الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر على ستة وثلاثين سهما ، جمع كل سهم مائة سهم ، فكانت ثلاثة آلاف وستمائة سهم ، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين النصف من ذلك ، وهو ألف وثمانمائة سهم ، لرسول الله صلى الله عليه وسلم سهم كسهم أحد المسلمين ، وعزل النصف الآخر وهو ألف وثمانمائة سهم لنوائبه وما ينزل به من أمور المسلمين.

قال البيهقي : وهذا لأن خيبر فتح شطرها عنوة وشطرها صلحا ، فقسم ما فتح عنوة بين أهل الخمس والغانمين ، وعزل ما فتح صلحا لنوائبه وما يحتاج إليه من أمور المسلمين .

[ ص: 292 ] قلت : وهذا بناء منه على أصل الشافعي رحمه الله ، أنه يجب قسم الأرض المفتتحة عنوة كما تقسم سائر المغانم ، فلما لم يجده قسم النصف من خيبر ، قال : إنه فتح صلحا . ومن تأمل السير والمغازي حق التأمل تبين له أن خيبر إنما فتحت عنوة ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استولى على أرضها كلها بالسيف عنوة ، ولو فتح شيء منها صلحا لم يجلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ؛ فإنه لما عزم على إخراجهم منها قالوا : نحن أعلم بالأرض منكم ، دعونا نكون فيها ونعمرها لكم بشطر ما يخرج منها . وهذا صريح جدا في أنها إنما فتحت عنوة ، وقد حصل بين اليهود والمسلمين بها من الحراب والمبارزة والقتل من الفريقين ما هو معلوم ، ولكن لما ألجئوا إلى حصنهم نزلوا على الصلح الذي بذلوه ، أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء ، والحلقة والسلاح ، ولهم رقابهم وذريتهم ، ويجلوا من الأرض ، فهذا كان الصلح ، ولم يقع بينهم صلح أن شيئا من أرض خيبر لليهود ، ولا جرى ذلك البتة ، ولو كان كذلك لم يقل : نقركم ما شئنا ، فكيف يقرهم في أرضهم ما شاء ؟ ولما كان عمر أجلاهم كلهم من الأرض ، ولم يصالحهم أيضا على أن الأرض للمسلمين ، وعليها خراج يؤخذ منهم ، هذا لم يقع ، فإنه لم يضرب على خيبر خراجا البتة .

فالصواب الذي لا شك فيه أنها فتحت عنوة ، والإمام مخير في أرض العنوة بين قسمها ووقفها ، أو قسم بعضها ووقف البعض ، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنواع الثلاثة ، فقسم قريظة والنضير ولم يقسم مكة ، وقسم شطر خيبر وترك شطرها ، وقد تقدم تقرير كون مكة فتحت عنوة بما لا مدفع له .

وإنما قسمت على ألف وثمانمائة سهم ؛ لأنها كانت طعمة من الله لأهل الحديبية من شهد منهم ومن غاب ، وكانوا ألفا وأربعمائة ، وكان معهم مائتا فرس ، لكل فرس سهمان ، فقسمت على ألف وثمانمائة سهم ، ولم يغب عن خيبر من أهل الحديبية إلا جابر بن عبد الله ، فقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم كسهم من حضرها .

[ ص: 293 ] وقسم للفارس ثلاثة أسهم ، وللراجل سهما ، وكانوا ألفا وأربعمائة ، وفيهم مائتا فارس ، هذا هو الصحيح الذي لا ريب فيه .

وروى عبد الله العمري عن نافع عن ابن عمر أنه ( أعطى الفارس سهمين والراجل سهما )

قال الشافعي رحمه الله : كأنه سمع نافعا يقول : للفرس سهمين ، وللراجل سهما ، فقال : للفارس ، وليس يشك أحد من أهل العلم في تقدم عبيد الله بن عمر على أخيه في الحفظ ، وقد أنبأنا الثقة من أصحابنا عن إسحاق الأزرق الواسطي ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ضرب للفرس بسهمين وللفارس بسهم ) .

ثم روى من حديث أبي معاوية عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم للفارس ثلاثة أسهم : سهم له ، وسهمان لفرسه ) ، وهو في " الصحيحين " ، وكذلك رواه الثوري وأبو أسامة عن عبيد الله .

قال الشافعي رحمه الله : وروى مجمع بن جارية أن النبي صلى الله عليه وسلم ( قسم سهام خيبر على ثمانية عشر سهما ، وكان الجيش ألفا وخمسمائة ، منهم ثلاثمائة فارس ، فأعطى الفارس سهمين والراجل سهما )

[ ص: 294 ] قال الشافعي رحمه الله : ومجمع بن يعقوب - يعني راوي هذا الحديث عن أبيه عن عمه عبد الرحمن بن يزيد ، عن عمه مجمع بن جارية - شيخ لا يعرف ، فأخذنا في ذلك بحديث عبيد الله ، ولم نر له مثله خبرا يعارضه ، ولا يجوز رد خبر إلا بخبر مثله .

قال البيهقي : والذي رواه مجمع بن يعقوب بإسناده في عدد الجيش وعدد الفرسان قد خولف فيه ؛ ففي رواية جابر وأهل المغازي : أنهم كانوا ألفا وأربعمائة ، وهم أهل الحديبية ، وفي رواية ابن عباس وصالح بن كيسان وبشير بن يسار وأهل المغازي : أن الخيل كانت مائتي فرس ، وكان للفرس سهمان ، ولصاحبه سهم ، ولكل راجل سهم .

وقال أبو داود : حديث أبي معاوية أصح ، والعمل عليه ، وأرى الوهم في حديث مجمع أنه قال : ثلاثمائة فارس ، وإنما كانوا مائتي فارس .

وقد روى أبو داود أيضا من حديث أبي عمرة ، عن أبيه قال : ( أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة نفر ، ومعنا فرس ، فأعطى كل إنسان منا سهما ، وأعطى الفرس سهمين ) ، وهذا الحديث في إسناده عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود ، وهو المسعودي ، وفيه ضعف . وقد روي الحديث عنه على وجه آخر ، فقال : ( أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر معنا فرس ، فكان للفارس ثلاثة أسهم ) . ذكره أبو داود أيضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية