الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يجب على البنت امتثال أمر أبويها بخدمة إخوانها

السؤال

بخصوص الفتوى رقم 73704 فضيلة الشيخ المفتي الكريم: المشكلة ليست في خدمة البنت لوالديها، ولكن إذا كان الوالدان يفرضان على البنت خدمة الذكور وهما بنفسهما يدخران كل جهدهما لخدمة الذكور ويمنعانها من ممارسة الأنشطة التي تطور بها نفسها لأن خدمة الذكور أولى بوقتها وجهدها، في حين أنهما لا يريدان أن يخدم الذكور حتى أنفسهم، أرجو الفتوى في هذا الأمر؟ وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فننصحك أيتها الأخت الكريمة بالصبر واحتساب الأجر عند الله تعالى، واعلمي أن من يتق الله تعالى يجعل له مخرجا من الظلم والقهر والفقر ومن كل ما يهمه ويؤلمه، فإنه يقول: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق:2-3}.

فاتقي الله تعالى من نفسك وأطيعي والديك فيما أمراك به من خدمة إخوانك ما لم يكن في ذلك مشقة بالغة وضرر كبير عليك، وإن فعلت فإنك إنما تمتثلين أمرهما وتخدمينهما بامتثال ما أمراك به ولو كان خدمة لغيرهما ولا تجادليهما، ولكن بيني لهما ضعفك وحاجتك إلى من يساعدك بأسلوب هين لين حتى لا يسخطا عليك، فقد أمرك ربك بخفض الجناح لهما في قوله: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:23-24}.

واعلمي أن جدالهما ورفع الصوت عليهما وعصيان أمرهما إذا أمرا بطاعة كل ذلك من العقوق المحرم؛ بل هو من أكبر الكبائر التي يجب على المسلم اجتنابها، كما في الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئاً فقال: ألا وقول الزور، قال: فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت.

قال ابن الصلاح في فتاويه: العقوق المحرم كل فعل يتأذى به الوالد أو نحوه تأذياً ليس بالهين مع كونه ليس من الأفعال الواجبة، وربما قيل طاعة الوالدين واجبة في كل ما ليس بمعصية، ومخالفة أمرهما في كل ذلك عقوق. انتهى، وكذا قال السبكي رحمه الله.

إذاً فالواجب عليك هو امتثال أمرهما لك بخدمة إخوانك ما لم يكن في ذلك ضرر أو مشقة بالغة، واصبري واحتسبي وسيجعل الله لك بعد عسر يسراً ويثيبك على طاعتهما مغفرة وأجراً، ودعي وساوس الشيطان في اتهامهما بالتفضيل وحسد الإخوان ونحو ذلك مما يفسد المودة بينكم: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ {فاطر:6}.

نسأل الله تعالى أن يعيذك من إغوائه ونزغاته وأن لا يجعل له عليك سبيلاً، وأن يؤلف بين قلبك وقلوب إخوانك ووالديك إنه سميع مجيب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني