الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكان طوافه على راحلته ، ولم يكن محرما يومئذ فاقتصر على الطواف فلما أكمله ، دعا عثمان بن طلحة ، فأخذ منه مفتاح الكعبة ، فأمر بها ففتحت فدخلها فرأى فيها الصور ورأى فيها صورة إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام ، فقال : " قاتلهم الله والله إن استقسما بها قط " .

ورأى في الكعبة حمامة من عيدان ، فكسرها بيده ، وأمر بالصور فمحيت .

ثم أغلق عليه الباب وعلى أسامة وبلال ، فاستقبل الجدار الذي يقابل الباب ، حتى إذا كان بينه وبينه قدر ثلاثة أذرع ، وقف وصلى هناك ، ثم دار في البيت ، وكبر في نواحيه ، ووحد الله ، ثم فتح الباب ، وقريش قد ملأت المسجد صفوفا ينتظرون ماذا يصنع ، فأخذ بعضادتي الباب وهم تحته ، فقال : " لا إله إلا الله وحده ، لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم [ ص: 359 ] الأحزاب وحده ، ألا كل مأثرة أو مال أو دم ، فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج ، ألا وقتل الخطإ شبه العمد السوط والعصا ، ففيه الدية مغلظة ، مائة من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها . يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية ، وتعظمها بالآباء ، الناس من آدم وآدم من تراب " ثم تلا هذه الآية ( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) [ الحجرات : 13 ] ، ثم قال : " يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ؟ " قالوا : خيرا أخ كريم وابن أخ كريم ، قال : " فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته : لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فأنتم الطلقاء " .

[ ص: 360 ] ثم جلس في المسجد ، فقام إليه علي - رضي الله عنه - ومفتاح الكعبة في يده فقال : يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أين عثمان بن طلحة " ؟ ، فدعي له فقال له : " هاك مفتاحك يا عثمان ، اليوم يوم بر ووفاء " .

وذكر ابن سعد في "الطبقات"عن عثمان بن طلحة قال : كنا نفتح الكعبة في الجاهلية يوم الاثنين والخميس ، فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما يريد أن يدخل الكعبة مع الناس فأغلظت له ونلت منه ، فحلم عني ، ثم قال : " يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت ، فقلت : لقد هلكت قريش يومئذ وذلت ، فقال : بل عمرت وعزت يومئذ ، ودخل الكعبة فوقعت كلمته مني موقعا ظننت يومئذ أن الأمر سيصير إلى ما قال ، فلما كان يوم الفتح قال : يا عثمان ائتني بالمفتاح ، فأتيته به فأخذه مني ثم دفعه إلي وقال : خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم ، يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته ، فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف " قال : فلما وليت ناداني فرجعت إليه ، فقال : " ألم يكن الذي قلت لك ؟ " قال : فذكرت قوله لي بمكة قبل الهجرة : لعلك سترى هذا المفتاح بيدي أضعه [ ص: 361 ] حيث شئت ، فقلت : بلى أشهد أنك رسول الله ".

وذكر سعيد بن المسيب : أن العباس تطاول يومئذ لأخذ المفتاح في رجال من بني هاشم ، فرده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عثمان بن طلحة "

التالي السابق


الخدمات العلمية