الفضل كله لله ولا يقع شيء إلا بمشيئته سبحانه

0 437

السؤال

أسمع كثيرا المشايخ والدعاة يقولون إن الفضل كله لله في إسلامنا وهدايتنا إلى الحق، وأنه لا فضل لنا فيه. هل فعلا هذا صحيح؟ وإذا كان ذلك صحيحا إذا ما فائدة الاختيار في قوله تعالى أولئك اختاروا الضلالة على الهدى؟ حيث إن الإنسان الصالح قد اختار طريق الصلاح أفلا يكون له فضل في اختيار هذا الطريق وإن كان بإذن الله؟ فلو كان الفضل كله لله وليس للإنسان فضل فقد يحتج الظالم الذي يدخل جهنم بأن الله لم يتفضل عليه بالهدى كما تفضل على المؤمنين؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا ريب أن الفضل كله لله تعالى، كما قال سبحانه: وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. {الحديد: 29}. ومما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله في استفتاح الصلاة ثناءا على الله تعالى: لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك. رواه مسلم.

سواء في ذلك ما كان يتعلق بالهداية وتزكية النفوس وتوفيقها للعمل الصالح، أو ما كان يتعلق بمعايش العباد في الدنيا، ففي الأولى يقول تعالى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء. {النور: 21}. ويقول سبحانه: ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون * فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم * {الحجرات:7، 8}.

 وفي الثانية يقول عز وجل: وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون. {النحل: 53}. ويقول تبارك وتعالى: ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة. {لقمان: 20}.

وبصفة عامة فلا يصيب العبد أمر نافع في دين أو دنيا إلا وهو من فضل الله تعالى، وأما النقص والعيب والخلل فمن كسب العبد، وإن كان الجميع بقضاء الله وقدره، كما قال سبحانه: قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا * ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك. {النساء:78، 79}.

 قال السعدي: { قل كل } أي: من الحسنة والسيئة والخير والشر. { من عند الله } أي: بقضائه وقدره وخلقه ... وقول تعالى: { ما أصابك من حسنة } أي: في الدين والدنيا { فمن الله } هو الذي من بها ويسرها بتيسير أسبابها. { وما أصابك من سيئة } في الدين والدنيا { فمن نفسك } أي: بذنوبك وكسبك، وما يعفو الله عنه أكثر. فالله تعالى قد فتح لعباده أبواب إحسانه وأمرهم بالدخول لبره وفضله، وأخبرهم أن المعاصي مانعة من فضله، فإذا فعلها العبد فلا يلومن إلا نفسه، فإنه المانع لنفسه عن وصول فضل الله وبره. اهـ.

وقد ذكر الله تعالى في أربعة مواضع من كتابه أنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء، كقوله تعالى: وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم .{إبراهيم: 4}. فقدم الإضلال على الهداية، وحكمة هذا التقديم كما يقول  أبو السعود والألوسي في تفسيرهما: إما لأنه إبقاء ما كان على ما كان، والهداية إنشاء ما لم يكن.

 أو للمبالغة في بيان أنه لا تأثير للتبيين والتذكير من قبل الرسل وأن مدار الأمر إنما هو مشيئته تعالى بإيهام أن ترتب الضلالة على ذلك أسرع من ترتب الاهتداء، وهذا محقق لما سلف من تقييد الإخراج من الظلمات إلى النور بإذن الله تعالى. اهـ.

وقد سبق الإشارة إلى ذلك في الفتوى رقم: 32573.

وأما مسألة اختيار العبد، فإنه وإن كان حاصلا إلا إنه لا يكون إلا بقضاء الله وقدره ومشيئة الله وعلمه وقدرته، فلا يخرج شيء من فعل العبد واختياره عن ذلك؛ كما قال سبحانه: وما تشاءون إلا أن يشاء الله. {الإنسان: 30}. فمشيئة العبد واختياره ليست مستقلة، بل هي تحت قدرة الله ومشيئته، فالعبد لا يملك أن يستقل بهداية نفسه إلا بتوفيق الله عز وجل، فالمهتدي هو من هداه ‏الله وبهدى الله اهتدى، وبإرادة الله تعالى كان ذلك، لا أنه مستقل بالهدى، ثم إنه بعد هذا الاهتداء بتوفيق الله تعالى، يزيده اجتهاده في العمل الصالح خيرا إلى خير، بتجدد فضل الله عليه، كما قال تعالى: والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم. {محمد: 17} .وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 67389، 13217، 8976، 118868.

وأما مسألة احتجاج أهل النار بالقدر، فهذا بالفعل سيكون، ولكن ذلك لن ينفعهم ولا حجة لهم فيه، كما قال تعالى: سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون * قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين * {الأنعام:148، 149}. وقال سبحانه: وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون. {الزخرف: 20}.

 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: كل ما في الوجود واقع بمشيئة الله وقدره كما تقع سائر الأعمال، لكن لا عذر لأحد بالقدر، بل القدر يؤمن به، وليس لأحد أن يحتج على الله بالقدر، بل لله الحجة البالغة، ومن احتج بالقدر على ركوب المعاصي فحجته داحضة، ومن اعتذر به فعذره غير مقبول كالذين قالوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا، والذين قالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم، كما قال تعالى: أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين*أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين. {الزمر:56،57}. اهـ.

 وقد سبق بيان ذلك وبيان بطلان الاحتجاج بالقدر على الكفر والمعاصي، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 47098 ، 67894 ، 49314 ، 35041 ، 32378 ، 9192 ، 4054.

وأخيرا ننبه السائل الكريم على أنه لا يوجد في القرآن آية باللفظ الذي ذكره، وإنما قال سبحانه: أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى. {البقرة: 16} {البقرة: 175}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة