الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أثر الاسترسال في الوساوس على العبادة

السؤال

أولا: أسأل الله أن أجد سعة فى الصدر لسماع اسئلتى لما لها من تاثير مباشر على علاقتى بالله.فأنا ظللت لسنوات طويلة لا أصلى و بعيدة عن الله ثم تبت بفضل الله و بدأت الصلاة و المشكلة أن نفسى والشيطان لا يتركانى لحظة و أحس أننى أحارب جسدى عن طريق روحى.أولا :و ما يحدث أننى عند البدء فى الصلاة أبدا بالشعور بتوتر فى أعصابى و بأن الغازات ستنفلت منى و أننى لن أستطيع التحكم فيها و فعلا أنا أحيانا أعانى من انفلات الريح اذا لم أقم بالإخراج يوميا و عليه أقوم و أحاول الإخراج بالإجبار عندما أنوى الصلاة مما يسبب لى ازدياد فى البواسير،لأنها عندى فهل يجب على الإخراج يوميا إجبارا لنفسى؟ و إذا لم أفعل ذلك أشعر بتوتر فى معدتى وانفلات للريح أحيانا.
و بعد الإخراج أعانى من هواء نتيجة حركة البواسير بعد قضاء الحاجة و أيضا إذا ما جئت ألبس جوربى للصلاة فإذا ما جلست لذلك أشعر أيضا بالهواء و جربت مرة أن أجلس و أن أقوم مرتين عند ارتداء الجورب فوجدت فى المرة الثانية أن الهواء انتهى ففكرت أننى يجب أن أخرج من الحمام بعد الاستنجاء و قبل الوضوء و أجلس ثم أدخل للوضوء بعد ذلك فهل هذا صحيح؟
أما الجزء الثانى : للشد الذى يحدث عند كل وضوء و من الممكن أن أجلس لفترة طويلة أتوضأ و لمشكلة الغازات معى التى أشعر بضغطها علي و على فتحة الدبر و أمسك نفسى بالقوة أثناء الصلاة ممايخرجنى من خشوعى و أتهم نفسى دائما أننى لا أريد أن أصلى.بدأت أجمع الصلوات جمع تأخير لأنى فعلا يحدث معى شد عصبى شديد و بالفعل أحيانا يتفلت منى وأحيانا أنجح فى أن امسك نفسى. لكن ملحوظة: أن هذا الشد و التوتر فى بطنى ينتابى طوال وقت الفرض يعنى مثلا من أول الظهر وحتى مجى العصر و العجيب ان احيانا بعد الانتهاء من الصلاة لا أجد ريحا و لا ضغطا فى بطنى مع انى كنت احسه فى الصلاة قبل لحظات و هذا الشعور يلازمنى دائما مادمت نويت الصلاة فى أى وقت.ملحوظة: أحاول أثناء الاستنجاء أن أخرج الغازات لكن أفشل أحيانا و أشعر بها مكتومة فى بطنى.
أنا فعلا مريضة بجزء عضوى لكنه ليس بالصورة الشديدة لكن لا أعرف ماذا يحدث لى أثناء الصلاة و لقد سألت متخصصا نفسى و قال إن جزءا منه نفسيفهل مع ماذكرت إذا شعرت بالغازات عند فتحة الشرج و تركت نفسى (بمعنى أننى الأصل أضغط على فتحة الشرج فى صلواتى حتى لا ينفلت منى شيء مما يخرجنى عن التركيز ) فهل إذا فعلت عكس ذلك و لم أمسك فتحة الدبر بالضغط عليهاعند الشعور بالضغط فى بطنى و عند الفتحة هل يعتبر هذا حدثا بقصدى
ثالثا : أنا كثيرا ما أجد الماء الأصفر عند الاستنجاء للوضوء و أغتسل 3 مرات يوميا و أنا عندى طفلة رضيعة و لا أعرف ماذا أفعل؟ و أحيانا أجد إفرازات شفافة مائلة للبياض فهل هي أيضا توجب الغسلفضيلة الشيخ إن كل هذه الامور تؤرقنى و لا أريد أن أبعد عن طريق ربي و أنا أعلم إن الدين يسر.لكن لا أعرف الأحكام أنا أحيانا أتوضا 3 مرات لإرادة الصلاةمما يعرض ابنتى للبكاء و للخلافات الزوجية و كلها تدور حول صلاتى حتى إن زوجى قال إن ما أفعله سيهدم بيتى.
أشعر بصراع و دائما تحدثنى نفسى بأن وضوئى سينتقض أثناء وضوئى و صلاتى و أننى المريدة لذلك.
أريد منك أن تبين لى حكما فى كل ما قلته لأننى أبكي على ما مضى من عمرى دون صلاة و أبكى للمشقة التى أحس بها الآن و لا أريد البعد عن الرحمن أبدا .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله سبحانه وتعالى العافية والشفاء للأخت السائلة ثم إن الذي نستطيع قوله هو أن عليها أن تهون على نفسها ولا تكلفها ما لم تكلف به شرعا فإن الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولم يجعل علينا في الدين من حرج فقال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج: 78}.وقال: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن: 16} وقال: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة: 286}. وقال صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه. رواه مسلم. وفي رواية ابن ماجه: فانتهوا: ثم إن الظاهر أن التوتر الذي يصيبها عند الصلاة والشعور بالخوف من انفلات الريح وما تتكلفه من الإخراج كل ذلك من وسوسة الشيطان، وكيده والاسترسال معه في ذلك إتباع له وتنطع في الدين فإن الأصل أن الشخص إذا توضأ يبقى على طهارته حتى يتحقق حصول الحدث بسماع صوت أو وجود رائحة وليس مجرد خوف من انفلات ريح أو غيرها بل ولو حصل الشك في خروج ذلك لم ينتقض الوضوء على الراجح كما أنها لا تطالب بتكلف الإخراج ولا بالانتظار بعد الاستنجاء والوضوء بل إذا أحست أنها تريد الحمام قبل الطهارة فلتذهب إليه لتسلم من مدافعة الأخبثين أثناء الصلاة وإن لم تحس بذلك فلا داعي للمخاوف مما ليس متهيئا للخروج و وأما عن الجزء الثاني من السؤال فإن عليها أن تطرح الوسوسة جانباً لكي تستطيع ممارسة العبادة بشكل معتاد ، فطالما أنها تسترسل مع الوسواس وتستجيب له فإنها لن تستطيع فعل أي عبادة من طهارة أو غيرها،بطمأنينة ثم إن الوضوء والحمد لله من أيسر العبادات وأوضحها أحكاماً، والواجب هو غسلة واحدة في كل عضو مغسول ولو استمر المرء يتوضأ مدة حياته ويكتفي بغسلة واحدة كان وضوؤه صحيحاً.إذا علم هذا فما هو الداعي للاشتغال بالوضوء فترة طويلة ،لا شك أن السبب في ذلك هو الوسواس الذي تقدم أنه يجب طرحه ومخالفته ولو خيل للمرء أن عبادته غير صحيحة،ثم إن كان الشعور بهذه الغازات مجرد خيال فلا عبرة به ولا تأثير له على صحة العبادة سواء شعرت به أثناء الصلاة أو قبلها ويجب الإعراض عنه كغيره من الوساوس وإن كان الشعور بها حقيقيا فيكره الإقدام على الصلاة قبل التخلص منها لكراهة الصلاة مع مدافعة الأخبثين لأنه مشغل ومخل بالخشوع وإن طرأ ذلك أثناء الصلاة لم يشرع الخروج منها بسببه بل يستمر في صلاته إلا إذا خيف من الكتم و المدافعة ضرر من مرض ونحوه فعند ذلك يقطع المصلي ثم يتوضأ ويستأنف الصلاة ، ومحل كل ما تقدم هو ما إذا كان خروج هذه الغازات غير ملازم فإن كان ملازما كل الوقت أو جله صارت سلسا ولبيان كيفية طهارة المصاب بانفلات الريح يراجع الفتوى رقم :93612 : والفتوى رقم :36006 . والظاهر أن من يتمكن من إمساك الريح بشكل معتاد ثم يتركها يعتبر متعمدا خروج الحدث وهو مبطل للصلاة على كل حال ولذلك قال الفقهاء لا يجوز الخروج من صلاة الفرض بسبب طروء مدافعة الريح ونحوها إلا إذا خيف من كتم ذلك ضرر، ففي نهاية المحتاج شرج المنهاج في الفقه الشافعي لمحمد بن شهاب الرملي بعد أن ذكر الصلاة مع مدافعة البول أو الغائط أو الريح : بل السنة تفريغ نفسه من ذلك ; لأنه يخل بالخشوع , وإن خاف فوت الجماعة حيث كان الوقت متسعا , ولا يجوز له الخروج من الفرض بطرو ذلك له فيه إلا إن غلب على ظنه حصول ضرر بكتمه يبيح التيمم فله حينئذ الخروج منه وتأخيره عن الوقت.انتهى وما ذكرنا في الفتويين المشار إليهما أخيرا من كيفية طهارة صاحب السلس وصلاته هو الراجح ومن العلماء من يرى أن السلس غير ناقض للوضوء سواء خرج أثناء الصلاة أو قبلها كما هو معلوم في المذهب المالكي وهو من أسباب جمع الصلاة تقديما أو تأخيرا أيضا وتفصيل ذلك عندهم أن السلس لا ينقض إذا لازم نصف زمن أوقات الصلاة فأكثر وأوقات الصلاة من الزوال إلى طلوع شمس اليوم الثاني ، لكن يندب الوضوء عند الصلاة إذا كان يلازم كل الوقت. والسلس هو ما يسيل بنفسه من بول أو ريح أو غائط أو مذي أو مني. وهذا إذا لم ينضبط ولم يقدر صاحبه على التداوي, فإن انضبط كأن جرت العادة بانقطاعه آخر الوقت وجب عليه تأخير الصلاة لآخره أو بانقطاعه أوله وجب عليه تقديمها ، وكذا إذا قدر على التداوي وجب عليه التداوي واغتفر له أيام التداوي. أما فيما يتعلق بالماء الذي يوجدعند الاستنجاء أو الإفرازات فإن كان خروج ذلك لا تصاحبه شهوة فالغالب أنه إفرازات عادية لا توجب الغسل ولكن تنقض الوضوء وللتفصيل في الحكم عليها من حيث الطهارة من عدمها يرجى الاطلاع على الفتوى: 51282 . ومما يجدر التنبيه عليه هو أنه يجب على السائلة بعد التوبة إلى الله تعالى أن تقوم بقضاء جميع ما فات عليها من الصلوات إن علمت عدده وإلا وجب التحري والاجتهاد في القضاء حتى يغلب على الظن الإتيان بجميع الفوائت ولبيان كيفية قضاء فوائت الصلاة يراجع الفتوى رقم :98938. ثم ما دامت تعلم أنما تعاني منه سببه الشيطان ووسوسته فإن عليها أن تلتجئ إلى الله تعالى وتستعيذ به من شره ووسوسته وتخالفه في كلما يوسوس به فإن هذا هو العلاج الذي تستطيع دفعه به والتخلص منه فإن الشيطان إذا أيس من الاسترسال مع وساوسه وطاعته فيها خاب أمله وانقطع كيده : فقد سئل ابن حجر الهيتمي الشافعي رحمه الله تعالى - عن داء الوسوسة هل له دواء ؟ ( فأجاب ): له دواء نافع وهو الإعراض عنها جملة كافية . وإن كان في النفس من التردد ما كان - فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت بل يذهب بعد زمن قليل كما جرب ذلك الموفقون , وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين بل وأقبح منهم , كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها وإلى شيطانها الذي جاء التنبيه عليه منه صلى الله عليه وسلم بقوله : { اتقوا وسواس الماء الذي يقال له الولهان , } إلى أن قال : و من ابتلي بالوسوسة فليعتقد بالله ولينته . فتأمل هذا الدواء النافع الذي علمه من لا ينطق عن الهوى لأمته . واعلم أن من حرمه فقد حرم الخير كله ; لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقا , واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال والحيرة ونكد العيش وظلمة النفس وضجرها إلى أن يخرجه من الإسلام . وهو لا يشعر ...إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا . ،، قال وذكر العز بن عبد السلام وغيره نحو ما قدمته فقالوا : دواء الوسوسة أن يعتقد أن ذلك خاطر شيطاني , وأن إبليس هو الذي أورده عليه وأنه يقاتله , فيكون له ثواب المجاهد ; لأنه يحارب عدو الله , فإذا استشعر ذلك فر عنه , وأنه مما ابتلي به نوع الإنسان من أول الزمان وسلطه الله عليه محنة له ; ليحق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره الكافرون . وفي مسلم من طريق عثمان بن أبي العاص أنه قال حال بيني وبين صلاتي وقراءتي فقال : ذلك شيطان يقال له خنزب , فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا , ففعلت فأذهبه الله عني . إلى أن قال قال مالك - رحمه الله - عن شيخه ربيعة - إمام أهل زمنه - : كان ربيعة أسرع الناس في أمرين في الاستبراء والوضوء , حتى لو كان غيره - قلت : ما فعل . وكان ابن هرمز بطيء الاستبراء والوضوء , ويقول : مبتلى لا تقتدوا بي . ونقل النووي - رحمه الله - عن بعض العلماء أنه يستحب لمن بلي بالوسوسة في الوضوء , أو الصلاة أن يقول : لا إله إلا الله فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس ; أي : تأخر وبعد ,:انتهى.:

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني