الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من شق على أولاده فقد ضيع وصية الله فيهم

السؤال

أنا شاب عمري 31 عاما مهندس كهرباء وكنت أعمل بإحدى دول الخليج ولكني الآن مستقر في مصر في نفس شركتي التي في الخليج في فرعها بمصر متزوج ولدي بنتان 2 سنة و10 شهور دخلي ولله الحمد ممتاز ولكني لا أمتلك شقة ولا سيارة أعيش في إيجار جديد ولكني حاليا أدفع قسطا لشقة تمليك سوف أستلمها إن شاء الرحمن بعد 4 سنوات وقسطها مع مصاريف حياتي العائلية يلتهم 90% من دخلي ويتبقي جزء أوفره في معظم الأحوال لإعانتي في المستقبل على مصاريف المدارس لأولادي ولكني أواجه مشكلة مع عائلتي حيث إنني الأخ الأكبر لبنت متزوجة ومعها ولد وبنت و3 أخوات أولاد طبيب و2 بالجامعة , والدي يعمل بالحكومة ووالدتي بالمعاش دخلهما جيد لمصاريفهم , وأنا أساعد في المصاريف الأساسية لإخوتي دائما ولكن في أيدي إخوتي ولكن المشكلة هي أن أهلي دائما ما يطلبون مني دفع مصاريف كثيرة أخرى ليست بالأساسية مثل مساعدتهم لشراء شقة تمليك لإخوتي ليتزوجوا بها ودفع مصاريف الحج لأبي مع العلم بأنني قد توليت حج أمي عندما كنت في السعودية وقبل الزواج ومصاريف أخرى كلها لأمور ليست أساسية في الحياة ودائما ما يسيئون معاملتي وإهانتي أنا وزوجتي إذا لم ألتزم بها ووصفي بالعاق وتذكيري "بأني ومالي ملك لأبي" فيا ويلي إذا قمت بزيارتهم ولم أشتر فاكهة أو أي شيء آخر وسيارة الشركة التي أستعملها هي دائما تاكسي العاصمة لحاجاتهم بالرغم من بعد سكني عن منزلهم حتى عندما يقررون زيارتي في منزلي فلابد أن أذهب لأحضرهم ثم أوصلهم بعد انتهاء الزيارة
مع العلم بأن أهلي لم يعلموني حتى الصلاة ولم يحاسبوني عليها بل دائما ما كان الضرب المبرح هو الروتين اليومي لأي شيء آخر ودائما ما اتهموني بالفشل وأني لن أنجح أبدا.
حياتي لا تطاق وأكثر ما أكره هو الآن وجودي في بلد واحدة معهم برجاء الإفادة!

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلم أيها السائل الكريم أن بر الوالدين في المعروف من آكد الحقوق والواجبات وأعظم القربات، قال الله تعالى وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا {الأحقاف:15} وقال سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوكِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا. {الإسراء: 23}. وعلى هذا فإنا نوصيك ببذل الجهد قدر المستطاع في البر بوالديك، واعلم أن رضا مولاك عنك في رضا والديك ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخطه. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني.

ولكنا نؤكد على أنه لا يجوز للوالدين أن يتعسفا في استعمال هذه الحقوق بما يعنت الأولاد ويسبب لهم الضرر والمشقة، بحجة البر والإحسان إليهما فهذا غير جائز, بل هذا مما نهى عنه الشرع؛ لأن الله سبحانه كما وصى الأبناء بالآباء، كذلك وصى الآباء بالأبناء، قال سبحانه: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ. {النساء:11}، قال السعدي رحمه الله: فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. انتهى. ولا شك أن من أعنت ولده وشق عليه فقد ضيع وصية الله فيه.

أما بخصوص الأمور المادية فإذا كان الوالدان بحاجة إلى المال وكان الولد غنيا، فإنه يجب عليه الإنفاق عليهما بالمعروف، ولكن أما وقد ذكرت أن والديك لديهما من المال ما يكفيهما، فلا يجب عليك حينئذ نفقتهما، ولكن إن أعطيتهما مع غناهما من المال ما يطيب خاطرهما فهو الأفضل، ولك –إن شاء الله - الأجر الجزيل والمثوبة العظيمة من الله جل وعلا، ولكن يبقى أن هذا على سبيل الندب والاستحباب لا على سبيل الحتم والإلزام، وأما ما تتطلع إليه نفوسهما من هدية بسيطة تدخل بها عليهما عند زيارتك لهما فينبغي لك أن تلبي رغبتهما في ذلك بالقدر الذي لا يعود عليك وعلى أولادك بالضرر.

أما نفقة من ذكرت من إخوتك البالغين فلا تجب عليك قطعا، ولا يجوز لوالديك أن يكرهاك على ذلك، إذ ليس هذا من حقوقهما، فإن الشرع قد حفظ الأموال لأصحابها، وجعلها معصومة مصونة لا تحل إلا برضا صاحبها وطيب نفسه، فقد قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم : لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه. رواه أبو داود وصححه الألباني.

وقد يتعلق بعض الآباء في مثل هذا التصرف بما رواه ابن ماجة وصححه الألباني من قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: أنت ومالُك لأبيك.

فالجواب أنه لا متعلَّق لهم بهذا الحديث وذلك لأن اللام في الحديث: ليست للملك بل للإباحة.

قال ابن القيم في"إعلام الموقعين": واللام في الحديث ليست للملك قطعاً، ومن يقول هي للإباحة أسعد بالحديث، وإلا تعطلت فائدته ودلالته. انتهى.

ومما يدل على أنها ليست للملك أن الابن يرثه أولاده وزوجته وأمه، فلو كان ماله ملكاً لوالده لم يأخذ المال غير الأب.

وليست الإباحة أيضا على إطلاقها، بل هي بشروط بيناها بالتفصيل في الفتوى رقم: 25339. وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 54694.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني