الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

شكرًا لكم -أيها الكرام- على تواصلكم المستمر مع الناس، وصبركم عليهم, جعله الله في ميزان حسناتكم.
لا يخفى على أحد الحال التي وصلت إليها أمة الإسلام في هذه الأيام, من انحدار في كل مجال, وبُعد عن الطريق السويّ, وانتشار الفتن والمحن, والجهل والضلال, فأصبح المسلم القابض على دينه كالقابض على الجمر, تلهفٌ على الدنيا، وتركٌ للآخرة, هجرٌ للاستقامة، وإقبالٌ على الاعوجاج, وأصبح اليوم الذي مضى خيرًا من الآتي, فضاقت الحال, وانقطعت الآمال, وأصبحنا في حال يعسر حمله على الجبال, وتسير بنا الأمور إلى شر مآل، وغير ذلك -نسأل الله صلاح الحال-.
ما أود طرحه: ما هي الوسائل التي يمكن للمسلم أن يستخدمها في سبيل وحدة الأمة، وإصلاحها، وجلب المنفعة، بما يعود على الجميع بكل خير ؟ وكيف يمكن أن تعود الأمة كما كانت لعهدها القديم؛ دولة عظمى واحدة, رايتها واحدة, ولغتها واحدة, وقائدها واحد؟ أم إن القول الصحيح هو أنها لن تعود حتى الساعة، أو حتى علامات الساعة -مثل المهدي، وسيدنا عيسى عليه السلام، وغير ذلك-؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة، والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فجزاك الله خيرًا على دخولك على موقعنا، وتواصلك معنا -نسأل الله تعالى أن ينفعك بما نكتب، وأن يجعل لنا هذا العمل في موازين حسناتنا في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم-.

ونود أن نذكرك وأنفسنا أن لنا ربًّا هو المالك لهذا الكون، له الأمر من قبل ومن بعد، قال تعالى: قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلّه لله {آل عمران:154}، وتذكُّر هذه الحقيقة لا يجعل المسلم يشعر بالإحباط، بل يفتح أمامه باب الأمل بعودة هذا الأمة إلى عزها، ومجدها، كما قال سبحانه: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ {التوبة33:32}، هذا أولًا.

ثانيًا: جاءت النصوص تبين انتصار هذا الدين، وسيادة أمة الإسلام، وفتح روما، والقسطنطينية على يد المسلمين، وتجد تفاصيل ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 32949، 39642، 144833.

وهذا يعني أنه ستعود للأمة عزتها وريادتها للأمم.

ولا تعلق لما ذكرنا في هذه الفتاوى بما يكون في زمان المهدي، أو نزول عيسى -عليه السلام-.

ولا ينبغي للمسلمين أن يتقاعسوا عن تحصيل أسباب النصر اعتمادًا على هذا.

ثالثًا: الأمر كما قال الإمام مالك -رحمه الله-: "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"، فمطلوب من المسلمين الاجتهاد في تربية الأمة على المنهج السليم الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فيقبل العلماء والدعاة والمصلحون على تعليم الأمة دينها، وتربيتها، قال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ {يوسف:108}.

رابعًا: ينبغي السعي في توحيد الأمة على ذلك المنهج، فقوة الأمة في وحدتها، وتفرقها من أعظم أسباب الفشل، قال تعالى: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ {الأنبياء:92}، وقال أيضًا: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ {الأنفال:46}، وهذا الأمر ممكن إذا خلصت النوايا، وخاصة من قبل زعماء الأمة.

ونختم بالتوجيه إلى كتاب مهم يتعلق بهذا الموضوع محل السؤال، وهو كتاب (خطوط رئيسية لبعث الأمة الإسلامية) للشيخ/ عبد الرحمن عبد الخالق -حفظه الله-.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني