قوله تعالى : { الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا فإن كان } أما السفيه ففيه أربعة أقوال : الأول : أنه الجاهل ; قاله . الثاني : أنه الصبي . الثالث : أنه المرأة والصبي ; قاله مجاهد الحسن . الرابع : المبذر لماله المفسد لدينه ; قاله . الشافعي
وأما الضعيف فقيل : هو الأحمق ، وقيل : هو الأخرس أو الغبي ، واختاره . الطبري
وأما ، ففيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه الغبي ; قاله الذي لا يستطيع أن يمل . الثاني : أنه الممنوع بحبسة أو عي . الثالث : أنه المجنون . ابن عباس
وهذا فيه نظر طويل نخبته : أن الله سبحانه جعل الذي عليه الحق أربعة أصناف : مستقل بنفسه يمل ، وثلاثة أصناف لا يملون ، ولا يصح أن تكون هذه الأصناف الثلاثة صنفا واحدا أو صنفين ; لأن تعديد الباري سبحانه كأنه يخلو عن الفائدة ، ويكون من فن المثبج [ من ] القول الركيك من الكلام ، ولا ينبغي هذا في كلام حكيم ، فكيف في كلام أحكم الحاكمين .
فتعين والحالة هذه أن يكون لكل صنف من هذه الأصناف الثلاثة معنى ليس لصاحبه حتى تتم البلاغة ، وتكمل الفائدة ، ويرتفع التداخل الموجب للتقصير ; وذلك [ ص: 331 ] بأن يكون السفيه والضعيف والذي لا يستطيع ، قريبا بعضه من بعض في المعنى ; فإن العرب تطلق السفيه على ضعيف العقل تارة وعلى ضعيف البدن أخرى ، وأنشدوا :
مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسم
أي : استضعفتها واستلانتها فحركتها . وكذلك يطلق الضعيف على ضعيف العقل ، وعلى ضعيف البدن ، وقد قالوا : الضعف بضم الضاد في البدن ، وفتحها في الرأي ، وقيل هما لغتان ، وكل ضعيف لا يستطيع ما يستطيعه القوي ; فثبت التداخل في معنى هذه الألفاظ . وتحريرها الذي يستقيم به الكلام ويصح معه النظام أن السفيه هو المتناهي في ضعف العقل وفساده ، كالمجنون والمحجور عليه ، نظيره الشاهد له قوله تعالى : { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما } على ما سيأتي في سورة النساء إن شاء الله تعالى . وأما الضعيف فهو الذي يغلبه قلة النظر لنفسه كالطفل نظيره ، ويشهد له قوله تعالى : { وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم } وأما الذي لا يستطيع أن يمل فهو الغبي الذي يفهم منفعته لكن لا يلفق العبارة عنها .والأخرس الذي لا يتبين منطقه عن غرضه ; ويشهد لذلك أنه لم ينف عنه أنه لا يستطيع أن يمل خاصة .