الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) : وإذا قال الرجل : لله علي أن أعتكف شهرا فعليه اعتكاف شهر متتابع في قول علمائنا [ ص: 120 ] وقال زفر رحمه الله تعالى هو بالخيار إن شاء تابع وإن شاء فرق قال : لأن الاعتكاف فرع عن الصوم فإن ما لا أصل له في الفرائض لا يصح التزامه بالنذر ولا أصل للاعتكاف في الفرائض سوى الصوم ثم التتابع في الصوم لا يجب بمطلق النذر فكذلك في الاعتكاف والدليل على التسوية أن تعيين الوقت إليه ، ولا يتعين لأدائه الشهر الذي يعقب نذره فيهما بخلاف الأيمان والآجال والإجارات فإنه يتعين لها الشهر الذي يعقب السبب .

( ولنا ) أن الاعتكاف يدوم بالليل والنهار جميعا فبمطلق ذكر الشهر فيه يكون متتابعا كاليمين إذا حلف لا يكلم فلانا شهرا والآجال والإجارات بخلاف الصوم فإنه لا يدوم بالليل والنهار وتأثيره أن ما كان متفرقا في نفسه لا يجب الوصل فيه إلا بالتنصيص وما كان متصل الجزاء لا يجوز تفريقه إلا بالتنصيص ثم الاعتكاف من حيث الابتداء يشبه الصوم فإن أداءه يستدعي فعلا من جهته وكل وقت لا يصلح له كاليوم الذي أكل فيه بخلاف الأيمان فإن بموجب اليمين لا يستدعي فعلا من جهته ، وكل وقت يصلح له فيتعين له الوقت الذي يعقب السبب ومن حيث الدوام الاعتكاف يشبه الأيمان والآجال دون الصوم فصار الحاصل أن الأيمان والآجال والإجارات عامة في الوقت ابتداء ودواما ، والصوم خاص بالوقت ابتداء ودواما والاعتكاف خاص بالوقت ابتداء عام بالوقت دواما فمن حيث الابتداء ألحقناه بالصوم فكان تعيين الوقت إليه ومن حيث الدوام ألحقناه بالآجال والأيمان فكان متتابعا ، وكذلك لو قال : في نذره ثلاثين يوما فهذا وقوله شهرا سواء ; لأن ذكر أحد العددين من الأيام والليالي بعبارة الجمع يقتضي دخول ما بإزائه من العدد الآخر قال الله تعالى : { ثلاث ليال سويا } وفي تلك القصة قال : في موضع آخر { ثلاثة أيام إلا رمزا } فقوله ثلاثين يوما أي بلياليها فكان متتابعا

التالي السابق


الخدمات العلمية