الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5489 5827 - حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، عن الحسين، عن عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر حدثه، أن أبا الأسود الديلي حدثه، أن أبا ذر - رضي الله عنه - حدثه، قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فقال: ما من عبد قال: لا إله إلا الله. ثم مات على ذلك، إلا دخل الجنة". قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق". قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق". قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر". وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال: وإن رغم أنف أبي ذر.

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عبد الله: هذا عند الموت أو قبله، إذا تاب وندم وقال: لا إله إلا الله. غفر له. [انظر: 1237 - مسلم: 94 - فتح 10 \ 283]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث عائشة: رأيت بشمال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبيمينه رجلين عليهما ثياب بيض يوم أحد، ما رأيتهما قبل ولا بعد.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أبي الأسود الديلي عن أبي ذر: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فقال: "ما من عبد قال: لا إله إلا الله. ثم مات على ذلك، إلا دخل الجنة". قلت: وإن سرق وإن زنى؟ .. الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 657 ] قال أبو عبد الله: هذا عند الموت أو قبله، إذا تاب وندم وقال: لا إله إلا الله. غفر له.

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              الثياب البيض من أفضل الثياب، وهو لباس الملائكة الذين نصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد وغيره، والرجلان اللذان كانا يوم أحد عن يمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن شماله كانا ملكين - والله أعلم - وكان - صلى الله عليه وسلم - يلبس البياض ويحض على لباسه، ويأمر بتكفين الأموات فيه، وقد صح عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم". أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي، وقال: حسن صحيح. وصححه ابن حبان والحاكم أيضا .

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أبي ذر، وتفسير البخاري عقيبه يحتاج إلى تفسير آخر، وذلك أن التوبة والندم إنما تنفع في الذنب الذي بين العبد وربه، وأما مظالم العباد فلا تسقطها عنه التوبة إلا بشرط ردها له أو غفرها.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى الحديث: أن من مات على التوحيد يدخل الجنة وإن ارتكب الذنوب، ولا يخلد كما تقوله أهل الخوارج والبدع، وقد سلف في حديث معاذ أنه - صلى الله عليه وسلم - قال له: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صادقا من قلبه، إلا حرمه الله على النار"، هذا المعنى مبينا بأقوال السلف في كتاب: العلم، في باب: من خص بالعلم قوما دون قوم .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 658 ] فإن قلت: ظاهر قول البخاري أنه لم يوجب المغفرة إلا لمن تاب، فظاهر هذا يوهم إنفاذ الوعيد لمن لم يتب.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: إنما أراد البخاري ما أراده وهب بن منبه بقوله في مفتاح الجنة في كتاب الجنائز: أن تحقيق ضمان وعده - صلى الله عليه وسلم - لمن مات لا يشرك بالله شيئا، ولمن قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك، أنه إنما يتحصل لهم دون مدافعة من دخول الجنة، ولا عذاب ولا عقاب إذا لقوا الله تائبين عاملين بما أمر به، فأولئك يكونون (أول) الناس دخولا الجنة، وإن كانوا غير تائبين أو قبلهم تبعات للعباد فلا بد لهم أيضا لهم من دخول الجنة بعد إنفاذ الله المشيئة فيهم من عذاب أو مغفرة.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن التين : قول البخاري هذا خلاف ظاهر الحديث، ولو كان إذا تاب، ولم يقل: وإن زنى وإن سرق. والحديث على ظاهره: (من) مات مسلما دخل الجنة قبل النار أو بعدها.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (ثم مات على ذلك). ليس في أكثر الروايات هذه الزيادة، وهي صحيحة، نبه عليه ابن التين .

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              الديلي: ضبط بضم الدال وكسرها وبفتح الهمزة فيها ، وفي بعض الروايات: وبكسر الدال وسكون الياء.

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو نصر في "صحاحه": الدئل دويبة شبيهة بابن عرس.

                                                                                                                                                                                                                              قال أحمد بن يحيى: لا نعلم اسما جاء على فعل غير هذا.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 659 ] قال الأخفش: وإلى هذا نسب أبو الأسود الدؤلي، إلا أنهم فتحوا الهمزة على مذهبهم في النسبة استثقالا لتوالي الكسرتين مع ياء النسب، كما ينسب إلى نمر نمري، وربما قالوا: الدولي، قلبوا الهمزة واوا; لأن الهمزة إذا انفتحت وقبلها ضمة، فتخفيفها أن تقلب واوا محضة.

                                                                                                                                                                                                                              وقال (ابن الكلبي) : (هو الديلي) ، قلبت الهمزة ياء حين انكسرت، وإذا انقلبت ياء كسرت الدال; لتسلم الياء كبيع وقيل.

                                                                                                                                                                                                                              قال: واسمه ظالم بن عمرو.

                                                                                                                                                                                                                              قال الأصمعي: أخبرني عيسى بن عمر قال: الديل بن بكر الكناني إنما هو الدئل، فترك الهمزة أهل الحجاز .

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قال الجوهري: يقال: رغم فلان -بالفتح - إذا لم يقدر على الانتصاف; فقال: رغم أنفي لله رغما ورغما، (وقال: أوله الرغم والرغم، وحكي تثليث رائه ) .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية