الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإقامة في البلاد غير الإسلامية إذا كان الشخص فيها أكثر استقامة من بلده

السؤال

عمري 23 سنة، ولديّ عمل جيد -ولله الحمد-، وعندما أنهيت الثانوية قبل ست سنوات، حصلت على بعثة للدراسة في أستراليا.
أستراليا كانت نقطة تحول في حياتي، حيث التقيت بإخوتي هناك من شتى بقاع الأرض، وتأثّرت بهم، وأصبحت أكثر التزامًا، وكنت أحضر المحاضرات الدينية بما لا يقل عن 3 مرات أسبوعيًّا، وكنت أحيانًا أقوم بتنظيم هذه المحاضرات، كما أني كنت نشطًا في دعوة غير المسلمين للإسلام، بغضّ النظر عن المضايقات التي تعرضت لها بسبب هذا الأمر، وأثمر هذا العمل عن إسلام 12 شخصًا على يدي في سنة واحدة -ولله الحمد-.
كان هدفي الأساسي من الذهاب إلى هناك هو الاستقرار، ولكن بعد فترة عرض أهلي عليّ فرصة تدريب للحصول على عمل جيد في بلدي، وبعد جدال أقنعوني بالأمر، وعندما أنهيت التدريب، عدت إلى بلدي، وذلك في نهاية عام 2019 -بعد 5 سنوات من إقامتي في أستراليا ونيوزلندا-.
منذ عودتي لم أستطع التأقلم مع البيئة الجديدة، فلا توجد أي فعالية دينية على الإطلاق في هذا البلد، والمساجد مقتصرة على الصلاة فقط، وقد أغلقت في فترة كورونا، بل إنني أجزم أنه لم يسبق لي أن حضرت أي فعالية دينية في هذا البلد، الذي أهله مسلمون، فبدأت في الانتكاس، فأصبحت لا أقرأ القرآن إلا في الجمع، وأصبحت نادرًا ما أقرأ أذكار الصباح والمساء، ولم أعد أقرأ في كتب العقيدة والفقه كما كنت أفعل عندما كنت في أستراليا. وأصبحت أتجرأ على كثير من الذنوب والمعاصي التي هذّبت نفسي على أن لا أقترفها هناك، وساءت أخلاقي في التعامل مع أهلي خلال هذه الفترة؛ حتى أصبحت أجادل والدي، وأحيانًا يعلو صوتي، بعد أن لم أكن أجرؤ على ذلك.
وحتى دنياي فسد كثير منها؛ فقد أصبحت مكتئبًا أغلب الوقت، ولا أختلط مع الناس، وأصبحت أعاني من أوجاع -كحصى الكلية، وضعف البصر-، وأنام كثيرًا، وأسهر كثيًرا، وأحيانًا كثيرة ألوم والدي في نفسي على جلبي لهذا البلد، مع علمهما سابقًا أني كنت لا أطيق العيش فيه، فبماذا تنصحونني؟ وهل يجوز لي العودة، إذا كان وجودي هناك أصلح لدِيني ودنياي؟ جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإذا أذن لك والداك في السفر إلى تلك البلاد، فلا حرج عليك في العودة إليها، لا سيما إذا كان واقع الحال ما ذكرت من أنك أفضل استقامة فيها من بلدك، وأنشط في الدعوة إلى الإسلام، وقد ذكرنا في فتاوى سابقة جواز السفر إلى البلاد غير الإسلامية بشروط، وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن حكم السفر إلى تلك البلاد؟

فقال: السفر إلى بلاد الكفار لا يجوز إلا بثلاثة شروط:

الشرط الأول: أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات.

الشرط الثاني: أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات.

الشرط الثالث: أن يكون محتاجًا إلى ذلك. اهـ.

وقد ذكرنا مزيدًا من التفصيل أيضًا عن شروط الإقامة في بلاد الكفر في الفتوى: 144781.

فإذا كنت مستجمعًا لتلك الشروط، فلا حرج عليك في السفر والإقامة هناك، إذا أذن لك والداك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني