الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن هذا ما شرعه الله سبحانه وتعالى لنا من قبول شهادة أهل الكتاب على المسلمين في الوصية في السفر ، وأن وليي الميت إذا اطلعا على خيانة [ ص: 134 ] من الوصيين جاز لهما أن يحلفا ويستحقا ما حلفا عليه ، وهذا لوث في [ ص: 135 ] الأموال ، وهذا نظير اللوث في الدماء ، وأولى بالجواز منه ، وعلى هذا إذا اطلع الرجل المسروق ماله على بعضه في يد خائن معروف بذلك ، ولم يتبين أنه اشتراه من غيره ، جاز له أن يحلف أن بقية ماله عنده ، وأنه صاحب السرقة استنادا إلى اللوث الظاهر ، والقرائن التي تكشف الأمر وتوضحه ، وهو نظير حلف أولياء المقتول في القسامة أن فلانا قتله : سواء ، بل أمر الأموال أسهل وأخف ، ولذلك ثبت بشاهد ويمين ، وشاهد وامرأتين ، ودعوى ونكول ، بخلاف الدماء . فإذا جاز إثباتها باللوث ، فإثبات الأموال به بالطريق الأولى والأحرى .

والقرآن والسنة يدلان على هذا وهذا ، وليس مع من ادعى نسخ ما دل عليه القرآن من ذلك حجة أصلا ، فإن هذا الحكم في ( سورة المائدة ) ، وهي من آخر ما نزل من القرآن ، وقد حكم بموجبها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده كأبي موسى الأشعري وأقره الصحابة .

ومن هذا أيضا ما حكاه الله سبحانه في قصة يوسف من استدلال الشاهد بقرينة قد القميص من دبر على صدقه ، وكذب المرأة ، وأنه كان هاربا موليا ، فأدركته المرأة من ورائه فجبذته فقدت قميصه من دبر ، فعلم بعلها والحاضرون صدقه وقبلوا هذا الحكم وجعلوا الذنب ذنبها ، وأمروها بالتوبة وحكاه الله - سبحانه وتعالى - حكاية مقرر له غير منكر ، والتأسي بذلك وأمثاله في إقرار الله له ، وعدم إنكاره ، لا في مجرد حكايته فإنه إذا أخبر به مقرا عليه ، ومثنيا على فاعله ومادحا له ، دل على رضاه به وأنه [ ص: 136 ] موافق لحكمه ومرضاته ، فليتدبر هذا الموضع ، فإنه نافع جدا ، ولو تتبعنا ما في القرآن والسنة ، وعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من ذلك لطال ، وعسى أن نفرد فيه مصنفا شافيا إن شاء الله تعالى . والمقصود : التنبيه على هديه واقتباس الأحكام من سيرته ، ومغازيه ، ووقائعه صلوات الله عليه وسلامه .

ولما أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر في الأرض ( كان يبعث كل عام من يخرص عليهم الثمار ، فينظر : كم يجنى منها ، فيضمنهم نصيب المسلمين ويتصرفون فيها ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية