الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

واجب من ذهب لبلد يتعرض فيها للأذى من أجل دينه

السؤال

نحن مجموعة من الطلبة المسلمين، ذهبنا للدراسة في إحدى الدول الآسيوية التي يعتنق أغلب سكانها ديانة غير سماوية. ونتعرض لكثير من المضايقات من أهل هذا البلد، ويصل الأمر أحيانًا للتهديد بالقتل.
فما الواجب علينا؟ وهل يجوز لنا أن نعاملهم بالمثل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأرض الله واسعة والمسلم لا يقيم اختيارا بأرض يتعرض فيها للخطر والتهديد بالقتل، وقد قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا{النساء:97}.

فننصحكم بالتماس بلدة أخرى آمنة للدراسة فيها. وراجع الفتويين: 216610 396136

وأما المعاملة بالمثل:

فمهما أمكنكم تجاهل الأذى والإعراض عنه، ودفعه بالتي هي أحسن، فافعلوا، قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {المائدة:13}.

قال ابن جرير في تفسيره: وهذ أمر من الله -عزَّ ذكره- نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم بالعفو عن هؤلاء القوم الذين همُّوا أن يبسطوا أيديهم إليه من اليهود.

يقول الله -جل وعز- له: اعف، يا محمد، عن هؤلاء اليهود الذين همُّوا بما هموا به من بسط أيديهم إليك، وإلى أصحابك بالقتل. واصفح لهم عن جُرْمهم بترك التعرُّض لمكروههم، فإني أحب من أحسنَ العفو والصَّفح إلى من أساء إليه ........ اهـ.

وقال تعالى: وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا {الأحزاب:48}.

قال ابن كثير في تفسيره: {ودع أذاهم} أي: اصفح وتجاوز عنهم، وَكِلْ أمرهم إلى الله، فإن فيه كفاية لهم؛ ولهذا قال: {وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا}. اهـ.

وأنتم أقلية في ذلك البلد، فالمواجهة مع المضايقين لكم من أهلها مواجهة غير متكافئة، فلا يصح أن تقابلوهم بمثل ما يعاملونكم به في كل الأحوال، بل الذي ينبغي لكم هو تجاهل الأذى والإعراض عنه، ودفعه بالحسنى ما وجدتم إلى ذلك سبيلا.

فالحكمة تقتضي تجنب الاحتكاك بهؤلاء قدر الامكان، ورفع ما يصلكم من ظلمهم وأذاهم إلى سلطات بلدهم؛ لتحميكم من أذاهم، وتكفهم عن مضايقتكم.

فإن لم يُجْد شيء من ذلك، فأرض الله واسعة، والجامعات والمعاهد وأماكن الدراسة كثيرة ومنتشرة.

والمقام في بلد يُهان فيه المرء ويُذل لا يشرع، ويشمله قوله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن غريب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني