الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تقبل توبة الساب وهل يؤاخذ إذا كان مجرد وسوسة

السؤال

يا شيخي الحبيب : صور ومظاهر الردة - والعياذ بالله ذكرها العلماء فى كتبهم ومن هذه الصور : سب الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم - والعياذ بالله فيا شيخ الأدلة فى القرأن والسنة الشريفة تشهد بأن الكافر تقبل توبته، وأيضا المرتد تقبل توبته، فيا شيخ ما هي أقوال العلماء في توبة من سب الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم والعياذ بالله، وهل من قال من العلماء بأنه لا تقبل توبتهم يعنى بذلك في الظاهر؟ وهل لو أن إنسانا قام بهذا الفعل أي سب الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم - والعياذ بالله علنا وجاهر به وحارب الإسلام والمسلمين سواء أكان مسلما ثم ارتد - والعياذ بالله أو كان محاربا للإسلام فهذا لو تاب تقبل توبته وعند من يقول لا تقبل توبته هل يقصدون في الظاهر ؟ لو أن شخصا فعل مثل هذا الفعل أي سب الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم - والعياذ بالله ولم يصل الأمر إلى الإمام وتاب بينه وبين الله عز وجل فهل تقبل توبته، لو أن إنسانا ابتلى بوسوسة فى هذه المواضيع كأن يأتيه الشيطان أو يأتيه أي حديث نفس ويقول له أنت وقعت في مثل هذه الأمور - والعياذ بالله - فما الحل ؟ فقد يأتي الشيطان ويقول لشخص أنت فعلت هذه الأشياء وليس لك توبة، أنت انتهى أمرك ليس لك توبة وأشياء كهذه، شيخى الحبيب أطل النفس في الرد على سؤالي؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فسب الله تعالى وسب رسوله صلى الله عليه وسلم كفر مخرج من الملة والعياذ بالله، ومع ذلك فمن تاب منه فجمهور أهل العلم على صحة توبته، وقد سبق بيان ذلك في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 767 ، 9880 ، 53874.

وقال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب: الاستهزاء بدين الله أو سب دين الله أو سب الله ورسوله أو الاستهزاء بهما كفر مخرج عن الملة، ومع ذلك فإن هناك مجالاً للتوبة منه؛ لقول الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، فإذا تاب الإنسان من أي ردة توبة نصوحاً استوفت شروط التوبة فإن الله تعالى يقبل توبته. انتهى.

أما أقوال أهل العلم في من سب الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم. فجاء في الموسوعة الفقهية: قال الحنفية بقبول توبة ساب الله تعالى. وكذا الحنابلة، مع ضرورة تأديب الساب وعدم تكرر ذلك منه ثلاثا. وفي المذهب المالكي خلاف، الراجح عندهم قبول توبته، وهو رأي ابن تيمية.أما ساب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ذهب الحنفية والحنابلة إلى قبول توبته. وقال الشافعية: تقبل توبة قاذفه صلى الله عليه وسلم على الأصح، وقال أبو بكر الفارسي: يقتل حدا ولا يسقط بالتوبة. وقال الصيدلاني: يجلد ثمانين جلدة ؛ لأن الردة ارتفعت بإسلامه وبقي جلده. وفي قول عند الحنابلة: لا تقبل توبته. وقال المالكية: من شتم نبيا مجمعا على نبوته بقرآن أو نحوه فإنه يقتل ولا تقبل توبته؛ لأن كفره يشبه كفر الزنديق، ويقتل حدا لا كفرا إن قتل بعد توبته لأن قتله حينئذ لأجل ازدرائه لا لأجل كفره. انتهـى.

ومن قال من أهل العلم بعدم قبول توبته فمرادهم في الدنيا وأنه يقتل بكل حال، كما جاء في الموسوعة: اختلفوا في قبول توبته فذهب جمهور الفقهاء إلى قبولها. وذهب الحنابلة إلى عدم قبولها ويقتل بكل حال .. وأما بالنسبة للآخرة ، فإن كان صادقا في توبته قبلت باطنا ونفعه ذلك. انتهـى.

وقال الشيخ ابن باز في فتاوى نور على الدرب: أجمع العلماء قاطبة على أن المسلم متى سب الدين أو تنقصه أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو انتقصه أو استهزأ به؛ فإنه يكون مرتدا كافرا حلال الدم والمال، يستتاب فإن تاب وإلا قتل. وبعض أهل العلم يقول: لا توبة له من جهة الحكم بل يقتل، ولكن الأرجح إن شاء الله أنه متى أبدى التوبة وأعلن التوبة ورجع إلى ربه عز وجل أن يقبل، وإن قتله ولي الأمر ردعا لغيره فلا بأس، أما توبته فيما بينه وبين الله فإنها صحيحة، إذا تاب صادقا فتوبته فيما بينه وبين الله صحيحة. انتهـى.

ولا فرق في قبول التوبة النصوح بين المجاهر بالسب والمسر به ، وبين وصول الأمر للإمام وعدم وصوله ، وبين المحارب للإسلام وغير المحارب، فمن تاب توبة صحيحة قبلت توبته مهما كان جرمه وعظم ذنبه.

وأما ما يتعلق بالوسوسة في هذه الأمور، فليس المرء بمؤاخذ عليها طالما أنها مجرد وساوس وخواطر تهجم على النفس، يكرهها الإنسان وتزعجه، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 76732 ، 37959 ، 51285 ، 99234.

ويجب على المسلم أن يحذر كذلك من القنوط من رحمة الله تعالى، فالوقوع في القنوط لا يقل خطرا عن الذنب نفسه لما فيه من إساءة الظن بالله تعالى.

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني