الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 346 ] ( وشرط العدالة في الديانات ) هي التي بين العبد والرب ( كالخبر عن نجاسة الماء فيتيمم ) ولا يتوضأ ( إن أخبر بها مسلم عدل ) منزجر عما يعتقد حرمته ( ولو عبدا ) أو أمة ( ويتحرى في ) خبر ( الفاسق ) بنجاسة الماء ( و ) خبر ( المستور ثم يعمل بغالب ظنه ، ولو أراق الماء فتيمم فيما إذا غلب على رأيه صدقه وتوضأ وتيمم فيما إذا غلب ) على رأيه ( كذبه كان أحوط ) وفي الجوهرة : وتيممه بعد الوضوء أحوط . قلت : وأما الكافر إذا غلب صدقه على كذبه فإراقته أحب قهستاني وخلاصة وخانية . قلت : لكن لو تيمم قبل إراقته لم يجز تيممه بخلاف خبر الفاسق لصلاحيته ملزما في الجملة بخلاف الكافر [ ص: 347 ] ولو أخبر عدل بطهارته وعدل بنجاسته حكم بطهارته بخلاف الذبيحة وتعتبر الغلبة في أوان طاهرة ونجسة وذكية وميتة ، فإن الأغلب طاهرا تحرى وبالعكس والسواء لا إلا لعطش وفي الثياب يتحرى مطلقا

التالي السابق


( قوله في الديانات ) أي المحضة درر احترازا عما إذا تضمنت زوال ملك كما إذا أخبر عدل أن الزوجين ارتضعا من امرأة واحدة لا تثبت الحرمة ، لأنه يتضمن زوال ملك المتعة فيشترط العدد والعدالة جميعا إتقاني وهذا بخلاف الإخبار ، بأن ما اشتراه ذبيحة مجوسي ، لأن ثبوت الحرمة لا يتضمن زوال الملك كما قدمناه فتثبت لجواز اجتماعها مع الملك ( قوله هي ) أي الديانات ( قوله إن أخبر بها مسلم عدل ) لأن الفاسق متهم والكافر لا يلتزم الحكم فليس له أن يلزم المسلم هداية ( قوله منزجر إلخ ) بيان للعدل ( قوله عبدا أو أمة ) تعميم له وفي الخلاصة محدودا في قذف أو لا ( قوله ويتحرى في خبر الفاسق ) أما مع العدالة فإنه يسقط احتمال الكذب فلا معنى للاحتياط بالإراقة كما في الهداية ( قوله وخبر المستور ) هذا ظاهر الرواية وهو الأصح وعنه أنه كالعدل نهاية ( قوله ثم يعمل بغالب ظنه ) فإن غلب على ظنه صدقه تيمم ولم يتوضأ به أو كذبه توضأ به ولم يلتفت إلى قوله هذا هو جواب الحكم . أما في السعة والاحتياط ، فالأفضل أن يتيمم بعد الوضوء تتارخانية ( قوله وتوضأ ) عطف على أراق ( قوله أحوط ) لأن التحري مجرد ظن يحتمل الخطأ كما في الهداية ( قوله وفي الجوهرة إلخ ) كلام الجوهرة فيما إذا غلب على رأيه كذبه فلم يزد على ما في المتن شيئا فافهم .

( قوله وأما الكافر ) ومثله الصبي والمعتوه كما في التتارخانية ( قوله فإراقته أحب ) فهو كالفاسق والمستور من هذا الوجه قال في الخانية : ولو توضأ به وصلى جازت صلاته ( قوله قلت لكن إلخ ) هذا توفيق منه بين العبارات فإن مقتضى ما قدمه عدم الفرق بينه وبين الفاسق كما قلنا ، لكن وقع في التتارخانية فإن أخبره ذمي أو صبي وغلب على ظنه صدقه لا يجب عليه التيمم ، بل يستحب فإن تيمم لا يجزيه ما لم يرق الماء أولا بخلاف ما لو أخبره مستور فتيمم قبل الإراقة ، فإنه يجزيه ورأيت بخط الشارح في هامش التتارخانية عند قوله بل يستحب الظاهر أنه إنما يتيمم بعد الوضوء ، حتى يفقد الماء بدليل ما بعده فتأمل وحينئذ ، فقد ساوى الفاسق من هذه الجهة وإن خالفه من الجهة التي ذكرها تأمل وراجع فإن عبارة الخانية والخلاصة ندب الإراقة من غير تفصيل إلا أن يحمل على هذا فليحرر ا هـ ما رأيته بخطه . وأنت تراه قد جزم في شرحه بما كان مترددا فيه ثم رأيت في الذخيرة التصريح في الفرق بين الذمي والفاسق من وجهين أحدهما : هذا والثاني : أنه في الفاسق يجب التحري وفي الذمي يستحب ( قوله بخلاف خبر الفاسق ) أي إذا غلب على رأيه صدقه في النجاسة فإنه يتيمم ولا يتوضأ به ( قوله لصلاحيته إلخ ) قال في الخانية لأن الفاسق من أهل الشهادة [ ص: 347 ] على المسلم وأما الكافر فلا ا هـ أي فإن الفاسق إذا قبل القاضي شهادته على المسلم نفذ قضاؤه وإن أثم .

( قوله ولو أخبر عدل بطهارته إلخ ) أقول : ذكر شراح الهداية عن كفاية المنتهى لصاحب الهداية : رجل دخل على قوم يأكلون ويشربون فدعوه إليهم فقال له مسلم عدل : اللحم ذبيحة مجوسي والشراب خالطه خمر فقالوا لا بل هو حلال ، ينظر في حالهم فإن عدولا أخذ بقولهم وإن متهمين لا يتناول شيئا ، ولو فيهم ثقتان أخذ بقولهما أو واحد عمل بأكبر رأيه فإن لا رأي واستوى الحالان عنده فلا بأس أن يأكل ويشرب ويتوضأ ، فإن أخبره بأحد الأمرين مملوكان ثقتان أخذ بقولهما لاستواء الحر والعبد في الخبر الديني ، وترجح المثنى ولو أخبره بأحدهما عبد ثقة وبالآخر حر تحرى للمعارضة ، وإن أخبره بأحدهما حران ثقتان وبالآخر مملوكان ثقتان أخذ بقول الحرين ، لأن قولهما حجة في الديانة والحكم جميعا فترجحا وإن أخبره بأحدهما ثلاثة عبيد ثقات وبالآخر مملوكان ثقتان أخذ بقول العبيد ، وكذا إذا أخبر بأحدهما رجل وامرأتان وبالآخر رجلان أخذ بالأول .

فالحاصل في جنس هذه المسائل : أن خبر العبد والحر في الأمر الديني على السواء بعد الاستواء في العدالة فيرجح أولا بالعدد ثم بكونه حجة في الأحكام بالجملة ثم بالتحري ا هـ ومثله في الذخيرة وغيرها فقد اعتبروا التحري بعد تحقق المعارضة بالتساوي بين الخبرين بلا فرق بين الذبيحة والماء فتأمل ( قوله وتعتبر الغلبة إلخ )

أقول : حاصل ما ذكره في الذخيرة البرهانية أنه في الأواني إن غلب الطاهر تحرى في حالتي الاضطرار والاختيار للشرب والوضوء ، وإلا بأن غلب النجس أو تساويا ففي الاختيار : لا يتحرى أصلا وفي الاضطرار : يتحرى للشرب لا الوضوء وفي الذكية والميتة يتحرى في الاضطرار مطلقا ، وفي الاختيار وإن غلبت الميتة أو تساويا لا يتحرى ، وكذا في الثياب يتحرى في الاضطرار مطلقا وفي الاختيار إن غلب الطاهر وإلا لا ا هـ . وحاصله : أنه إن غلب الطاهر تحرى في الحالتين في الكل اعتبارا للغالب ، وإلا ففي حالة الاختيار لا يتحرى في الكل وفي الاضطرار يتحرى في الكل إلا في الأواني للوضوء إذ له خلف وهو التيمم ، بخلاف ستر العورة والأكل والشرب إذ لا خلف له . وسيأتي مثله في مسائل شتى آخر الكتاب ، وبه يظهر ما في كلامه من الإيجاز البالغ حد الإلغاز ، فلو قال فإن الأغلب طاهرا تحرى مطلقا وإلا فلا إلا حالة الضرورة لغير وضوء لكان أخصر وأظهر فتدبر نعم كلامه هنا موافق لما قدمه قبيل كتاب الصلاة تبعا لنور الإيضاح




الخدمات العلمية