الفرق بين سب الدهر ووصفه

0 417

السؤال

هل يجوز الاستماع إلى نشيد ـ زوجتي: لأبي خاطر ـ فهل تدخل بعض كلماته في سب الدهر؟ مثل: يطيب العيش مهما ضاقت الأيام إن طبتي ـ أقصد: ضاقت الأيام، و مثل ـ أيضا: حلالي أنت لا أخشى عزولا همه مقتى لقد أذن الزمان لنا بوصل غير منبت.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالنهي عن سب الدهر أمر ثابت مشهور، وقد سبق بيان ذلك ومعناه في الفتاوى التالية أرقامها: 55553، 50029، 100933. ولكن هناك فرق كبير بين سب الدهر وبين وصفه: فالأول: يراد به العيب والعتب. والثاني: لا يراد به إلا البيان والخبر.

وكذلك إضافة الفعل إلى الزمان، إنما هو من باب التجوز والتوسع في الكلام، ولا يراد به أن الزمان يدبر ويتصرف بنفسه، بل هو خلق مسخر بأمر الله تعالى، وقد أوضح ذلك العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ عندما سئل عن عبارة: لم تسمح لي الظروف. فقال: ما جرى على ألسنة بعض الناس من إضافة السماح إلى الدهر ونحو ذلك، فهو كإضافة المجيء والذهاب إلى الدهر ونحو ذلك، لا فرق بينهما، وهو شيء شائع وموجود في الكتاب والسنة، كقوله سبحانه: هل أتى على الإنسان حين من الدهر. وكقوله صلى الله عليه وسلم: لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه. ومعلوم أن المتكلم بهذه الكلمة لا يقصد أن الدهر يتصرف بنفسه، بل يعتقد أن الدهر خلق مسخر لا يجيء ولا يذهب إلا بمشيئة الله سبحانه، وإنما هذا من باب التجوز والتوسع في الكلام، كقوله سبحانه: جدارا يريد أن ينقض. على أن الأدب تركها وأمثالها.

أما لو قصد أن الدهر يفعل حقيقة، فهذا لا شك أنه إشراك مع الله سبحانه. وأما وصف الدهر بالشدة والرخاء والخير والشر: فلا بأس بذلك، كقوله سبحانه: سبع ليال وثمانية أيام حسوما. وقوله: سبع شداد. وقوله صلى الله عليه وسلم: لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه. والأدلة على ذلك كثيرة جدا.

وأما سب الدهر: فهو الذي وردت الأدلة بالنهي عنه والتحذير منه وتحريمه، كما في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار. وفي رواية: لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر. انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين في القول المفيد: سب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: أن يقصد الخبر المحض دون اللوم: فهذا جائز، مثل أن يقول: تعبنا من شدة حر هذا اليوم أو برده، وما أشبه ذلك، لأن الأعمال بالنيات، ومثل هذا اللفظ صالح لمجرد الخبر، ومنه قول لوط عليه الصلاة والسلام: هذا يوم عصيب.

الثاني: أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل، كأن يعتقد بسبه الدهر أن الدهر هو الذي يقلب الأمور إلى الخير والشر، فهذا شرك أكبر، لأنه اعتقد أن مع الله خالقا، لأنه نسب الحوادث إلى غير الله، وكل من اعتقد أن مع الله خالقا، فهو كافر، كما أن من اعتقد أن مع الله إلها يستحق أن يعبد، فإنه كافر.

الثالث: أن يسب الدهر لا لاعتقاده أنه هو الفاعل، بل يعتقد أن الله هو الفاعل، لكن يسبه، لأنه محل لهذا الأمر المكروه عنده، فهذا محرم، ولا يصل إلى درجة الشرك، وهو من السفه في العقل والضلال في الدين، لأن حقيقة سبه تعود إلى الله سبحانه، لأن الله تعالى هو الذي يصرف الدهر، ويكون فيه ما أراد من خير أو شر، فليس الدهر فاعلا، وليس هذا السب يكفر، لأنه لم يسب الله تعالى مباشرة. انتهى.

وكذلك فصل الدكتور عبد الرحمن المحمود في رسالة: أخطاء في العقيدة.

وقال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح كتاب التوحيد: ليس من مسبة الدهر وصف السنين بالشدة، ولا وصف اليوم بالسواد، ولا وصف الأشهر بالنحس، ونحو ذلك، لأن هذا مقيد، وهذا جاء في القرآن في نحو قوله جل وعلا: في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي. فوصف الله جل وعلا الأيام بأنها نحسات، والمقصود: في أيام نحسات عليهم، فوصف الأيام بالنحس، لأنه جرى عليهم فيها ما فيه نحس عليهم، ونحو ذلك قوله جل وعلا في سورة القمر: في يوم نحس مستمر. فهذا ليس من سب الدهر، لأن المقصود بهذا أن الوصف ما حصل فيها كان من صفته كذا وكذا على هذا المتكلم، وأما سبه أن ينسب الفعل إليه فيسب الدهر لأجل أنه فعل به ما يسوؤه، فهذا هو الذي يكون أذية لله جل وعلا. انتهى.

والخلاصة: أن العبارة الأولى لا حرج فيها، وأما الثانية فهي وإن كانت لا بأس بها إلا أن الأدب تركها وأمثالها، كما سبق أن نبه عليه العلامة ابن إبراهيم. وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 60888، 15822، 48377، 118868، 68788.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات