الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر مسير الجيش الذين أشقاهم الله عز وجل بقتل عثمان رضي الله عنه ، وأعاذ الله الكريم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتله

1460 - حدثنا أبو بكر بن سيف السجستاني ، قال : حدثنا السري بن يحيى ، قال : حدثنا شعيب بن إبراهيم ، قال : حدثنا سيف بن عمر ، عن أبي حارثة ، والي عثمان ، ومحمد ، وطلحة بن الأعلم قالوا : وكتب عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى الناس بالذي كان ، وبكل ما صبر عليه من الناس إلى ذلك اليوم كتابا :

"بسم الله الرحمن الرحيم

إلى المؤمنين والمسلمين ؛ سلام عليكم ، أما بعد ؛

فإني أذكركم الله عز وجل الذي أنعم عليكم ، وعلمكم الإسلام ، وهداكم من الضلالة ، وأنقذكم من الكفر ، وأراكم من البينات ، ونصركم على الأعداء ، ووسع عليكم في الرزق ، وأسبغ عليكم نعمته ، فإن الله عز وجل قال : ( وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ) . . . [ ص: 1990 ]

قال محمد بن الحسين رحمه الله :

ثم أمرهم بالطاعة ، ونهاهم عن الفرقة ، وقرأ عليهم به كل آية أمر الله عز وجل فيها بالطاعة ، ونهاهم عن الفرقة .

وكتب كتابا آخر :

أما بعد : فإن الله عز وجل رضي لكم السمع والطاعة ، وكره لكم المعصية والفرقة والاختلاف ، وقد أنبأكم فعل الذين من قبلكم ، وتقدم إليكم فيه لتكون له الحجة عليكم إن عصيتموه ، فاقبلوا نصيحة الله عز وجل ، واحذروا عذابه ، فإنكم لن تجدوا أمة هلكت إلا من بعد أن تختلف ، فلا يكون لها إمام يجمعها ، ومتى ما تفعلوا ذلك لم تقم الصلاة جميعا ، وسلط عليكم عدوكم ، ويستحل بعضكم حرم بعض ، ومتى ما تفعلوا ذلك تفرقوا دينكم ، وتكونوا شيعا ، وقد قال الله عز وجل ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ) وإني أوصيكم بما أوصاكم الله عز وجل به ، وأحذركم عذابه ، فإن القرآن نزل يعتبر به ، وينتهى إليه ، أو لا ترون إلى شعيب عليه السلام قال : لقومه ( ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد * واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود ) .

وكتب بكتاب آخر :

أما بعد : فإن أقواما ممن كان يقول في هذا الحديث أظهروا للناس إنما [ ص: 1991 ] يدعون إلى كتاب الله عز وجل والحق ، ولا يريدون شرا ولا منازعة فيها ، فلما عرض عليهم الحق إذا الناس في ذلك شتى ، منهم آخذ للحق ونازع عنه من يعطاه ، ومنهم تارك للحق رغبة في الأمر يريدون أن يبتزوه بغير الحق ، وقد طال عليهم عمري ، وزاد عليهم أملهم في الأمور ، واستعجلوا القدر . . .وذكر الحديث .

قالوا : حتى إذا دخل شوال من سنة ثنتي عشرة ضربوا كالحاج ، فنزلوا قرب المدينة في شوال ، سنة خمس وثلاثين ، خرج أهل مصر في أربعة رفاق على أربعة أمراء ، المقلل يقول : ستمائة ، والمكثر يقول : ألف ، وخرج أهل الكوفة في أربعة رفاق ، وخرج أهل البصرة في أربعة رفاق .

قالوا : فأما أهل مصر فإنهم كانوا يشتهون عليا رضي الله عنه ، وأما أهل البصرة فكانوا يشتهون طلحة ، وأما أهل الكوفة فإنهم كانوا يشتهون الزبير .

قال محمد بن الحسين رحمه الله :

وقد برأ الله عز وجل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وطلحة ، والزبير رضي الله عنهم ، من هذه الفرق ، وإنما أظهروا ليموهوا على الناس وليوقعوا الفتنة بين الصحابة ، وقد أعاذ الله الكريم الصحابة من ذلك .

ثم عدنا إلى الحديث قالوا : فخرجوا وهم على الخروج جميعا في الناس شتى ، لا تشك كل فرقة إلا أن الفلج معها ، وإن أمرها سيتم دون الأخرى ، فخرجوا حتى إذا كانوا من المدينة على ثلاث ، تقدم أناس من أهل البصرة فنزلوا ذا خشب ، وأناس من أهل الكوفة فنزلوا الأعوص ، وجاءهم ناس من أهل مصر ، [ ص: 1992 ] ونزل عامتهم بذي المروة ، ومشى فيما بين أهل مصر وأهل البصرة زياد بن النضر وعبد الله بن الأصم وقالوا : لا تعجلوا ولا تعجلونا حتى ندخل لكم المدينة ونرتاد ، فإنه قد بلغنا أنهم قد عسكروا لنا ، فوالله إن كان أهل المدينة قد خافونا : استحلوا قتالنا ولم يعلموا علمنا لهم علينا إذا علموا علمنا أشد ، أن أمرنا هو الباطل ، وإن لم يستحلوا قتالنا ووجدنا الذي بلغنا باطلا لنرجعن إليكم الخبر .

قالوا : اذهبوا فدخل الرجلان فأتوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب وطلحة والزبير رضي الله عنهم ، وقالوا : إنما نؤم هذا البيت ونستعفي هذا الوالي من بعض عمالنا ، ما جئنا إلا لذلك ، واستأذنوهم للناس بالدخول ، فكلهم أبى ونهى ، فرجعا إليهم ، فاجتمع من أهل مصر نفر فأتوا عليا رضي الله عنه ، ومن أهل البصرة نفر فأتوا طلحة رضي الله عنه ، ومن أهل الكوفة نفر فأتوا الزبير رضي الله عنه ، وقال كل فريق منهم : إن بايعنا صاحبنا وإلا كدناهم ، وفرقنا جماعتهم ، ثم كررنا حتى نبغتهم ، فأتى المصريون عليا رضي الله عنه في عسكر عند أحجار الزبير ، عليه حلة معتم شقيقة حمراء يمانية متقلدا بالسيف ليس عليه قميص ، وقد سرح الحسن رضي الله عنه إلى عثمان رضي الله عنه ، فيمن اجتمع إليه ، فالحسن جالس عند عثمان رضي الله عنه ، وعلي رضي الله عنه عند أحجار الزبير ، فسلم عليه المصريون وعرضوا له ، فصاح بهم واطردهم ، وقال : لقد علم الصالحون أن جيش ذي المروة ، وذي خشب ، والأعوص ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فارجعوا ، لا صحبكم الله .

قالوا : نعم ؛ فانصرفوا من عنده على ذلك . [ ص: 1993 ]

وأتى البصريون طلحة وهو في جماعة أخرى إلى جنب علي ، وقد أرسل بنيه إلى عثمان ، فسلم البصريون عليه وعرضوا به ، فصاح بهم : واطردهم وقال : لقد علم المؤمنون أن جيش ذي المروة ، وذي خشب ، والأعوص ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم .وأتى الكوفيون الزبير وهو في جماعة أخرى ، وقد سرح عبد الله - يعني ابنه - إلى عثمان ، فسلموا عليه وعرضوا له ، فصاح بهم ، وقال : لقد علم المسلمون أن جيش ذي المروة وذي خشب والأعوص ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم .

فخرج القوم ، وأروهم أنهم يرجعون ، فانقشوا عن ذي خشب والأعوص حتى انتهوا إلى عساكرهم ، وهي على ثلاث مراحل كي يتفرق أهل المدينة ، فافترق أهل المدينة لخروجهم ، فلما بلغ القوم عساكرهم كروا بهم فلم يفجأ أهل المدينة إلا والتكبير في نواحي المدينة ، فنزلوا في عساكرهم وأحاطوا بعثمان رضي الله عنه ، فما فارقوا حتى قتلوه .

قال محمد بن الحسين رحمه الله :

والقصص تطول كيف قتلوه ظلما ، وقد جهد الصحابة وأبناء الصحابة رضي الله عنهم أن لا يكون ما جرى عليه ، ولقد قال هؤلاء النفر الأشقياء الذين ساروا إلى عثمان رضي الله عنه فقتلوه ، لما نظروا إلى اجتهاد الصحابة وأمانيهم في ألا يقتل عثمان قالوا لهم : لولا أن تكونوا حجة علينا لقتلناكم بعده .

[ ص: 1994 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية