الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            1172 - ( وعن معاذ رضي الله عنه : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر يصليهما جميعا ، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم سار ، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء ، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب } . رواه أحمد وأبو داود والترمذي ) .

                                                                                                                                            1173 - ( وعن ابن عباس رضي الله عنه عن { النبي صلى الله عليه وسلم : كان في السفر إذا زاغت الشمس في منزله جمع بين الظهر والعصر قبل أن يركب ، فإذا لم تزغ له في منزله سار حتى إذا حانت العصر نزل فجمع بين الظهر والعصر ، وإذا حانت له المغرب في منزله جمع بينها وبين العشاء ، وإذا لم تحن في منزله ركب حتى إذا كانت العشاء نزل فجمع بينهما } . رواه أحمد ، ورواه الشافعي في مسنده بنحوه وقال فيه : وإذا سار قبل أن تزول الشمس أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر " ) .

                                                                                                                                            1174 - ( وعن ابن عمر : { أنه استغيث على بعض أهله فجد به السير فأخر المغرب [ ص: 255 ] حتى غاب الشفق ، ثم نزل فجمع بينهما ، ثم أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك إذا جد به السير } . رواه الترمذي بهذا اللفظ وصححه ، ومعناه لسائر الجماعة إلا ابن ماجه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            أما حديث معاذ فأخرجه أيضا ابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي . قال الترمذي : حسن غريب تفرد به قتيبة . والمعروف عند أهل العلم حديث معاذ من حديث أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ وليس فيه جمع التقديم ، يعني الذي أخرجه مسلم . وقال أبو داود : هذا حديث منكر ، وليس في جمع التقديم حديث قائم وقال أبو سعيد بن يونس : لم يحدث بهذا الحديث إلا قتيبة ، ويقال : إنه غلط فيه وأعله الحاكم وطول ، وابن حزم وقال : إنه معنعن بيزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل ولا يعرف له عنه رواية .

                                                                                                                                            وقال أيضا : إن أبا الطفيل مقدوح لأنه كان حامل راية المختار وهو يؤمن بالرجعة . وأجيب عن ذلك بأنه إنما خرج مع المختار على قاتلي الحسين ، وبأنه لم يعلم من المختار الإيمان بالرجعة قال في البدر المنير : إن للحفاظ في هذا الحديث خمسة أقوال : أحدها : أنه حسن غريب ، قاله الترمذي . ثانيها : أنه محفوظ صحيح ، قاله ابن حبان . ثالثها : أنه منكر ، قاله أبو داود . رابعها : أنه منقطع ، قاله ابن حزم . خامسها : أنه موضوع ، قاله الحاكم . وأصل حديث أبي الطفيل في صحيح مسلم ، وأبو الطفيل عدل ثقة مأمون ا هـ وأما حديث ابن عباس فأخرجه أيضا البيهقي والدارقطني ، وروي أن الترمذي حسنه ، قال الحافظ : وكأنه باعتبار المتابعة . وغفل ابن العربي فصحح إسناده وليس بصحيح ، لأنه من طريق حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب .

                                                                                                                                            قال فيه أبو حاتم ضعيف ولا يحتج بحديثه وقال ابن معين : ضعيف . وقال أحمد : له أشياء منكرة . وقال النسائي : متروك الحديث . وقال السعدي : لا يحتج بحديثه . وقال ابن المديني : تركت حديثه . وقال ابن حبان : يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل ، ولكن له طريق أخرى أخرجها يحيى بن عبد الحميد الحماني عن أبي خالد الأحمر عن الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس وله أيضا طريق أخرى رواها إسماعيل القاضي في الأحكام عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه عن سليمان بن بلال عن هشام عن عروة عن كريب عن ابن عباس بنحوه .

                                                                                                                                            وفي الباب عن علي عليه السلام عند الدارقطني ، وفي إسناده - كما قال الحافظ - من لا يعرف . وفيه أيضا المنذر القابوسي وهو ضعيف وأخرج عبد الله بن أحمد في زيادات المسند بإسناد آخر عن علي عليه السلام أنه كان يفعل ذلك .

                                                                                                                                            وفي الباب أيضا عن أنس عند الإسماعيلي والبيهقي ، وقال : إسناده صحيح بلفظ : { كان [ ص: 256 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر وزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعا } وله طريق أخرى عند الحاكم في الأربعين وهو في الصحيحين من هذا الوجه ، وليس فيه : والعصر قال في التلخيص : وهي زيادة غريبة صحيحة الإسناد ، وقد صححه المنذري من هذا الوجه والعلائي ، وتعجب من الحاكم كونه لم يورده في المستدرك . وله طريق أخرى رواها الطبراني في الأوسط .

                                                                                                                                            وفي الباب أيضا عن جابر عند مسلم من حديث طويل ، وفيه : { ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ، وكان ذلك بعد الزوال } .

                                                                                                                                            وقد استدل القائلون بجواز جمع التقديم والتأخير في السفر بهذه الأحاديث ، وقد تقدم ذكرهم . وأجاب المانعون من جمع التقديم عنها بما تقدم من الكلام عليها ، وقد عرفت أن بعضها صحيح وبعضها حسن ، وذلك يرد قول أبي داود : ليس في جمع التقديم حديث قائم . وأما حديث ابن عمر فقد استدل به من قال باختصاص رخصة الجمع في السفر بمن كان سائرا لا نازلا كما تقدم .

                                                                                                                                            وأجيب عن ذلك بما وقع من التصريح في حديث معاذ بن جبل في الموطأ بلفظ : { إن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة في غزوة تبوك ، خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا } قال الشافعي في الأم : قوله : " ثم دخل ثم خرج " لا يكون إلا وهو نازل ، فلمسافر أن يجمع نازلا ومسافرا . وقال ابن عبد البر : هذا أوضح دليل في الرد على من قال : لا يجمع إلا من جد به السير وهو قاطع للالتباس . وحكى القاضي عياض أن بعضهم أول قوله : " ثم دخل " أي في الطريق مسافرا " ثم خرج " أي عن الطريق للصلاة ، ثم استبعده . قال الحافظ : ولا شك في بعده وكأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لبيان الجواز ، وكان أكثر عادته ما دل عليه حديث أنس ، يعني المذكور في أول الباب ، ومن ثمة قالت الشافعية : ترك الجمع أفضل .

                                                                                                                                            وعن مالك رواية أنه مكروه ، وهذه الأحاديث تخصص أحاديث الأوقات التي بينها جبريل وبينها النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي حيث قال في آخرها : { الوقت ما بين هذين الوقتين } .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية