الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              إذا حصل البيان بالقول والفعل المطابق للقول ; فهو الغاية في البيان كما إذا بين الطهارة أو الصوم أو الصلاة أو الحج أو غير ذلك من العبادات أو العادات ، فإن حصل بأحدهما فهو بيان أيضا ; إلا أن كل واحد منهما على انفراده قاصر عن غاية البيان من وجه ، بالغ أقصى الغاية من وجه آخر .

              فالفعل بالغ من جهة بيان الكيفيات المعينة المخصوصة التي لا يبلغها البيان القولي ، ولذلك بين عليه الصلاة والسلام الصلاة بفعله لأمته ، كما فعل [ ص: 80 ] به جبريل حين صلى به ، وكما بين الحج كذلك والطهارة كذلك ، وإن جاء فيها بيان بالقول ; فإنه إذا عرض نص الطهارة في القرآن على عين ما تلقي بالفعل من الرسول عليه الصلاة والسلام كان المدرك بالحس من الفعل فوق المدرك بالعقل من النص لا محالة مع أنه إنما بعث ليبين للناس ما نزل إليهم .

              وهبه عليه الصلاة والسلام زاد بالوحي الخاص أمورا لا تدرك من النص على الخصوص ; فتلك الزيادات بعد البيان إذا عرضت على النص لم ينافها بل يقبلها ; فآية الوضوء إذا عرض عليها فعله عليه الصلاة والسلام في الوضوء شمله بلا شك ، وكذلك آية الحج مع فعله عليه الصلاة والسلام فيه ، ولو تركنا والنص ; لما حصل لنا منه كل ذلك ، بل أمر أقل منه ، وهكذا نجد الفعل مع [ ص: 81 ] القول أبدا ، بل يبعد في العادة أن يوجد قول لم يوجد لمعناه المركب نظير في الأفعال المعتادة المحسوسة ، بحيث إذا فعل الفعل على مقتضى ما فهم من القول ; كان هو المقصود من غير زيادة ولا نقصان ولا إخلال ، وإن كانت بسائطه معتادة كالصلاة والحج والطهارة ونحوها وإنما يقرب مثل هذا القول الذي معناه الفعلي بسيط ، ووجد له نظير في المعتاد ، وهو إذ ذاك إحالة على فعل معتاد فبه حصل البيان لا بمجرد القول ، وإذا كان كذلك ; لم يقم القول هنا في [ ص: 82 ] البيان مقام الفعل من كل وجه ; فالفعل أبلغ من هذا الوجه وهو يقصر عن القول من جهة أخرى : وذلك أن القول بيان للعموم والخصوص ، في الأحوال والأزمان والأشخاص ; فإن القول ذو صيغ تقتضي هذه الأمور وما كان نحوها ، بخلاف الفعل فإنه مقصور على فاعله ، وعلى زمانه ، وعلى حالته ، وليس له تعد عن محله ألبتة ، فلو تركنا والفعل الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم مثلا ; لم يحصل لنا منه غير العلم بأنه فعله في هذا الوقت المعين ، وعلى هذه الحالة المعينة .

              فيبقى علينا النظر : هل ينسحب طلب هذا الفعل منه في كل حالة أو في هذه الحالة ، أو يختص بهذا الزمان ، أو هو عام في جميع الأزمنة ، أو يختص به وحده ، أو يكون حكم أمته حكمه ؟ .

              ثم بعد النظر في هذا يتصدى نظر آخر في حكم هذا الفعل الذي فعله : من أي نوع هو من الأحكام الشرعية ؟ .

              وجميع ذلك وما كان مثله لا يتبين من نفس الفعل ; فهو من هذا الوجه قاصر عن غاية البيان ; فلم يصح إقامة الفعل مقام القول من كل وجه ، وهذا بين بأدنى تأمل ، ولأجل ذلك جاء قوله تعالى : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة [ الأحزاب : 21 ] وقال حين بين بفعله العبادات : صلوا كما رأيتموني أصلي ، وخذوا عني مناسككم ، ونحو ذلك ; ليستمر البيان إلى أقصاه .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية