قال كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت قد غرقت بالدم قلت ما خار الله لي ورسوله قال عليك بمن أنت منه قلت يا رسول الله أفلا آخذ سيفي وأضعه على عاتقي قال شاركت القوم إذن قلت فما تأمرني قال تلزم بيتك قلت فإن دخل علي بيتي قال فإن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق ثوبك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه قال أبو داود لم يذكر المشعث في هذا الحديث غير حماد بن زيد

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( عن المشعث ) : بتشديد بعدها مثلثة ويقال منبعث بسكون النون وفتح الموحدة وكسر المهملة ثم مثلثة كذا في التقريب ( فذكر الحديث ) : أورد البغوي في المصابيح عن أبي ذر قال : كنت رديفا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على حمار فلما جاوزنا بيوت المدينة قال : كيف بك يا أبا ذر إذا كان بالمدينة جوع تقوم عن فراشك ولا تبلغ مسجدك حتى يجهدك الجوع؟ قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : تعفف يا أبا ذر ، قال : كيف بك يا أبا ذر إذا كان بالمدينة موت يبلغ بيت العبد حتى أنه يباع القبر بالعبد ، قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : تصبر يا أبا ذر ، قال : كيف بك يا أبا ذر إذا كان بالمدينة قتل تغمر الدماء أحجار الزيت ؟ قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : تأتي من أنت منه ، قال : قلت : وألبس السلاح ؟ قال : شاركت القوم إذا ، قلت : فكيف أصنع يا رسول الله ، قال : إن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق ناحية ثوبك على وجهك ليبوء بإثمك وإثمه قال : صاحب المشكاة والعلامة الأردبيلي في الأزهار شرح المصابيح : الحديث رواه أبو داود .

                                                                      وقال ميرك : وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال : صحيح على شرط الشيخين انتهى .

                                                                      قلت : حديث أبي ذر باللفظ الذي ساقه البغوي في المصابيح وعزاه مخرجوه إلى أبي داود ليس في النسخ التي بأيدينا من رواية اللؤلؤي فلعله من رواية غير اللؤلؤي ولم أقف على ذلك والله أعلم .

                                                                      ( إذا أصاب الناس موت ) : أي بسبب القحط أو وباء من عفونة هواء أو غيرها ( يكون البيت فيه بالوصيف ) : قال الخطابي : البيت هاهنا القبر ، والوصيف الخادم ، يريد أن الناس يشتغلون عن دفن موتاهم حتى لا يوجد فيهم من يحفر قبر الميت أو يدفن إلا أن يعطى وصيفا أو قيمته والله أعلم .

                                                                      وقد يكون معناه أن يكون مواضع القبور تضيق عنهم فيبتاعون لموتاهم القبور كل قبر بوصيف انتهى .

                                                                      وقد تعقب التوربشتي رحمه الله على هذا المعنى الثاني حيث قال وفيه نظر لأن [ ص: 266 ] الموت وإن استمر بالأحياء وفشا فيهم كل الفشو لم ينته بهم إلى ذلك وقد وسع الله عليهم الأمكنة .

                                                                      وأجيب بأن المراد بموضع القبور الجبانة المعهودة وقد جرت العادة بأنهم لا يتجاوزون كذا في المرقاة .

                                                                      قلت : وقع في رواية المصابيح والمشكاة المذكورة آنفا كيف بك يا أبا ذر إذا كان بالمدينة موت يبلغ البيت العبد حتى إنه يباع القبر بالعبد فهذه الرواية تؤيد المعنى الثاني ، وهذا المعنى هو المتعين ، لأن الحديث يفسر بعضه بعضا والله أعلم .

                                                                      وقيل : معناه أن البيوت تصير رخيصة لكثرة الموت وقلة من يسكنها فيباع بيت بعبد مع أن قيمة البيت يكون أكثر من قيمة العبد على الغالب المتعارف . وقيل معناه أنه لا يبقى في كل بيت كان فيه كثير من الناس إلا عبد يقوم بمصالح ضعفة أهل ذلك البيت . وأنت تعلم أن هذين المعنيين يحتملهما لفظ المؤلف أبي داود . وأما لفظ المصابيح والمشكاة المذكور فكلا كما لا يخفى على المتأمل .

                                                                      ( يعني القبر ) : تفسير للبيت من بعض الرواة ( والله ورسوله أعلم ) : أي بحالي وحال غيري في تلك الحال وسائر الأحوال ( أو قال ) : للشك ( ما خار الله ) : أي اختار ( تصبر ) : قال القاري . بتشديد الموحدة المفتوحة أمر من باب التفعل ، وفى نسخة تصبر مضارع صبر على أنه خبر لمعنى الأمر ( أحجار الزيت ) : قيل هي محلة بالمدينة وقيل موضع بها .

                                                                      قال التوربشتي : هي من الحرة التي كانت بها الوقعة زمن يزيد والأمير على تلك الجيوش العاتية مسلم بن عقبة المري المستبيح بحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان نزوله بعسكره في الحرة الغربية من المدينة فاستباح حرمتها وقتل رجالها وعاث فيها ثلاثة أيام وقيل خمسة ، فلا جرم أنه انماع كما ينماع الملح في الماء ولم يلبث أن أدركه الموت وهو بين الحرمين وخسر هنالك المبطلون كذا في المرقاة ( غرقت بالدم ) : بالغين المعجمة ، وفي بعض النسخ عرقت [ ص: 267 ] بالعين المهملة أي لزمت ، والعروق اللزوم ( عليك بمن أنت منه ) : أي الزم أهلك وعشيرتك الذين أنت منهم ، وقيل المراد بمن أنت منه الإمام أي الزم إمامك ومن بايعته

                                                                      ( شاركت القوم ) : أي في الأثم ( إذا ) : بالتنوين أي إذا أخذت السيف ووضعته على عاتقك .

                                                                      قال ابن الملك رحمه الله : قوله شاركت لتأكيد الزجر عن إراقة الدماء وإلا فالدفع واجب .

                                                                      قال القاري : والصواب أن الدفع جائز إذا كان الخصم مسلما إن لم يترتب عليه فساد بخلاف ما إذا كان العدو كافرا فإنه يجب الدفع مهما أمكن ( أن يبهرك ) : بفتح الهاء أي يغلبك ( شعاع السيف ) : بفتح أوله أي بريقه ولمعانه وهو كناية عن إعمال السيف ( فألق ثوبك على وجهك ) : أي لئلا ترى ولا تفزع ولا تجزع ، والمعنى لا تحاربهم وإن حاربوك بل استسلم نفسك للقتل ( يبوء ) : أي يرجع القاتل ( بإثمك ) : أي بإثم قتلك ( وبإثمه ) : أي وبسائر إثمه ( ولم يذكر المشعث ) : مفعول والفاعل قوله ( غير حماد ) .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه ابن ماجه .




                                                                      الخدمات العلمية