الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
164 - باب سبب قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه أيش السبب الذي قتل به رضي الله عنه .

قال محمد بن الحسين رحمه الله :

فإن قال قائل : قد ذكرت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر فتنة تكون من بعده ، ثم قال في عثمان : "فاتبعوا هذا وأصحابه فإنهم يومئذ على هدى" ، فأخبرنا عن أصحابه من هم ؟ .

قيل له : أصحابه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهود لهم بالجنة ، المذكور نعتهم في التوراة والإنجيل ، الذي من أحبهم سعد ، ومن أبغضهم شقي .

فإن قال قائل : فاذكرهم ؟

قيل له : علي بن أبي طالب ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وسعيد رضي الله عنهم ، وسائر الصحابة في وقتهم رضي الله عنهم ، كلهم كانوا على هدى ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وكلهم أنكر قتله ، وكلهم استعظم ما جرى على عثمان رضي الله عنه ، وشهدوا على قتلته أنهم في النار .

فإن قال قائل : فمن الذي قتله ؟

قيل له : طوائف أشقاهم الله عز وجل بقتله حسدا منهم له وبغيا ، وأرادوا الفتنة وأن يوقعوا الضغائن بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، لما سبق عليهم من الشقوة في الدنيا وما لهم في الآخرة أعظم .

[ ص: 1979 ] فإن قال : فمن أين اجتمعوا على قتله ؟

قيل له : أول ذلك وبدء شأنه أن بعض اليهود يقال له : ابن السوداء ، ويعرف بعبد الله بن سبأ ، لعنة الله عليه ، زعم أنه أسلم فأقام بالمدينة ، فحمله الحسد للنبي صلى الله عليه وسلم ولصحابته ، وللإسلام ، فانغمس في المسلمين كما انعمس ملك اليهود بولس بن شاؤل في النصارى حتى أضلهم ، وفرقهم فرقا ، وصاروا أحزابا ، فلما تمكن فيهم البلاء والكفر تركهم ، وقصته تطول ، ثم عاد إلى التهود بعد ذلك .

فهكذا عبد الله بن سبأ ، أظهر الإسلام ، وأظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وصار له أصحاب في الأمصار ، ثم أظهر الطعن على الأمراء ، ثم أظهر الطعن على عثمان رضي الله عنه ، ثم طعن على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، ثم أظهر أنه يتولى عليا رضي الله عنه ، وقد أعاذ الله الكريم علي بن أبي طالب وولده وذريته رضي الله عنهم من مذهب ابن سبأ وأصحابه السبائية .

فلما تمكنت الفتنة والضلال في ابن سبأ وأصحابه ، صار إلى الكوفة ، فصار له بها أصحاب ، ثم ورد إلى البصرة فصار له بها أصحاب ، ثم ورد إلى مصر ، فصار له بها أصحاب ، كلهم أهل ضلالة ، ثم تواعدوا الوقت ، وتكاتبوا ليجتمعوا في موضع ، ثم يصيروا كلهم إلى المدينة ، ليفتنوا المدينة وأهلها ففعلوا ، ثم ساروا إلى المدينة ، فقتلوا عثمان رضي الله عنه ، ومع ذلك فأهل المدينة لا يعلمون حتى وردوا عليهم .

[ ص: 1980 ] فإن قال : فلم لم يقاتل عنه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

قيل له : إن عثمان رضي الله عنه وصحابته لم يعلموا حتى فاجأهم الأمر ، ولم يكن بالمدينة جيش قد أعد لحرب ، فلما فاجأهم ذلك اجتهدوا رضي الله عنهم في نصرته والذب عنه ، فما أطاقوا ذلك ، وقد عرضوا أنفسهم على نصرته ولو تلفت أنفسهم فأبى عليهم ، وقال : أنتم في حل من بيعتي ، وفي حرج من نصرتي ، وإني لأرجو أن ألقى الله عز وجل سالما مظلوما .

وقد خاطب علي بن أبي طالب وطلحة والزبير رضي الله عنهم وكثير من الصحابة هؤلاء القوم بمخاطبة شديدة ، وغلظوا لهم في القول ، فلما أحسوا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكروا عليهم ؛ أظهرت كل فرقة منهم أنهم يتولون الصحابة ، فلزمت فرقة منهم باب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وزعمت أنها تتولاه ، وقد برأه الله عز وجل منهم ، فمنعوه الخروج ولزمت فرقة منهم باب طلحة ، وزعموا أنهم يتولونه ، وقد برأه الله عز وجل منهم ، ولزمت فرقة منهم باب الزبير وزعموا أنهم يتولونه ، وقد برأه الله عز وجل منهم ، وإنما أرادوا أن يشغلوا الصحابة عن الانتصار لعثمان رضي الله عنه ، ولبسوا على أهل المدينة أمرهم للمقدور الذي قدره عز وجل أن عثمان يقتل مظلوما ، فورد على الصحابة أمر لا طاقة لهم به ، ومع ذلك فقد عرضوا أنفسهم على عثمان رضي الله عنه ليأذن لهم بنصرته مع قلة عددهم ، فأبى عليهم ، ولو أذن لهم ؛ لقاتلوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية