الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

محل استحباب إبرار المقسم

السؤال

أريد أن أسأل عن حالة معينة فى القَسَم "أقسمت عليّ قريبة لى بألا أفعل شيئا ما، ووجدت الفائدة في عمله فماذا يكون موقفي من القسم الذي هي أقسمته عليّ.. فقد أقسمت عليّ قريبتي على ألا أعطي ابني دواء خوفا من أنه قد تكون له آثار جانبية، وأن نعتمد على الأشياء الطبيعية، وأنا أرى ألا خوفا عليه من تلك الآثار لأنه دواء شائع فهو كالسيوم عادي... وأوقفت الدواء بسبب هذا القسم... فما العمل لو أردت الرجوع لهذا الدواء مرة أخرى؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فينبغي للمسلم ألا يكثر من الحلف ولا يعود نفسه على ذلك، امتثالاً لقول الله تعالى: وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ {البقرة:224}، وإذا حصل من مسلم يمين وكانت قسماً على الغير، فيستحب للمقسم عليه أن يبر قسم أخيه، لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه المتفق عليه، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع وذكر منها. ..وإبرار المقسم. إلا إذا كانت المصلحة في ترك ذلك.

قال في روضة الطالبين: يسن إبرار المقسم كما ذكر للحديث الصحيح فيه، وهذا إذا لم يكن في الإبرار مفسدة بأن تضمن ارتكاب محرم أو مكروه. انتهى..

وجاء في شرح النووي على حديث مسلم في تركه صلى الله عليه وسلم إخبار أبي بكر بخطئه في تأويل الرؤيا وقد أقسم عليه: قوله:(فوالله يا رسول الله لتحدثني ما الذي أخطأت قال: لا تقسم) هذا الحديث دليل لما قاله العلماء أن إبرار المقسم المِأمور به في الأحاديث الصحيحة إنما هو إذا لم تكن في الإبرار مفسدة ولا مشقة ظاهرة، فإن كان لم يؤمر بالإبرار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبر قسم أبي بكر لما رأى في إبراره من المفسدة، ولعل المفسدة ما علمه من سبب انقطاع السبب مع عثمان، وهو قتله، وتلك الحروب والفتن المترتبة عليه، فكره ذكرها مخافة من شيوعها.. انتهى.

لكن حلف قريبتك هذه عليك له احتمالان.. إما أن يكون بمعنى السؤال والشفاعة كقولها: بالله (أو أسألك بالله) إلا ما فعلت كذا، وإما أن يكون بيمين صريح بأن تقول: والله لا تفعلين كذا، فإبرارك قسمها مندوب في الحالين، ولا يتعلق بك كفارة في حالة ترك إبرارها وإنما يجب عليها هي في الحالة الثانية فقط، ولذلك يتأكد عليك إبرار قسمها في هذه الحالة لعدم الإضرار بها، وهذا كله مع عدم المعارض الشرعي كما سبق، فإن وجد معارض عمل بمقتضاه. كما في مواهب الجليل.

وقال ابن قدامة في المغني: فإن قال: والله ليفعلن فلان كذا، أو لا يفعل أو حلف على حاضر، فقال: والله لتفعلن كذا فأحنثه، ولم يفعل فالكفارة على الحالف. كذا قال ابن عمر، وأهل المدينة وعطاء، وقتادة والأوزاعي وأهل العراق والشافعي لأن الحالف هو الحانث، فكانت الكفارة عليه. انتهى.

وعلى ما سبق.. فإن رأيت أن الدواء نافع وابنك محتاج إليه فلا حرج عليك في ترك الإبرار بقسم قريبتك، وإن كان غير هذا الدواء يسد مسده فالأولى لك أن تبري قسمها، ووجوب الكفارة على قريبتك أو عدمه على ما فصلنا، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 23136.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني