الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1398 - قال ابن صاعد : وحدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، وخلاد بن أسلم ، قالا : حدثنا علي بن عاصم ، عن حصين ، عن عمرو بن ميمون - واللفظ لخالد بن عبد الله - قال : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "بعث حذيفة على ما سقت دجلة ، وبعث عثمان بن حنيف على ما سقى الفرات ، فوضعا الخراج ، فلما قدما عليه قال : "لعلكما حملتما الأرض ما لا تطيق" ، فقال حذيفة : لو شئت لأضعفت أرضي ، وقال عثمان بن حنيف : لقد حملتها ما تطيق ، وما فيها كبير فضل ، فقال : "لئن عشت لأرامل أهل العراق لأدعهن ، لا يحتجن إلى أحد بعدي" ، قال : فما لبث إلا أربعة حتى أصيب ، قال : وكان عمر رضي الله عنه إذا أقيمت الصلاة ، قال للناس : استووا ، فلما استووا طعنه [ ص: 1922 ] رجل فقال : باسم الله أكلني الكلب - أو قتلني الكلب - قال : فطار العلج بسكين ذي طرفين لا يدنوا منه إنسان إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر ، فمات منهم تسعة ، وألقى عليه رجل من المسلمين برنسا ، ثم جثم عليه ، فلما عرف أنه مأخوذ ، طعن نفسه ، فقتل نفسه ، قال : وقدم الناس عبد الرحمن ، فصلى بهم صلاة خفيفة ، قال : فقال عمر لابن عباس : انظر من قتلني ؟ قال : فجال جولة ثم رجع ، فقال : غلام المغيرة بن شعبة ، فقال : الصنيع ؟ قال : نعم ، قال : قاتله الله لقد كنت أمرت به خيرا ، الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي في يد رجل من المسلمين ، وقال لابن عباس : لقد كنت أنت وأبوك تحبان أن يكثر العلوج بالمدينة ، قال : فقال : ألا نقتلهم ؟ قال : أبعد ما صلوا صلاتكم وحجوا حجكم ، ثم حمل حتى أدخلوه منزله ، فكأن لم يصب المسلمين مصيبة قبل يومئذ ، قال : فجعل الناس يدخلون عليه ، إذ دخل عليه شاب فقال : أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله عز وجل ، فإن لك من القدم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان لك ، ثم وليت فعدلت ، ثم رزقك الله الشهادة . قال : يا ابن أخي ، وددت أني وذاك لا لي ولا علي ، ثم أدبر الشاب ، فإذا هو يجر إزاره ، فقال : ردوه ، فرد ، فقال له : يا ابن أخي ، ارفع إزارك فإنه أنقى لثوبك ، أتقى لربك .

قال عمرو بن ميمون : فوالله ما منعه ما كان فيه أن نصحه ، ثم أتي بشراب نبيذ فشرب منه ، فخرج من جرحه فعرف أنه لما به ، فقال : يا عبد الله بن عمر ، انظر ما علي من الدين [ ص: 1923 ] فنظروا فإذا بضع وثمانون ألفا ، فقال : سل في آل عمر ، فإن وفى وإلا فسل في بني عدي ، فإن وفت وإلا فسل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم .

ثم قال : يا عبد الله ، ائت أم المؤمنين عائشة ، فقل : إن عمر يقرأ عليك السلام ، ولا تقل : أمير المؤمنين ، فإني لست اليوم للمؤمنين بأمير ، وقل : يستأذن في أن يدفن مع صاحبيه ، فإن أذنت فادفنوني معهما ، وإن أبت فردوني إلى مقابر المسلمين ، فأتاها عبد الله وهي تبكي ، فقال : إن عمر يستأذن في أن يدفن مع صاحبيه ، فقالت : لقد كنت أدخر ذلك المكان لنفسي ، لأوثرنه اليوم على نفسي ، ثم رجع ، فلما أقبل قال عمر : أقعدوني ، ثم قال : ما وراءك ؟ قال : قد أذنت لك ، قال : الله أكبر ، ما شيء أهم إلي من ذلك المضجع ، فإذا أنا قبضت فاحملوني ، ثم قولوا : يستأذن عمر ، فإن أذنت فادفنوني وإلا فردوني إلى مقابر المسلمين .

ثم قال : إن الناس يقولون : استخلف ، وإن الأمر إلى هؤلاء الستة الذين توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض : علي ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن مالك ، وليشهدهم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء ، فإن أصابت الخلافة سعدا ، وإلا فليستعن به من ولي ، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة .

ثم قال : أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله عز وجل ، وأوصيه بالمهاجرين [ ص: 1924 ] الأولين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ، أن يعرف لهم حقهم ، ويحفظ لهم حرمتهم ، وأوصيه بالأنصار خيرا أن يقبل من محسنهم ، ويتجاوز عن مسيئهم ، وأوصيه بأهل الأنصار خيرا فإنهم ردء الإسلام ، وغيظ العدو وجباة المال لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضى منهم ، وأوصيه بالأعراب خيرا ؛ فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام ، أن يؤخذ من حواشي أموالهم فترد على فقرائهم ، وأوصيه بذمة الله عز وجل وذمة رسوله أن يوفي لهم بعهدهم ، وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلفوا إلا طاقتهم" .

التالي السابق


الخدمات العلمية