الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الشعور بالعجب عند الطاعة ومدافعته ليس من الرياء..

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عندما أقوم بطاعةٍ، أو أتحدث مع ابني عن الله، أجدني أتصوّر أن الناس تراني، يُضايقني هذا الشعور، وأخشى من الوقوع في الشِّرك، أعلم مقولة ابن عباس، عن فعل الطاعة، وحب أن يرى الناس موطنها، وكانت سبب نزول الآية: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً}، ولذلك أخشى أن يكون في قلبي رياء وشرك.

سؤالٌ آخر: أنا امرأة متزوجة، وأحيانًا أشعر بالإعجاب بداعيةٍ، رغم حرصي على غضِّ البصر، فأشعر وكأنني لم أعد امرأةً عفيفة، وهذا يُقلقني، ولا أريد أن أشعر بذلك، وأخشى من غضب الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Om ali حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب.

نشكر لكِ تواصلكِ بالموقع، ونُهنئكِ أولًا بفضل الله تعالى عليكِ، الذي رزقكِ التخوّف من الوقوع في الشرك والرياء، ونسأل الله تعالى أن يجعل عملنا وعملكِ خالصًا لوجهه الكريم.

وقد أحسنتِ -أيتها البنت الكريمة- في التحرّز والتخوّف من الرياء، لأنه نوع من أنواع الشرك، وإن كان اليسيرُ والقليلُ منه يعدّه العلماء شركًا أصغر، والكثيرُ منه -كما يقول ابن القيم- هو الشرك الأكبر، وهو على كل حال مُحبِطٌ للعمل الذي يدخل فيه، فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه.

ولكن هناك فرق كبير -أيتها البنت العزيزة- بين أن يُريد الإنسانُ الرياء والسمعة بعمله، ويقصد أن يراه الناس أو أن يسمع الناس بعمله، وبين أن يجد في نفسه حديثًا يطرأ عليه ويعرض له ما يدعوه إلى الرياء، وهو لا يرضى بذلك، بل يُدافعه ويكرهه ويخاف منه؛ فهذا ليس من الرياء، إنما هي محاولات النفس الخبيثة، ومحاولة الشيطان، ومكرٌ، ونوعٌ من الحيل الإبليسية لإفساد العمل.

فإذا كره الإنسانُ هذا، وخاف منه، وجاهده، فإن هذه المجاهدة هي في نفسها عملٌ صالح، يُؤجر عليه ويُثاب، فليس شيء أشق على النفس -كما قال السلف- من الإخلاص؛ لأن الإنسان حين يريد الإخلاص، إنما يُنازع النفس حظوظها وشهواتها، فالنفس تشتهي المدح والثناء، وعلو المكانة عند الناس، فإذا أراد المسلم أن يُجرّد عمله لله، وأن يجعل عمله كله لله، فإن هذه المنازعة للنفس شاقّة وثقيلة، وهي من أشرف أنواع المجاهدة، وقد قال الله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}.

فاطمئني ولا تخافي، من حيث إنه إذا عَرَض لكِ عارض، وحاول الشيطان أن يُزيّن لكِ الرياء والسمعة، فجاهدتِ ذلك ودافعتِه -كما هو حالكِ فيما ظهر لنا من السؤال- فاطمئني أن هذه حالة إيمانية صحيحة، ليس فيها ما يدعو إلى القلق والخوف، ولكن استمرّي على هذا، واحذري من أن يجرّكِ الشيطان للوقوع في الرياء، والله تعالى إنما وعد بإحباط العمل وبالآثار الناتجة عن الرياء لمن كان يريده، كما قال الله تعالى: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوفّ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يُبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار} فهنا قد تحققت الإرادة، خلاف حالكِ أنتِ.

فاجتهدي في الدعاء، واسألي الله تعالى أن يُنجيكِ من الرياء، كما علَّم النبيُّ ﷺ أبا بكر أن يقول في الصباح والمساء: "اللهم إني أعوذ بك أن أُشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم".

وأما عن سؤالكِ الثاني: وهو إعجابكِ ببعض الدعاة، مع كونكِ عفيفة، فإن هذا لا يُنافي العفة إذا كانت هذه المحبة محبة دينية فقط، بمعنى أن تُعجبي به لأنه من أهل الدين، يُبلّغ رسالة الله تعالى، وينفع الناس، وتعجبي به لهذه المعاني، فهذا لا حرج فيه.

أما إذا كان إعجابًا بخلاف ذلك، فالواجب عليكِ أن تقطعي الأسباب المؤدية إلى ذلك، فالنظر بالشهوة، وبما يؤدي إلى الفتنة، حرامٌ على المرأة أيضًا، ويجب عليها أن تقطع كل أسباب الافتتان بالرجل الأجنبي، وأن تُجاهد هذا الشعور في نفسها، ومجاهدتها هذه عبادة أيضًا يُثيبها الله تعالى عليها.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُوفّقكِ لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً