صفحة جزء
[ ص: 646 ] ذكر الوقت الذي أرسل فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم

بعث الله نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - لعشرين سنة مضت من ملك كسرى أبرويز بن هرمز بن أنوشروان ، وكان على الحيرة إياس بن قبيصة الطائي عاملا للفرس على العرب .

قال ابن عباس من راوية حمزة وعكرمة عنه وأنس بن مالك وعروة بن الزبير : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث وأنزل عليه الوحي وهو ابن أربعين سنة .

وقال ابن عباس من راوية عكرمة أيضا عنه وسعيد بن المسيب : إنه أنزل عليه - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثلاث وأربعين سنة .

وكان نزول الوحي عليه يوم الاثنين بلا خلاف . واختلفوا في أي الأثانين كان ذلك ، فقال أبو قلابة الجرمي : أنزل الفرقان على النبي - صلى الله عليه وسلم - لثماني عشرة ليلة خلت من رمضان ، وقال آخرون : كان ذلك لتسع عشرة مضت من رمضان .

وكان - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يظهر له جبرائيل يرى ويعاين آثارا من آثار من يريد الله إكرامه [ ص: 647 ] بفضله . وكان من ذلك ما ذكرت من شق الملكين بطنه واستخراجهما ما في قلبه من الغل والدنس .

ومن ذلك أنه كان لا يمر بحجر ولا شجر إلا سلم عليه ، فكان يلتفت يمينا وشمالا فلا يرى أحدا ، وكانت الأمم تتحدث بمبعثه وتخبر علماء كل أمة قومها بذلك .

قال عامر بن ربيعة : سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يقول : إنا لننتظر نبيا من ولد إسماعيل ، ثم من بني عبد المطلب ، ولا أراني أدركه ، وأنا أومن به وأصدقه وأشهد أنه نبي ، فإن طالت بك حياة ورأيته فأقرئه مني السلام ، وسأخبرك ما نعته حتى لا يخفى عليك . قلت : هلم . قال : هو رجل ليس بالطويل ولا بالقصير ، ولا بكثر الشعر ولا بقليله ، ولا يفارق عينه حمرة ، وخاتم النبوة بين كتفيه ، واسمه أحمد ، وهذا البلد مولده ومبعثه ، ثم يخرجه قومه ويكرهون ما جاء به ، ويهاجر إلى يثرب فيظهر بها أمره ، فإياك أن تنخدع عنه ، فإني طفت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم فكل من أسأله من اليهود والنصارى والمجوس يقول : هذا الدين وراءك ، وينعتونه مثل ما نعته لك ، ويقولون : لم يبق نبي غيره .

قال عامر : فلما أسلمت أخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قول زيد وأقرأته السلام . فرد عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وترحم عليه وقال : قد رأيته في الجنة يسحب ذيولا
.

وقال جبير بن مطعم : كنا جلوسا عند صنم ببوانة قبل أن يبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشهر . نحرنا جزورا ، فإذا صائح يصيح من جوف الصنم : اسمعوا إلى العجب ، ذهب استراق الوحي ، ونرمى بالشهب ، لنبي بمكة اسمه أحمد ، مهاجره إلى يثرب . قال : فأمسكنا وعجبنا ، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

والأخبار عن دلائل نبوته كثيرة ، وقد صنف العلماء في ذلك كتبا كثيرة ذكروا فيها كل عجيبة ، ليس هذا موضع ذكرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية