الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فتاة تفكر في شاب كزوج بعد توقيف الرسائل بينهما

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولاً: جزيتم خيراً على هذا الجهد.

قبل فترة كنت قد التقيت بشابٍ ذي خلق ودين، وبعد أن عرف أني قد قربت على أن أختم القرآن راسلني، وقلت له: إن الرسائل لا تجوز شرعاً، مع أنها رسائل توصي بتقوى الله، ولكنه قال لي: إن الحب في الله لا حرج به، ولكننا توقفنا.

قال لي: إنه يخشى عليّ من نفسه، وتوقف عن الرسائل، وعرّفني بابنة أخته، ورغم ذلك ظللت أفكر به كثيراً، فماذا أفعل؟!
هو شاب متدين وأعجبني بأخلاقه ودينه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ الحائرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله –تبارك وتعالى- أن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك، وأن يمنَّ عليك بطاعته ورضاه، وأن يجنبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلك من صالح المؤمنين، وأن يمنَّ عليك بزوج صالح طيب مبارك يكون عوناً لك على طاعته ورضاه، إنه جواد كريم.

بخصوص ما ورد برسالتك –أختي الكريمة الفاضلة– من أنك التقيت بشاب على خلق ودين، وبعد أن عرف أنك قد منَّ الله عليك بحفظ القرآن أراد أن يتكلم معك وأن يراسلك، ولكنك اعتذرت له بأن الرسائل لا تجوز شرعاً، وهذا أمر طيب، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الله تبارك وتعالى قد فطرك على الحق وقد شرح صدرك للحق وللعفاف وللفضيلة، وبيَّن لك الحق الذي يُرضيه تعالى.

رغم أنه قال لك: إن الحب في الله لا حرج فيه، إلا أن هذا الكلام ليس بدقيق؛ لأن الحب في الله في الغالب ما بين الرجال والنساء لا يكون سالماً من حظ النفس، والحب في الله هذا قد يكون بعد وجود الحياة الزوجية واستمرارها، فهذا يكون عوناً على طاعة الله تعالى، أما قبل ذلك فإن الشيطان ينفث بسمومه حتى يجعل هذا الحب الذي بدأ في الله يتحول إلى حب آخر من أجل عرض الدنيا وإن كان ذلك مشروعاً، إلا أنه في الغالب قد يؤدي إلى كلام يُحسب على الناس، وقد يؤدي إلى تصرفات غير مشروعة فندفع الثمن غالياً في الدنيا والآخرة.

الحمد لله أنكم توقفتم عن المراسلات حتى وإن كانت مراسلات توصي بتقوى الله تعالى، ورغم ذلك ظللت تفكرين فيه، فماذا تفعلين؟

أقول لك: هذا شيء طبيعي بأن الأخت إذا كانت غير متعلقة بأي رجل وقدر الله أن تعرفت على شخص يتمتع بخلق ودين وقد حاز إعجابها أن تفكر فيه؛ لأنه كما قال الشاعر: صادف قلباً خالياً فتمكن

معنى ذلك أن القلب إذا كان فارغاً وليس فيه تعلق بشيء فإنه يكون عرضة لأن يتعلق بالشيء الحسن، سواء كان جميلاً في الخلق أو جميلاً في المظهر أو جميلاً في الهيئة، فدائماً الشيء المتميز يلفت نظر الناس جميعاً، ولذلك هذا التعلق شيء طبيعي، هذا الذي حدث شيء طبيعي نتيجة الفراغ الذي في قلبك وعدم انشغالك بأحد، ولكن ما دام هذا الشغل لم يتعد مجرد التفكير القلبي، ولم يتعد لا إلى كلام ولا إلى سلوك فليس عليك في ذلك شيء.

أنت تعلمين أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء، وأنت من حقك الآن أن تسألي الله تبارك وتعالى وتقولين مثلاً: (اللهم إن كان في هذا الشاب خير لي في ديني ودنياي فدله عليَّ واجعله يتقدم لي)، من الممكن أن تسألي الله عز وجل أن يجعله يفكر فيك أو يتقدم لك شرعاً، فهذا الأمر جائز ولا حرج فيه، على اعتبار أنه رجل متدين وأعجبتك أخلاقه وأعجبك دينه، وهو بالنسبة لأي أخت ملتزمة يعتبر فرصة أن يمنَّ الله عليها بهذا الشاب الصالح، كما أيضاً تعتبر فرصة ذهبية للشاب الصالح أن يمنَّ الله عليه بزوجة صالحة، فهذه كلها خيرات وبركات بإذن الله تعالى.

لذلك أقول - بارك الله فيك –: لا حرج بإذن الله عز وجل في أن تسألي الله عز وجل أن يُبصره بك وأن يدله عليك إذا كان فيه من خير، ولكن لا تبذلي حقيقة أي دور إيجابي تجاه الاتصال به أو غيره، وإن كنتِ قد انتهيت مثلاً من القرآن فمن الممكن أن تعرضي مثلاً لابنة أخته، تقولي لها: (الحمد لله لقد ختمت القرآن وانتهيت من حفظه) على اعتبار أنها قد توصل الرسالة إلى خالها فقد يتقدم إليك أو يتكلم مع أهلك بخصوص الارتباط بك. هذا نوع من التعريض الجائز، يعني تقولين لها: (الحمد لله منَّ الله عز وجل عليَّ بحفظ القرآن الكريم وانتهيت منه) فقط، لا تقولي: أخبري فلاناً ولا غيره، ولكن هي قطعاً قد تقول له وهو قد يسألها ما دام قد يتابع معها وهو الذي طلب منها أن تتعرف عليك، فقد يسألها عن أخبارك فتقول له: (الحمد لله قد ختمت القرآن) وبذلك تكون هذه رسالة غير مباشرة إذا كان صادقاً وجاداً في البحث عن الزوجة الصالحة فقطعاً سيتقدم إليك لأن صاحبة القرآن من أهل الله تعالى وهي تاج فوق الرؤوس وفوق كل التيجان؛ لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال: (أهل القرآن هم أهل الله وخاصته)، ولكن لا تتصلي به ولا بغيره، واتركي الأمر لله تعالى، فإن الله تبارك وتعالى سيرزقك رزقاً من لدنه واسعاً، وقد يكون هذا الأخ وقد يكون غيره وقد يكون أفضل منه، ولكن المهم أن تتركي الأمر لله عز وجل، مع أنه كما ذكرتُ لا مانع أن تسألي الله عز وجل أن يجعل هذا الأخ من نصيبك وأن يشرح صدره لك، وأن ييسر له التقدم لأهلك للزواج بك بطريقة مشروعة.

كما ذكرتُ أركز على أن قضية الميل القلبي ليس للإنسان دخل فيها ولا يؤاخذ عليها ما لم تتحول إلى سلوك، يعني ما لم يترتب عليها كلام وما لم يترتب عليها أفعال كالمقابلات وغير ذلك، فهي تبقى في دائرة الحل على اعتبار أن هذا أمر خارج إرادة الإنسان؛ لذلك لم يكلّفنا الله تبارك وتعالى به لا سلباً ولا إيجاباً، ولكن المطلوب منا أن ندعو وأن نأخذ بالأسباب وأن ندع النتائج لله سبحانه وتعالى.

اعلمي أن (الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل)، كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، واعلمي أيضاً أنه لا يرد القضاء إلا الدعاء، فإذا كنت ترين في الأخ صلاحاً واستقامة وأنك تعلقت به فيجوز لك أن تكثري من الدعاء أن يدله الله عليك، وأن يسوقه الله إليك، وأن يشرح صدره لأن يتقدم لأهلك بطريقة مشروعة حتى تكونين بذلك قد حققت أمنيتك تحت مظلة الشريعة ودون الوقوع فيما يغضب الله تعالى، وأنا بدوري هنا أسأل الله العلي الأعلى أن يمنَّ عليك بهذا الأخ إذا كان فيه خيرٌ لك في دينك ودنياك، وأن يجعله من نصيبك، وأن يجعلك من نصيبه، وأن يجمع بينكما على خير، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً