الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم .

[67] ما كان لنبي أن يكون له أسرى قرأ أبو جعفر، وأبو عمرو، ويعقوب: (تكون) بالتاء مؤنثا؛ لتأنيث الجماعة، وأبو جعفر وحده قرأ: (أسارى) بضم الهمزة وبألف بعد السين، والباقون: بالياء مذكرا لتذكير [ ص: 135 ] الجمع، و (أسرى) كأبي عمرو، ويعقوب: بفتح الهمزة وإسكان السين من غير ألف بعدها، وأمال أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وخلف (أسرى)، واختلف عن ورش.

حتى يثخن في الأرض يبالغ في قتل المشركين وأسرهم حتى يذل الكفر ويعز الإسلام تريدون عرض الدنيا حطامها بأخذكم الفداء.

والله يريد الآخرة يريد لكم ثوابها.

والله عزيز يغلب أولياءه على أعدائه.

حكيم يعلم ما يليق بكل حال ويخصه بها، كما أمر بالإثخان، ومنع عن الفداء حين كانت الشوكة للمشركين، وخير بينه وبين المن لما تحولت الحال، وصارت الغلبة للمؤمنين.

روي أنه عليه الصلاة والسلام أتي يوم بدر بسبعين أسيرا، فيهم العباس، وعقيل بن أبي طالب، فاستشارهم فيهم، فقال أبو بكر رضي الله عنه: "قومك وأهلك، استبقهم لعل الله يتوب عليهم، وخذ منهم فدية تقوي بها أصحابك"، فقال عمر رضي الله عنه: "اضرب أعناقهم؛ فإنهم أئمة الكفر، وإن الله أغناك عن الفداء، فمكني من فلان، نسيب له، ومكن عليا وحمزة من أخويهما فلنضرب أعناقهم"، فلم يهو ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: [ ص: 136 ]

"إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال: فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم [إبراهيم: 36] ، ومثلك يا عمر مثل نوح قال: رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا
[نوح: 26]، فخير أصحابه، فأخذوا الفداء، وكان الفداء لكل أسير أربعين أوقية، والأوقية أربعون درهما، ولم يكن من المؤمنين أحد ممن حضر إلا أحب الغنائم إلا عمر بن الخطاب، فإنه أشار بقتل الأسرى، وسعد بن معاذ قال: "يا نبي الله كان الإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال"، فنزلت الآية.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية