الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        848 811 - مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا يسوق بدنة ، فقال : " اركبها " فقال : يا رسول الله . إنها بدنة . فقال : " اركبها . ويلك " في الثانية ، أو الثالثة .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        17525 - قال أبو عمر : قد ذكرنا في " التمهيد " الاختلاف على أبي الزناد في إسناد هذا الحديث ، والاختلاف أيضا في ألفاظه عن مالك وغيره .

                                                                                                                        [ ص: 253 ] 17526 - واختلف العلماء في ركوب الهدي الواجب والتطوع .

                                                                                                                        [ ص: 254 ] 17527 - فمذهب أهل الظاهر إلى أن ركوبه جائز من ضرورة وغير ضرورة .

                                                                                                                        17528 - وبعضهم أوجب ذلك لقول رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " اركبها " .

                                                                                                                        17529 - وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أنه لا بأس بركوب الهدي على كل حال على ظاهر هذا الحديث .

                                                                                                                        17530 - والذي ذهب إليه مالك ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم ، وأكثر الفقهاء : كراهية ركوب الهدي من غير ضرورة .

                                                                                                                        17531 - وكذلك كره مالك شرب لبن البدنة . وإن كان بعد ري فصيلها . قال : فإن فعل ذلك فلا شيء عليه .

                                                                                                                        17532 - وقال أبو حنيفة والشافعي : إن نقصها الركوب أو شرب لبنها فعليه قيمة ما شرب من لبنها ، وقيمة ما نقصها الركوب .

                                                                                                                        17533 - وحجة من ذهب هذا المذهب أن ما خرج لله فغير جائز الرجوع في شيء منه ولا الانتفاع ، فإن اضطر إلى ذلك جاز له لحديث جابر في ذلك .

                                                                                                                        17534 - حدثناه عبد الله بن محمد ، قال : حدثني يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير ، قال : سألت جابر بن عبد الله عن ركوب الهدي ؟ فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها [ ص: 255 ] حتى تجد ظهرا " .

                                                                                                                        17535 - وحجة مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أذن في ركوب الهدي عند الحاجة إليه كان ذلك منه بيانا أن ذلك جائز فيما يخرج لله ، ولو وجب في ذلك شيء لنبيه - صلى الله عليه وسلم - فهو يبين عن الله تعالى مراده ، وقد سكت عن إيجاب شيء من ذلك وما سكت عن ذلك فهو عفو منه ، والذمة بريئة إلا بيقين .

                                                                                                                        17536 - وأما قوله " ويلك " فمخرجه الدعاء عليه إذ أبى من ركوبها في أول مرة ، وقال له : إنها بدنة . وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلم أنها بدنة ، فكأنه قال له : الويل لك في مراجعتك إياي فيما لا تعرف وأعرف .

                                                                                                                        [ ص: 256 ] 17537 - وكان الأصمعي يقول : ويلك كلمة عذاب : وويحك كلمة رحمة .

                                                                                                                        وذكر مالك في آخر هذا الباب



                                                                                                                        الخدمات العلمية