الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تكفير العمرين وأكابر الصحابة رضوان الله عليهم

السؤال

هل يصح القول بتكفير أكابر الصحابة كالعمرين؟ نظرا لما حصل بينهم من الخلاف ولاتهام البعض لهم بالظلم..

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن تكفير الشيخين وأكابر الصحابة منكر عظيم ولا يستبعد أن يوقع صاحبه في الكفر المخرج من الملة لأنه مكذب ومخالف لما ثبت في القرآن من الشهادة للمهاجرين والأنصار بالإيمان والسبق في الخير كما في قوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ {الأنفال:74}

وقوله عز وجل : لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{التوبة: 88ـ89}.

وقوله عز وجل : وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {التوبة:100}.

وإذا لم يكن أبو بكر وعمر وأكابر الصحابة داخلين في هذه النصوص فمن يدخل فيها، فهم معنيون به بالدرجة الأولى وهم خير القرون، ولهم فضل عظيم على جميع الأمة، وقد اختارهم الله لصحبة نبيه فآمنوا بالله ورسوله وقاموا بنصرة الله ورسوله، وهاجروا من أجل الدين، وآووا ونصروا من أجل الدين وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم حتى رضي الله عنهم ورضوا عنه، وأفضلهم المهاجرون ثم الأنصار.

وقد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه اهـ.

وقال الحافظ ابن كثير: والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة لما أثنى الله عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوه من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم رغبة فيما عند الله من الثواب الجزيل، والجزاء الجميل. اهـ.

ولقد عد العلماء قديماً الطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم علامة على أهل البدع والزندقة الذين يريدون إبطال الشريعة بجرح رواتها.

قال أبو زرعة: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة!!.

وعن الإمام أحمد أنه قال: إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء ـ فاتهمه على الإسلام. وقال الإمام البربهاري: واعلم أن من تناول أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه إنما أراد محمداً، وقد آذاه في قبره. اهـ.

وقد تتابعت الأدلة على فضل الصاحبين في الكتاب والسنة وإجماع الأمة، فقد قال الله تعالى: إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا(التوبة: من الآية40).

فصاحبه هو أبو بكر رضي الله عنه بإجماع المفسرين، كما تميز رضي الله عنه بخصائص لا توجد في غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك شاركهم في مزاياهم وفضائلهم.

فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً. رواه البخاري ومسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم: لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر. متفق عليه.

وقال صلى الله عليه وسلم: إن أمنَّ الناس علي في صحبته وذات يده أبو بكر. رواه البخاري ومسلم.

وفي البخاري عن عمرو بن العاص رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته فقلت أي الناس أحب إليك قال عائشة فقلت من الرجال فقال أبوها قلت ثم من قال عمر بن الخطاب فعد رجالا..

وقد روى الإمام أحمد في مسنده والطبراني وغيرهما عن أبي جحيفة قال: خطبنا علي رضي الله عنه فقال: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ثم قال ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها وبعد أبي بكر رضي الله عنه فقال عمر...اهـ، والرواية عنه بهذا حسنها الأرناؤط والألباني..

ومن الأحاديث الثابتة في فضل عمر قوله صلى الله علي وسلم: إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.

وقوله: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.

وفي مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال فيه: والذي نفسي بيده؛ ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك.

وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ عُرِضُوا عَلَىَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْي، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَي عُمَرُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ اجْتَرَّهُ، قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الدِّينَ. رواه البخاري.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني رأيت في النوم أني أعطيت عسا مملوءا لبنا فشربت منه حتى تملأت حتى رأيته في عرق بين الجلد واللحم ففضلت فضلة فأعطيتها عمر بن الخطاب فقالوا يا نبي الله هذا علم أعطاكه الله فملأت منه ففضلت فضلة وأعطيتها عمر بن الخطاب، فقال أصبتم . رواه الحاكم و قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

ولو تتبعنا فضائل العمرين وما ورد فيهما من النصوص الصحيحة الصريحة لما اتسعت الفتوى لذلك.

هذا وننبه إلى أن أبابكر وعمر رضي الله عنهما لم يثبت عنهما القيام بظلم الناس بل ثبتت الشهادة لهما بالحكم بالعدل والإنصاف.

وأما الخلاف الذي حصل بين الصحابة فليس مما يؤثر على عدالة الصحابة فهم كلهم يطلبون الحق ومجتهدهم إما مصيب ذو أجرين وإما مخطئ له أجر وخطؤه مغمور في بحار حسناته، وبهذا يعلم أن تكفير الصحابة قول في غاية السقوط .

وراجع الفتويين التاليتين: 34898، 40767.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني