الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفويض الأمر إلى الله وعدم اليأس من رحمته وفرجه

السؤال

أرجو أن تعودوا لسؤالي وأن تحاولوا فهمه هل معناه أن هناك نوعا من الناس لا يفرج عنهم، ويعيشون بحزنهم دائما؟ لأن حالهم لا يرجى له فرج، التوكل الحمد لله قرأت عنه وسمعت عنه محاضرات؟ لكن التوكل في حالة انقطاع الأسباب هو ما أريد معرفته بالضبط؟ تفكيري مشتت فأرجوكم لو سمحتم أن تردوا على سؤالي بالتحديد وآسفة للإلحاح وهذا هو نص سؤالي السابق رقمه 2201538 لا تحيلوني على أسئلة سابقة..السؤال: أود إرسال سؤال إلى قسم الفتاوى لكن للأسف الوقت الذي حددتموه لتلقي الأسئلة لا يناسبني حيث إنه مبكر بالنسبة للبلد الذي أقطن فيه لذلك أود أن أرسل سؤالي إليكم على أن تتكلفوا بإرساله لقسم الفتاوى لو سمحتم, وبارك الله فيكم... السؤال: أريد من فضيلتكم أن تعلموني كيف أتوكل على الله تعالى في حال انقطاع الأسباب، وكيف أتوكل على الله عندما أكون في هم لا أرى له حلا ولا أتصور كيف يمكن أن يكون الفرج أعلم علم اليقين أن الله على كل شيء قدير وأنه واسع عليم، لكني أمة ضعيفة وذات عقل قاصر ككل البشر فكيف أتوكل على الله والحال هذه وكيف لا أقنط، أحتاج لتفسير وتوضيح مفصل لو سمحت عن التوكل على الله تعالى في مثل وضعي، فأرجو من موقعكم الموقر عدم نشر سؤالي حتى لا تكون فتنة أو حتى لو كان هناك خطأ فيه لا أتحمل وزر من يقرؤونه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالمؤمن لا ييأس من رحمة الله وفرجه مهما ضاقت عليه السبل وتقطعت به الأسباب، قال تعالى: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ {الحجر:56}، وقال سبحانه: وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87}، فكيف ييأس من يعبد ربا كريما رحيما قديرا، واسع العطاء، يغضب على من لم يسأله، بيده خزائن كل شيء، قال تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ {الحجر:21}، كيف يقنط المؤمن وهو يعلم أن كل شيء بقضاء وقدر، قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49}.

وأنه لا يقضي قضاء إلا كان خيراً له، ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبت من قضاء الله للمؤمن إن أمر المؤمن كله خير وليس ذلك إلا للمؤمن إن أصابته سراء فشكر كان خيراً له وإن أصابته ضراء فصبر كان خيراً له. رواه مسلم وأحمد واللفظ له.

إذا علم المؤمن هذا فوض أمره إلى الله وأسلم نفسه إليه، فوثق به واعتمد عليه، وأخذ بالأسباب المشروعة في جلب الخير ودفع الضر، فصار متوكلا على الله ، فإذا نزلت به حاجة أنزلها بالله سبحانه وفوض أمره إليه بصدق وتضرع وإخلاص فيرى من خفي لطفه ما لا يخطر على البال، قال تعالى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ {الطلاق:3}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب وصححه الألباني.

ومما يبعث على التوكل العلم بعظمة الله ومعرفة صفاته الحسنى وأسمائه الدالة على عظمته والتفكر فيها ولهذا -والله أعلم- يذكر سبحانه في آيات التوكل من أسمائه وصفاته ما يقوي قلب المؤمن ويشعره بكفاية المتصف بهذه الصفات له، قال تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ* الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ* وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ* إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {سورة الشعراء: 217إلى 220}.

قال الشيخ ابن سعدي في تفسيره: أعظم مساعد للعبد على القيام بما أمر به، الاعتماد على ربه، والاستعانة بمولاه على توفيقه للقيام بالمأمور، فلذلك أمر الله تعالى بالتوكل عليه فقال: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ. والتوكل هو اعتماد القلب على الله تعالى، في جلب المنافع، ودفع المضار، مع ثقته به، وحسن ظنه بحصول مطلوبه، فإنه عزيز رحيم، بعزته يقدر على إيصال الخير، ودفع الشر عن عبده، وبرحمته به، يفعل ذلك، ثم نبهه على الاستعانة باستحضار قرب الله، والنزول في منزل الإحسان فقال: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ. أي: يراك في هذه العبادة العظيمة، التي هي الصلاة... لأن من استحضر فيها قرب ربه، خشع وذل، وأكملها، وبتكميلها، يكمل سائر عمله، ويستعين بها على جميع أموره. إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ. لسائر الأصوات على اختلافها وتشتتها وتنوعها، {الْعَلِيمُ} الذي أحاط بالظواهر والبواطن، والغيب والشهادة. فاستحضار العبد رؤية الله له في جميع أحواله، وسمعه لكل ما ينطق به، وعلمه بما ينطوي عليه قلبه، من الهم، والعزم، والنيات، مما يعينه على منزلة الإحسان. انتهى.

فتدبري أختاه كتاب الله، واستعيني بالصبر والصلاة، والدعاء مع الإلحاح، والمحافظة على الأذكار الصحيحة التي تفرج الهم والكرب، وثقي في الله، واعلمي أنه عند اشتداد ظلمة الليل يأتي الفجر بنوره، وعندئذ يفرح المؤمن بفرج الله، وعسى أن يكون قريبا، ونسأل الله لك التوفيق وتفريج همك وغمك إنه رحيم لطيف بعباده.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني