صفحة جزء
( 2970 ) مسألة ; قال : ( ومن عرف مبلغ شيء ، لم يبعه صبرة ) نص أحمد على هذا ، في مواضع . وكرهه عطاء ، وابن سيرين ، ومجاهد ، وعكرمة . وبه قال مالك ، وإسحاق . وروي ذلك عن طاوس . قال مالك : لم يزل أهل العلم ينهون عن ذلك .

وعن أحمد ، أن هذا مكروه غير محرم ، فإن بكر بن محمد روى عن أبيه ، أنه سأله عن الرجل يبيع الطعام جزافا ، وقد عرف كيله ، وقلت له : إن مالكا يقول : إذا باع الطعام ولم يعلم المشتري ، فإن أحب أن يرد رده . قال : هذا تغليظ شديد ، ولكن لا يعجبني إذا عرف كيله ، إلا أن يخبره ، فإن باعه ، فهو جائز عليه ، وقد أساء .

ولم ير أبو حنيفة والشافعي ، بذلك بأسا ; لأنه إذا جاز البيع مع جهلهما بمقداره ، فمع العلم من أحدهما أولى . ووجه الأول ، ما روى الأوزاعي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من عرف مبلغ شيء فلا يبعه جزافا حتى يبينه } . قال القاضي : وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { ، أنه نهى عن بيع الطعام مجازفة ، وهو يعلم كيله . } والنهي يقتضي التحريم ، وأيضا الإجماع الذي نقله مالك ولأن الظاهر أن البائع لا يعدل إلى البيع جزافا مع علمه بقدر الكيل ، إلا للتغرير بالمشتري والغش له ، ولذلك أثر في عدم لزوم العقد ، وقد قال عليه السلام { : من غشنا فليس منا } . فصار كما لو دلس العيب .

فإن باع ما علم كيله صبرة ، فظاهر كلام أحمد في رواية محمد بن الحكم ، أن البيع صحيح لازم . وهو قول مالك والشافعي ; لأن المبيع معلوم لهما ، ولا تغرير من أحدهما ، فأشبه ما لو علما كيله أو جهلاه ، ولم يثبت ما روي من النهي فيه ، وإنما كرهه أحمد كراهة تنزيه ; لاختلاف العلماء فيه . ولأن استواءهما في العلم والجهل أبعد من التغرير .

وقال القاضي وأصحابه : هذا بمنزلة التدليس والغش إن علم به المشتري ، فلا خيار له ; لأنه دخل على بصيرة ، فهو كما لو اشترى مصراة يعلم تصريتها . وإن لم يعلم أن البائع كان عالما بذلك ، فله الخيار في الفسخ ، والإمضاء . وهذا قول مالك ; لأنه غش ، وغدر من البائع ، فصح العقد معه ، ويثبت للمشتري الخيار . وذهب قوم من أصحابنا إلى أن البيع فاسد ; لأنه منهي عنه ، والنهي يقتضي الفساد .

التالي السابق


الخدمات العلمية