الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) : وكذلك إن أكل أو شرب متعمدا فعليه القضاء والكفارة عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا كفارة عليه ; لأن سبب وجوب الكفارة بالنص المواقعة المعدمة للصوم فلو أوجب بالأكل كان بالقياس على المواقعة ولا مدخل للقياس في الكفارة ألا ترى أنه لا تقاس دواعي الجماع على الجماع فيه ; ولأن الحرمة تارة تكون لأجل العبادة وتارة لعدم الملك ثم ما يتعلق بالأكل لا يتعلق بالمواقعة متى كانت الحرمة لعدم الملك فكذلك العبادة ، واستدل بالحج فإن ما يتعلق بالمواقعة فيه ، وهو فساد النسك لا يتعلق بسائر المحظورات فكذلك الصوم والجامع أن هذه عبادة للكفارة العظمى فيها فتختص بالمواقعة .

( ولنا ) حديث أبي هريرة { أن رجلا قال : يا رسول الله أفطرت في رمضان فقال : من غير مرض ولا سفر فقال نعم فقال أعتق رقبة } وإنما فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سؤاله الفطر بما يحوجه إليه كالمرض والسفر ، وذكر أبو داود أن الرجل قال : شربت في رمضان وقال علي " : رضي الله عنه إنما الكفارة في الأكل والشرب والجماع ; ولأن فطره تضمن هتك حرمة النص فكان كالفطر بالجماع وبيانه أن نص التحريم بالشهر يتناول ما يتناوله نص الإباحة بالليالي ، وهتك حرمة النص جناية متكاملة ثم نحن لا نوجب الكفارة بالقياس وإنما نوجبها استدلالا بالنص ; لأن السائل ذكر المواقعة وعينها ليس بجناية بل هو فعل في محل مملوك وإنما الجناية الفطرية فتبين أن الموجب للكفارة فطر هو جناية .

ألا ترى أن الكفارة تضاف إلى الفطر والواجبات تضاف إلى أسبابها ، والدليل عليه أنه لا تجب على الناسي لانعدام الفطر والفطر الذي هو جناية متكاملة يحصل بالأكل كما يحصل بالجماع ; ولأنه آلة له وتعلق الحكم بالسبب لا بالآلة ثم إيجابه في الأكل أولى ; لأن الكفارة أوجبت زاجرة ، ودعاء الطبع في وقت الصوم إلى الأكل أكثر منه إلى الجماع والصبر عنه أشد فإيجاب الكفارة فيه أولى كما أن حرمة التأفيف يقتضي حرمة الشتم بطريق الأولى ثم لأجل العبادة استوى حرمة الجماع وحرمة الأكل بخلاف حال عدم الملك فإن حرمة الجماع أغلظ حتى تزيد حرمة الجماع على حرمة الأكل وبخلاف الحج [ ص: 74 ] فإن حرمة الجماع فيه أقوى حتى لا يرتفع بالحلق والدليل على المساواة هنا فصل الناسي فقد جعلنا النص الوارد في الأكل حال النسيان كالوارد في الجماع فكذلك يجعل النص الوارد في إيجاب الكفارة بالمواقعة كالوارد في الأكل والدواعي تبع فلا تتكامل به الجناية . ثم حاصل المذهب عندنا أن الفطر متى حصل بما يتغذى به ، أو يتداوى به تتعلق الكفارة به زجرا فإن الطباع تدعو إلى الغذاء وكذلك إلى الدواء لحفظ الصحة ، أو إعادتها فأما إذا تناول مالا يتغدى به كالتراب والحصاة يفسد صومه إلا على قول بعض من لا يعتمد على قوله فإنه يقول : حصول الفطر بما يكون به اقتضاء الشهوة ولكنا نقول : ركن الصوم الكف عن إيصال الشيء إلى باطنه ، وقد انعدم ذلك بتناول الحصاة ثم لا كفارة عليه إلا على قول مالك رحمه الله تعالى فإنه قال : هو مفطر غير معذور قال : وجنايته هنا أظهر إذ لا غرض له في هذا الفعل سوى الجناية على الصوم بخلاف ما يتغذى به ولكنا نقول عدم دعاء الطبع إليه يغني عن إيجاب الكفارة فيه زاجرا كما لم نوجب الحد في شرب الدم والبول بخلاف الخمر ، ثم تمام الجناية بانعدام ركن الصوم صورة ومعنى فانعدم معنى ما يحصل به اقتضاء الشهوة إذا انعدم لم تتم الجناية وفي النقصان شبهة العدم والكفارة تسقط بالشبهة

التالي السابق


الخدمات العلمية