الإقامة في البلاد غير الإسلامية إذا كان المرء يستطيع إقامة شعائر دِينه

0 20

السؤال

أنا شاب عمري 27 سنة، كنت أعيش في دولة عربية مسلمة في شمال إفريقيا، وكنت لا أواظب على الصلاة، وقد اشتدت الفتن في بلادي بنسبة تفوق الخيال، ووقعت في الكثير من المعاصي والذنوب، حتى ضاق صدري، وضاقت بي الحياة، وأصبحت الفتن تشتد أكثر وأكثر، حتى إن من يلتزم بدينه يضيق عليه، وإذا سرت في الشوارع، فكأنك في شوارع دولة غربية، وإذا فتحت التلفاز، فتجد قناة دينية واحدة، والباقي مهزلة وأشياء لا تنفع، ولا يوجد برنامج ثقافي، وإذا ذهبت إلى العمل، فكأنك تذهب لجهاد نفاقهم وشرهم، وإذا لم تهتم بهم، فإنهم يؤذونك، بل إنه خرجت في أحد الأيام مظاهرة كبيرة للنساء لتحقيق "المساواة في الميراث"، وزلزلت الأرض يومها، ولم يسبق أن تزلزلت هذه الأرض.
قررت الزواج، وأنعم الله علي -بحمده وفضله- بزوجة صالحة، وهاجرنا إلى كندا، ومنذ وصولنا، بادرت بالتوبة إلى الله، وواظبنا على الصلاة، ولم أتركها أبدا -والحمد لله-، وأصبحت أتعلم أكثر ما ينفع ديني، ونحفظ القرآن، ونجاهد أنفسنا في مرضاة الله، وأصبح الالتزام بديني يسيرا أكثر مما كنت عليه، وكل الناس تحترمنا هنا، ولم نكن أقرب إلى الله مما نحن عليه الآن، فلماذا الكثير من الفتاوى تمنع الهجرة لبلاد الغرب، وفي نفس الوقت تأتي هذه الفتاوى من بلدان تصعب الهجرة إليها للمسلمين؟ وأليس من الأجدر أن تكون هجرة المسلم إلى بلاد الإسلام أسهل من سفره إلى بلاد الكفر والغرب؟ وكيف يعم الإسلام العالم ويتوسع إذا لم نهاجر لبلاد الغرب، ونتعلم ما ينفع أمتنا؟ وألا يكون العيش في بلاد غير إسلامية - حيث إن أعدائي مكشوفون- أفضل من العيش في بلاد يغلب فيها النفاق؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فجمهور العلماء لا يحرمون الإقامة في بلاد الكفار، إن كان المرء يأمن فيها من الفتنة، ويستطيع إقامة شعائر دينه،  

فالعبرة إذن بأمن الفتنة، والقدرة على إقامة شعائر الدين!

فمتى ما توفر ذلك في بلد؛ جازت الإقامة فيه، ولو كان أغلب سكانه من غير المسلمين، ومتى ما عدم ذلك؛ لم تجز الإقامة فيه إلا للمضطر، ولا يخفى أن هذا يختلف باختلاف البلدان، والأحوال، والأشخاص.

ومع ذلك؛ فيبقى أن إقامة المسلم في ديار المسلمين هي الأصل، والعكس هو الاستثناء.

والأفضل على أية حال هو البلد الذي يكون أعون على طاعة الله تعالى، وأقرب إلى الاستقامة، كما نبهنا عليه في عدة فتاوى، منها الفتويان: 426394، 363721

أما قول السائل: (كيف يعم الإسلام العالم ويتوسع إذا لم نهاجر لبلاد الغرب، ونتعلم ما ينفع أمتنا؟)

فهذا قد يقال لمن يسافر سفرا مؤقتا لغرض الدعوة، أو التعلم، بخلاف الهجرة والإقامة الدائمة، والتي يكون سببها في الغالب أمورا معيشية، لا شرعية.

على أن وسائل الدعوة والتعليم في عصرنا هذا لم تعد قاصرة على الوجود الجسدي، فهناك من وسائل التواصل والاتصال ما تتيسر به الدعوة، وطلب العلم عن بعد.

وعلى أية حال؛ فالعبرة -كما أشرنا- بأمن الفتنة، والقدرة على إقامة شعائر الدين. 

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى