الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 291 ] القسم الثاني العاملة

وهي على ثلاثة أقسام : جارة ، وناصبة ، وجازمة .

الأولى الجارة وتأتي لمعان : للملك الحقيقي ، كقوله تعالى : إن الأرض لله ( الأعراف : 128 ) ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض ( البقرة : 107 ) ، ولله جنود السماوات والأرض ( الفتح : 4 ) .

والتمليك ، نحو وهبت لزيد دينارا ، ومنه : ووهبنا لهم من رحمتنا ( مريم : 50 ) .

والاختصاص ، ومعناها أنها تدل على أن بين الأول والثاني نسبة باعتبار ما دل عليه متعلقه ، نحو : هذا صديق لزيد ، وأخ له ، ونحو : إن له أبا ( يوسف : 78 ) ، كان لنا منه جدة ، ومنه : الجنة للمؤمنين .

وللتخصيص ، ومنه : إن وهبت نفسها للنبي ( الأحزاب : 50 ) .

وللاستحقاق ، كقوله تعالى : ويل للمطففين ( المطففين : 1 ) ، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ( الرعد : 25 ) .

والفرق بينه وبين الملك ، أن الملك لما قد حصل وثبت ، وهذا لم يحصل بعد ، لكن هو في حكم الحاصل ، من حيث ما قد استحق . قاله الراغب . وللولاية ، كقوله : لله الأمر من قبل ومن بعد ( الروم : 4 ) .

ويجوز أن تجمع هذه الثلاثة ، كقولك : الحمد لله ؛ لأنه يستحق الحمد ، ووليه والمخصوص به ، فكأنه يقول : الحمد لي وإلي .

[ ص: 292 ] وللتعليل ، وهي التي يصلح موضعها ( من أجل ) ، كقوله تعالى : وإنه لحب الخير لشديد ( العاديات : 8 ) أي من أجل حب الخير .

وقوله تعالى : لإيلاف قريش ( قريش : 1 ) وهي متعلقة بقوله : فليعبدوا ( قريش : 3 ) أو بقوله : فجعلهم كعصف مأكول ( الفيل : 5 ) ولهذا كانتا في مصحف أبي سورة واحدة . وضعف بأن جعلهم كعصف مأكول ، إنما هو لكفرهم وتجرئهم على البيت .

وقيل : متعلق بمحذوف ، أي اعجبوا .

وقوله تعالى : سقناه لبلد ميت ( الأعراف : 57 ) أي لأجل بلد ميت بدليل : فأنزلنا به الماء ( الأعراف : 57 ) ، هذا قول الزمخشري ، وهو أولى من قول غيره إنها بمعنى إلى وقوله : ولا تكن للخائنين خصيما ( النساء : 105 ) أي لا تخاصم الناس لأجل الخائنين .

قال الراغب : ومعناه كمعنى : ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ( النساء : 107 ) وليست كالتي في قولك : لا تكن لله خصيما ، لدخولها على المفعول ، أي لا تكن خصيم الله .

وبمعنى " إلى " كقوله تعالى : وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ( الرعد : 2 ) بدليل قوله : ويؤخركم إلى أجل مسمى ( إبراهيم : 10 ) .

وقوله : ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ( الأنعام : 28 ) . الحمد لله الذي هدانا لهذا ( الأعراف : 43 ) . ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان ( آل عمران : 193 ) . وقوله : بأن ربك أوحى لها ( الزلزلة : 5 ) ، بدليل : وأوحى ربك إلى النحل [ ص: 293 ] ( النحل : 68 ) وزيفه الراغب لأن الوحي للنحل ، جعل ذلك له بالتسخير والإلهام ، وليس كالوحي الموحى إلى الأنبياء ، فاللام على جعل ذلك الشيء له بالتسخير .

وبمعنى على ، نحو : ويخرون للأذقان ( الإسراء : 109 ) . فلما أسلما وتله للجبين ( الصافات : 103 ) . وقوله : إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها ( الإسراء : 7 ) أي فعليها ، لأن السيئة على الإنسان لا له ، بدليل قوله تعالى : فعلي إجرامي ( هود : 35 ) . وقوله : من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ( فصلت : 46 ) وقوله : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ( البقرة : 196 ) ، أي لم يكن . وقوله : لهم اللعنة ولهم سوء الدار ( الرعد : 25 ) .

وبمعنى في كقوله : ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ( الأنبياء : 47 ) ياليتني قدمت لحياتي ( الفجر : 24 ) . لا يجليها لوقتها إلا هو ( الأعراف : 187 ) .

وبمعنى بعد ، نحو : أقم الصلاة لدلوك الشمس ( الإسراء : 78 ) . وقال ابن أبان : الظاهر أنها للتعليل .

وبمعنى " عن " مع القول كقوله تعالى : وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا ( الأحقاف : 11 ) أي عن الذين آمنوا ، وليس المعنى خطابهم بذلك ، وإلا لقيل سبقتمونا . وقيل لام التعليل ، وقيل للتبليغ ، والتفت عن الخطاب إلى الغيبة .

وكقوله : قالت أخراهم لأولاهم ( الأعراف : 38 ) وأما قوله : وقالت أولاهم لأخراهم ( الأعراف : 39 ) فاللام للتبليغ ، كذلك قسمها ابن مالك كقوله تعالى : ألم أقل لك ( الكهف : 75 ) .

[ ص: 294 ] وغيره يسميها لام التبليغ ، فإن عرف من غاب عن القول حقيقة أو حكما فللتعليل ، نحو : وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا ( آل عمران : 156 ) ولا أقول للذين تزدري أعينكم ( هود : 31 ) .

وذكر ابن مالك وغيره ضابطا في اللام المتعلقة بالقول ، وهو أنه إن دخلت على مخاطبة القائل ، فهي لتعدية القول للمقول له ، نحو : وقولوا لهم قولا معروفا ( النساء : 8 ) . فإن دخلت على غير المخاطب القائل فهي للتعليل كقوله تعالى : وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا ( آل عمران : 156 ) . وقوله : الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا ( آل عمران : 168 ) . وقوله : ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب ( النحل : 116 ) . وقوله : ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ( الكهف : 23 - 24 ) . وهو كثير .

وبمعنى " أن " المفتوحة الساكنة . قاله الهروي ، وجعل منه : يريدون ليطفئوا نور الله ( الصف : 8 ) . يريد الله ليبين لكم ( النساء : 26 ) . وأمرنا لنسلم لرب العالمين ( الأنعام : 71 ) . وهذه اللام لا تكون إلا بعد أردت ، وأمرت ، وذلك لأنهما يطلبان المستقبل ، ولا يصلحان في الماضي ، فلهذا جعل معهما بمعنى " أن " وبذلك صرح صاحب الكشاف في تفسير سورة الصف ، فقال : يريدون ليطفئوا نور الله ( الآية : 8 ) كما جاء في سورة " براءة " .

وللتعدية ، وهي التي تعدي العامل إذا عجز ، نحو : إن كنتم للرؤيا تعبرون ( يوسف : 43 ) ، فاللام فيه للتعدية ، لأن الفعل يضعف بتقديم المفعول عليه .

وسماها ابن الأنباري : آلة الفعل ، وذكر أن البصريين يسمونها لام الإضافة كقوله تعالى : أن اشكر لي ولوالديك ( لقمان : 14 ) أن أنصح لكم ( هود : 34 ) .

وقال الراغب : التعدية ضربان : تارة لتقوية الفعل ، ولا يجوز حذفه ، نحو : وتله للجبين [ ص: 295 ] ( الصافات : 103 ) وتارة يحذف ، نحو : يريد الله ليبين لكم ( النساء : 36 ) فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا ( الأنعام : 125 ) فأثبت في موضع وحذف في موضع . انتهى .

وللتبيين أي متعلقة بمحذوف استوفى للتبيين كقوله تعالى : وقالت هيت لك ( يوسف : 23 ) أي أقبل وتعال أقول لك .

وذكر ابن الأنباري أن اللام المكسورة تجيء جوابا للقسم كقوله تعالى : ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي ( النجم : 31 ) والمعنى ليجزين بفتح اللام والتوكيد بالنون ، فلما حذف النون أقام المكسورة مقام المفتوحة . وهذا ضعيف . وذكر مثله عن أبي حاتم . ويحتمل أن يكون قبلها فعل مقدر أي آمنوا ليجزي .

الثاني الناصبة على قول الكوفيين في موضعين : لام كي ، ولام الجحود .

ولام الجحود هي الواقعة بعد الجحد أي النفي كقوله : ما كان الله ليذر المؤمنين ( آل عمران : 179 ) وما كان الله ليعذبهم ( الأنفال : 33 ) لم يكن الله ليغفر لهم ( النساء : 168 ) .

وضابطها أنها لو سقطت تم الكلام بدونها ، وإنما ذكرت توكيدا لنفي الكون ، بخلاف لام كي .

قال الزجاج : اللام في قوله : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ( الزمر : 3 ) لام كي ، لأن لام الجحود إذا سقطت لم يختل الكلام ، ولو سقطت اللام من الآية بطل المعنى ، ولأنه يجوز إظهار أن بعد لام كي ، ولا يجوز بعد لام الجحود ، لأنها في [ ص: 296 ] كلامهم نفي للفعل المستقبل ، فالسين بإزائها ، فلم يظهر بعدها ما لا يكون بعدها ، كقوله تعالى : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ( الأنفال : 33 ) فجاء بلام الجحد حيث كانت نفيا لأمر متوقع مخوف في المستقبل ، ثم قال تعالى : وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ( الأنفال : 33 ) فجاء باسم الفاعل الذي لا يختص بزمان ، حيث أراد نفي وقوع العذاب بالمستغفرين على العموم في الأحوال .

ومثله : وما كان ربك ليهلك القرى ( هود : 117 ) ثم قال : وما كنا مهلكي القرى ( القصص : 59 ) .

ومثال لام " كي " و " كي " مضمرة معها ، قوله تعالى : لينذر بأسا ( الكهف : 2 ) وقوله : لنثبت به فؤادك ( الفرقان : 32 ) لنصرف عنه السوء ( يوسف : 24 ) ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم ( النحل : 39 ) . وقوله : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء ( البقرة : 143 ) يريد " كي " تكونوا . وقوله : لتكون لمن خلفك آية ( يونس : 92 ) .

وقد تجيء معها كي ، نحو : لكي لا يعلم بعد علم شيئا ( النحل : 70 ) لكي لا يكون على المؤمنين حرج ( الأحزاب : 37 ) لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ( آل عمران : 153 ) .

وربما جاءت كي بلا لام كقوله : كي لا يكون دولة بين الأغنياء ( الحشر : 7 ) وفي معناه لام الصيرورة ، كقوله تعالى : ليكون لهم عدوا وحزنا ( القصص : 8 ) وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ( الذاريات : 56 ) .

وتسمى لام العاقبة ، فإن من المعلوم أنهم لم يلتقطوه لذلك ، بل لضده بدليل قوله : عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ( القصص : 9 ) .

وحكى ابن قتيبة عن بعضهم أن علامتها جواز تقدير الفاء موضعها ، وهو يقتضي أنها [ ص: 297 ] لام التعليل ، لكن الفرق بينها وبين لام التعليل التي في نحو قوله : لنحيي به بلدة ميتا ( الفرقان : 49 ) أن لام التعليل تدخل على ما هو غرض لفاعل الفعل ، ويكون مرتبا على الفعل وليس في لام الصيرورة إلا الترتب فقط .

وقال الزمخشري في تفسير سورة المدثر : أفادت اللام نفس العلة والسبب ، ولا يجب في العلة أن تكون غرضا ، ألا ترى إلى قولك : خرجت من البلد مخافة الشر ، فقد جعلت المخافة علة لخروجك ، وما هي بغرضك .

ونقل ابن فورك عن الأشعري ، أن كل لام نسبها الله إلى نفسه فهي للعاقبة والصيرورة دون التعليل ، لاستحالة الغرض .

واستشكله الشيخ عز الدين بقوله : كي لا يكون دولة ( الحشر : 7 ) ، وقوله : إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ( الفتح : 1 - 2 ) فقد صرح فيه بالتعليل ، ولا مانع من ذلك ، إذ هو على وجه التفضل .

وأقول : ما جعلوه للعاقبة هو راجع للتعليل ، فإن التقاطهم أفضى إلى عداوته ، وذلك يوجب صدق الإخبار بكون الالتقاط للعداوة ، لأن ما أفضى إلى الشيء يكون علة ، وليس من شرطه أن يكون نصب العلة صادرا عمن نسب الفعل إليه لفظا ، بل جاز أن يكون ذلك راجعا إلى من ينسب الفعل إليه خلقا ، كما تقول : جاء الغيث لإخراج الأزهار ، وطلعت الشمس لإنضاج الثمار ، فإن الفعل يضاف إلى الشمس والغيث . وجاعلها علتي معلولها خالقها وخالق الفعل المنسوب إليها

كذلك التقاط آل فرعون موسى ; فإن الله قدره لحكمته وجعله علة لعداوته ، لإفضائه إليه بواسطة حفظه وصيانته ، كما في مجيء الغيث بالنسبة إلى إخراج الأزهار ، وإليه [ ص: 298 ] يشير الزمخشري أيضا : التحقيق أنها لام العلة ، وأن التعليل بها وارد على طريق المجاز دون الحقيقة ؛ لأنه لم يكن داعيهم إلى الالتقاط كونه لهم عدوا وحزنا ، بل المحبة والتبني ، غير أن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له وثمرته ، شبه بالداعي الذي يفعل الفاعل الفعل لأجله ، فاللام مستعارة لما يشبه التعليل .

وقال ابن خالويه في كتاب المبتدأ في النحو : فأما قوله تعالى : فالتقطه آل فرعون ليكون ( القصص : 8 ) فهي لام " كي " عند الكوفيين ، ولام الصيرورة عند البصريين ، والتقدير : فصار عاقبة أمرهم إلى ذلك لأنهم لم يلتقطوه لكي يكون عدوا . انتهى .

وجوز ابن الدهان في الآية وجها غريبا على التقديم والتأخير ، أي فالتقط آل فرعون و عدوا وحزنا حال من الهاء في ليكون لهم أي ليتملكوه .

قال : ويجوز أن يكون التقدير : فالتقطه آل فرعون لكراهة أن يكون لهم عدوا وحزنا ، أي يروه غير مستفيد لهم .

وأما قوله : ليغفر لك الله ( الفتح : 2 ) فحكى الهروي عن أبي حاتم أن اللام جواب القسم ، والمعنى : ليغفرن الله لك ، فلما حذفت النون كسرت اللام ، وإعمالها إعمال كي ، وليس المعنى فتحنا لك لكي يغفر الله لك ، فلم يكن الفتح سببا للمغفرة .

قال : وأنكره ثعلب ، وقال : هي لام " كي " ، ومعناه لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة ، فلما انضم إلى المغفرة شيء حادث واقع ، حسن معه " كي " .

[ ص: 299 ] وكذلك قوله : ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون ( التوبة : 121 ) .

وأما قوله تعالى : ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ( يونس : 88 ) فقال الفراء : لام كي .

وقال قطرب والأخفش : لم يؤتوا المال ليضلوا ، ولكن لما كان عاقبة أمرهم الضلال كانوا كأنهم أوتوها لذلك فهي لام العاقبة .

هذا كله على مذهب الكوفيين ، وأما البصريون فالنصب عندهم بإضمار أن وهما جارتان للمصدر ، واللام الجارة هي لام الإضافة .

واعلم أن الناصبة للمضارع تجيء لأسباب :

منها القصد والإرادة إما في الإثبات ، نحو : ولتنذر أم القرى ومن حولها ( الأنعام : 92 ) أو النفي ، نحو : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم ( البقرة : 143 ) فهو على تقدير حذف المضاف ، أي لنعلم ملائكتنا وأولياءنا .

ويجوز أن يكون تعالى خاطب الخلق بما يشاكل طريقتهم في معرفة البواطن والظواهر على قدر فهم المخاطب .

وقد تقع موقع " أن " وإن كانت غير معلولة لها في المعنى ، وذلك إن كان الكلام متضمنا لمعنى القصد والإرادة ، نحو : وأمرنا لنسلم لرب العالمين ( الأنعام : 71 ) . إنما يريد الله ليعذبهم بها ( التوبة : 55 ) . ومنها العاقبة على ما سبق .

الثالث : الجازمة ، وهي الموضوعة للطلب ، وتسمى لام الأمر ، وتدخل على المضارع لتؤذن أنه مطلوب للمتكلم ، وشرطها أن يكون الفعل لغير الفاعل المخاطب ، نحو : ليضرب عمرو ولنضرب ، ولأضرب أنا إلا في لغة قليلة يدخلونها على الفعل ، وإن كان الفاعل المخاطب ، فيقولون : لتضرب أنت ، ومنه قراءة بعضهم : فبذلك فلتفرحوا ( يونس : 58 ) .

[ ص: 300 ] ووصفها أن تكون مكسورة إذا ابتدئ بها ، نحو : لينفق ذو سعة من سعته ( الطلاق : 7 ) ليستأذنكم ( النور : 58 ) .

وتسكن بعد الواو والفاء ، نحو : فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي ( البقرة : 186 ) . فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ( الكهف : 29 ) .

ويجوز الوجهان بعد ثم كقوله تعالى : ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ( الحج : 29 ) قرئ في السبع بتسكين ليقضوا وبتحريكه . وتجيء لمعان منها : التكليف كقوله تعالى : لينفق ذو سعة من سعته ( الطلاق : 7 ) .

والتكلف ومنها أمر المكلف نفسه كقوله تعالى : ولنحمل خطاياكم ( العنكبوت : 12 ) . والابتهال وهو الدعاء ، نحو : ليقض علينا ربك ( الزخرف : 77 ) .

والتهديد ، نحو : فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ( الكهف : 29 ) . والخبر ، نحو : من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ( مريم : 75 ) أي يمد . ويحتمله ولنحمل ( العنكبوت : 12 ) أي ونحمل .

ويجوز حذفها ورفع الفعل ، ومنه قوله : تؤمنون بالله ورسوله ( الصف : 11 ) ويدل على أنه للطلب ، قوله تعالى بعد : نغفر لكم ( الصف : 12 ) مجزوما فلولا أنه طلب لم يصح الجزم ؛ لأنه ليس ثم وجه سواه .

التالي السابق


الخدمات العلمية