الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خطيبي اكتشف محادثاتي مع الشباب .. ماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كان لدي الكثير من الذنوب، كنت أتعثّر كثيرًا، وكلما اقتربتُ إلى الله، كلما زادت انتكاستي، وبفضل الله منذ فترة تبتُ توبةً نصوحًا، وأصبحتُ في تغيير تام، والحمد لله.

تقدّم لي شاب ملتزم، ثم بحث ورائي، وأتاني بصور تلك المعاصي، كالمحادثة مع شباب، مع العلم أنني حذفتُ كل شيء يُغضب الله، فأنا أرى أن كل شيء يمر أمامي.

ماذا أفعل مع خطيبي؟ وماذا أفعل مع تلك الذنوب؟ هل ما زال الله لا يتوب عليّ، ولذلك أرسل هذا الشاب ليرى كل شيء؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيكِ على صدقكِ في التوبة والرجوع إلى الله، وأسأل الله أن يثبتكِ على طريق الخير، وأن يرزقكِ السعادة والرضا.

أولًا: لا بد أن تعلمي أن هذا هو حال الإنسان، تتكالب عليه الذنوب والمعاصي، ويحرص الشيطان على إيقاعه في اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى العزيز الغفار، وقد حذّرنا الله تعالى من ذلك في قوله: {وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87]، فاليأس منافٍ للإيمان، ومتوافق مع حال الكافرين؛ لجهلهم بقدرة الله تعالى.

ثانيًا: ما ذكرتِه من توبة نصوح وتغيير إلى الأحسن هو من نِعَم الله عليكِ، وقد قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]، ويقول نبينا الكريم ﷺ: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَن لَا ذَنْبَ لَهُ» (رواه ابن ماجه)، وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى: «يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ أَتَيْتَنِي بِقَرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقَيْتَنِي لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقَرَابِهَا مَغْفِرَةً» (رواه الترمذي).

ثالثًا: الأخت الكريمة، والبنت التائبة، الآن وبعد أن تقدّم لكِ هذا الخطيب كما ذكرتِ، وأنه شاب ملتزم، ثم بحث خلفك واكتشف صورًا أو دلائل على ماضٍ سابق فيه محادثات مع بعض الشباب، رغم أنك قد حذفتِ كل ما يُغضب الله عز وجل، وتسألين: ماذا تفعلين معه؟ وهل ما زال الله تعالى لم يتب عليكِ؟ وتظنين أن الله أرسل هذا الشاب ليُظهر لكِ الماضي، وأن في ذلك دليلًا على أن الله لم يقبل توبتك.

فكل هذا من وساوس الشيطان وأوهامه، فإن الله سبحانه وتعالى أكرم الأكرمين، وهو الذي يقول في كتابه: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82].

وأما نصيحتي لكِ في التعامل مع خطيبك، فهي كما يلي:

ما دام هذا الشاب الملتزم – الذي صار خطيبك – قد توصل إلى ما يثبت بعض ما مضى من حياتك -كما ذكرتِ-؛ فالأولى أن تصارحيه بذلك دون الخوض في التفاصيل، مع التأكيد على أن هذا أمر قد مضى وانقضى، وأنك قد تبتِ إلى الله عز وجل توبة نصوحًا، وأن الله تعالى يقبل توبة التائبين، وأن هذا الماضي المرير قد ولى ولن يعود أبدًا إن شاء الله، وأن كل ذلك حدث قبل الخطبة، ثم هو بعد ذلك بالخيار.

وما أظن هذا الشاب، إن كان صادقًا في التزامه، إلا أنه سيعفو عن أمر قد مضى، ويُقَدِّر لكِ فتح صفحة جديدة مع الله، والسير في طريق التائبين.

وعلى افتراض أسوأ الاحتمالات، أنه قرر تركك وفسخ الخطوبة؛ فاعلمي علم اليقين أن الله تعالى لن يُضيعك، ما دمتِ صادقة في توبتك، ومخلصة في نيتك، فقد صدقتِ مع الله، ثم صدقتِ مع الخطيب، فعلِّقي قلبك بالله، وأمِّلي خيرًا؛ فإن الأمر كله بيد الله تعالى، وقد قال: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: 154].

واعلمي «إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا ‌بَيْنَ ‌إِصْبَعَيْنِ ‌مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ» (رواه مسلم)، ففَوِّضي أمرك إلى الله، وأكثري من الدعاء.

وفي الختام: أسأل الله تعالى أن يثبتك على التوبة النصوح، وأن ينعم عليكِ بزوج صالح، وأن يرزقكِ السعادة في الدنيا والآخرة.

اللهم آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً