الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

في القيامة يظهر بر الأبرار، وفجور الفجار، وتصير الأمور علانية

السؤال

سؤالي هو: إن شاء الله يوم القيامة وبعد أن يأخذ كل إنسان موقعه سواء في الجنة أو النار، هل سنستطيع أن نعرف كل الحقائق الغائبة عنا في هذه الحياة وتكون على الملأ على سبيل المثال لا الحصر : معرفة الملك الصالح أو الطالح - معرفة رئيس الجمهورية الصالح أو الطالح - معرفة الوزير الصالح أو الطالح - معرفة الضابط والقاضي الصالح أو الطالح- معرفة حقائق قضايا الرأي العام التي لم تظهر فيها الحقيقية الكاملة كالمسؤول عن غرق العبارة المصرية التي مات فيها 1034 بريء - وأيضا الذين قاموا بسرقة أموال البنوك والشعب وأفلتوا من عقاب الدنيا - وأي رجل أعمال له صلة قريبة بالوزراء والمسؤولين ويقوم بأعمال فساد وتتستر عليه الحكومة والمسؤولون ليفعل ما يشاء ، وأيضا على المستوى الشخصي معرفة مكان شخص أذاني وظلمني في عملي عرفته لمدة مثلا 3 سنوات ولم أره بعدها ، وغير ذلك من الحقائق الخفية الكثيرة - معذرة على طول الرسالة، أرجو الرد لأنه سؤال هام جدا حتى يرتاح قلبي ،،، والله يحفظكم ويرعاكم ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد ذهب كثير من المفسرين إلى أن تفسير قوله تعالى في سورة الزلزلة: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا {الزلزلة:4}. هو أن تخبر الأرض بما عمل عليها من خير أو شر يومئذ؛ كما سبق تفصيله في الفتوى رقم: 25711.

ومما يدل على هذا أيضا قوله تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ {الطارق:9}.

قال ابن كثير في تفسيره: أي يوم القيامة تبلى فيه السرائر، أي: تظهر وتبدو، ويبقى السر علانية والمكنون مشهورا. وقد ثبت في الصحيحين، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يرفع لكل غادر لواء عند استه يقال: هذه غَدْرَةُ فلان بن فلان.

وقال السعدي: أي تختبر سرائر الصدور، ويظهر ما كان في القلوب من خير وشر على صفحات الوجوه قال تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ففي الدنيا تنكتم كثير من الأمور ولا تظهر عيانًا للناس، وأما في القيامة فيظهر بر الأبرار، وفجور الفجار، وتصير الأمور علانية.

ويدل عليه أيضا قوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ {هود:103} قال البغوي: وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ أي: يشهده أهل السماء والأرض.

وقال الشعراوي: أي: أن الفضيحة في هذا اليوم تكون مشهودة من كل البشر؛ من لدن آدم إلى آخر البشر؛ لذلك تكون فضيحة مدوية أمام من يعرفهم الإنسان؛ وأمام من لا يعرفهم. اهـ.

وقد سبق لنا فتوى عن نطق الجوارح يوم القيامة بما عمل الإنسان، وهي برقم: 104699.

ولا تختص هذه الأمور بالكفار، بل بعض العصاة والفجرة كذلك لا يستر الله عليهم يوم القيامة، ومن أمثلة ذلك ـ كما ذكر د / عمر الأشقر في كتابه الإيمان باليوم الآخر ـ : الغادر ، فإنه يفضح على رؤوس الأشهاد يوم القيامة وترفع له راية على قدر غدرته، وكلما كانت الغدرة كبيرة عظيمة كلما ارتفعت الراية التي يفضح بها في يوم الموقف العظيم ، ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدراً من أمير عامة، وأمير العامة هو الحاكم أو الخليفة، وكانت غدرته كذلك لأن ضرره يتعدى إلى خلق كثير.

ومن أمثلته أيضا: الغلول، فقد توعد الله تبارك وتعالى الغال بفضحه يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، وذلك لتحميله ما غله في ذلك اليوم، وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ {آل عمران : 161} .

يقول القرطبي في تفسير هذه الآية : أي يأتي به حاملاً له على ظهره وعلى رقبته، معذباً بحمله وثقله، ومرعوباً بصوته، وموبخاً بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد . ومن الغلول غلول الحكام والموظفين والعمال والولاة من الأموال العامة. اهـ.

ومع هذا كله فإن الله تعالى يستر الكثير ويعفو ويصفح فضلا منه وكرما.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني