الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            16006 - وعن وائل بن حجر قال : لما بلغنا ظهور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرجت وافدا عن قومي حتى قدمت المدينة ، فلقيت أصحابه قبل لقائه ، فقالوا : بشرنا بك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبل أن تقدم علينا بثلاثة أيام ، فقال : " قد جاءكم وائل بن حجر " . ثم لقيته - عليه السلام - فرحب بي ، وأدنى مجلسي وبسط لي رداءه فأجلسني عليه ، ثم دعا في الناس فاجتمعوا إليه ، ثم اطلع المنبر وأطلعني معه وأنا دونه ، ثم حمد الله وقال : " يا أيها الناس ، هذا وائل بن حجر أتاكم من بلاد بعيدة من بلاد حضرموت ، طائعا غير مكره ، بقية أبناء الملوك ، بارك الله فيك يا حجر وفي ولدك " . ثم نزل وأنزلني منزلا شاسعا عن المدينة ، وأمر معاوية بن أبي سفيان أن يبوئني إياه ، فخرجت وخرج معي حتى إذا كنا ببعض الطريق قال : يا وائل ، إن الرمضاء قد أصابت بطن قدمي فأردفني خلفك ، فقلت : ما أضن عليك بهذه الناقة ، ولكن لست من أرداف الملوك وأكره أن أعير بك قال : فألق إلي حذاءك أتوقى به من حر الشمس ، قلت : ما أضن عليك بهاتين الجلدتين ، ولكن لست ممن يلبس لباس الملوك وأكره أن أعير بك . فلما أردت الرجوع إلى قومي أمر لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكتب ثلاثة : منها كتاب لي خالص يفضلني فيه على قومي ، وكتاب لي ولأهل بيتي بأموالنا هناك ، وكتاب لي ولقومي .

                                                                                            وفي كتابي الخالص : " بسم الله ، من محمد رسول الله إلى المهاجر بن أبي أمية ، إن وائلا يستسقى ويترفل على الأقيال حيث كانوا من حضرموت " .

                                                                                            وفي كتابي الذي لي ولأهل بيتي : " بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى المهاجر بن أبي أمية لأبناء معشر وأبناء ضمعاج أقيال شنوءة ، بما كان لهم فيها من ملوك ومزاهر وعمران بحر وملح ومحجر ، وما كان لهم من مال اترثوه [وماء ينابعت ] وما كان لهم [ ص: 375 ] فيها من مال بحضرموت أعلاها وأسفلها ، مني الذمة والجوار ، الله لهم جار ، والمؤمنون على ذلك أنصار " .

                                                                                            وفي الكتاب الذي لي ولقومي : " بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى وائل بن حجر والأقوال العياهلة من حضرموت ، بإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة من الصرمة التيعة ولصاحبها الثيمة ، لا جلب ولا جنب ، ولا شغار ولا وراط في الإسلام . لكل عشرة من السرايا ما يحمل القراب من التمر ، من أحيا فقد أربى ، وكل مسكر حرام " .

                                                                                            فلما ملك معاوية بعث رجلا من قريش يقال له : بسر بن أبي أرطاة ، فقال له : ضممت إليك الناحية فاخرج بجيشك ، فإذا خلفت أفواه الشام فضع سيفك ، فاقتل من أبى بيعتي حتى تصير إلى المدينة ، ثم ادخل المدينة فاقتل من أبى بيعتي ، وإن أصبت وائل بن حجر حيا فائتني به ، ففعل وأصاب وائلا حيا فجاء به إليه ، فأمر معاوية أن يتلقى ، وأذن له فأجلسه معه على سريره ، فقال له معاوية : أسريري هذا أفضل أم ظهر ناقتك ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين ، كنت حديث عهد بجاهلية وكفر ، وكانت تلك سيرة الجاهلية ، فقد أتانا الله بالإسلام فستر الإسلام ما فعلت . قال : فما منعك من نصرنا وقد اتخذك عثمان ثقة وصهرا ؟ قلت : إنك قاتلت رجلا هو أحق بعثمان منك قال : وكيف يكون أحق بعثمان مني وأنا أقرب إلى عثمان في النسب ؟ قلت : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان آخى بين علي وعثمان ؛ فالأخ أولى من ابن العم ، ولست أقاتل المهاجرين قال : أولسنا مهاجرين ؟ قلت : أولسنا قد اعتزلناكما جميعا ؟ وحجة أخرى : حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد رفع رأسه نحو المشرق وقد حضره جمع كثير ، ثم رد إليه بصره ، فقال : " أتتكم الفتن كقطع الليل المظلم " . فشدد أمرها وعجله وقبحه ، فقلت له من بين القوم : يا رسول الله ، وما الفتن ؟ قال : " يا وائل ، إذا اختلف سيفان في الإسلام فاعتزلهما " . فقال : أصبحت شيعيا ؟ فقلت : لا ، ولكني أصبحت ناصحا للمسلمين ، فقال معاوية : لو سمعت ذا وعلمته ما أقدمتك ، قلت : أوليس قد رأيت ما صنع محمد بن مسلمة عند مقتل عثمان ؟ انتهى بسيفه إلى صخرة فضربه حتى انكسر ، فقال : أولئك قوم يحملون [ علينا ] . قلت : فكيف نصنع بقول رسول الله [ ص: 376 ] - صلى الله عليه وسلم - : " من أحب الأنصار فبحبي أحبهم ، ومن أبغض الأنصار فببغضي أبغضهم " ؟ .

                                                                                            فقال : اختر أي البلاد شئت ؛ فإنك لست براجع إلى حضرموت ، فقلت : عشيرتي بالشام وأهل بيتي بالكوفة ، فقال : رجل من أهل بيتك من عشرة من عشيرتك ، فقلت : ما رجعت إلى حضرموت سرورا بها ، وما ينبغي للمهاجر أن يرجع إلى الموضع الذي هاجر منه إلا من علة قال : وما علتك ؟ قلت : قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفتن ، فحيث اختلفتم اعتزلناكم ، وحيث اجتمعتم جئناكم ، فهذه العلة .

                                                                                            فقال : إني قد وليتك الكوفة فسر إليها ، فقلت : ما ألي بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - لأحد أما رأيت أبا بكر أرادني فأبيت ؟ وأرادني عمر فأبيت ، وأرادني عثمان فأبيت ، ولم أترك بيعتهم .

                                                                                            [ قد ] جاءني كتاب أبي بكر حيث ارتد أهل ناحيتنا ، فقمت فيهم حتى ردهم الله إلى الإسلام بغير ولاية ، فدعا عبد الرحمن بن أم الحكم ، فقال : سر فقد وليتك الكوفة ، وسر بوائل فأكرمه واقض حوائجه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أسأت بي الظن ؛ تأمرني بإكرام من قد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكرمه ، وأبا بكر وعمر وعثمان وأنت ؟ فسر معاوية بذلك منه ، فقدمت معه الكوفة فلم يلبث أن مات .

                                                                                            قال محمد بن حجر : الوراط : القمار . والأقوال : الملوك . والعياهل : العظماء
                                                                                            .

                                                                                            رواه الطبراني في الصغير والكبير ، وفيه محمد بن حجر ، وهو ضعيف .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية