الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توبة السارق لا تتم إلا برد المسروق لأصحابه

السؤال

أنا إنسانة محتارة في أمري، عملت في حياتي الكثير من الذنوب منها السرقة للأسف ، لا أعرف كيف قمت بهذا العمل، ولكني بحق ندمانة لأبعد الحدود ، وقد أديت فريضة الحج على اقتناع تام وتوجه إلى الله تعالى طالبة المغفرة ، مع العلم أنني لم أرجع الحقوق لأصحابها، والله لم أكن أعرف حينها أنني يجب أن أعيد المسروقات لأصحابها، ولا أعرف هل أعتبر نفسي قد حججت فعلا أم أنه لا تجوز حجتي، وأنا لم أعد المسروقات . المهم أنا الآن أنوي التعويض عن كل ذلك، ولكن هناك مشكلة أنا أسكن فلسطين وسرقت أثناء فترة الدراسة في الأردن . وقد سرقت من أعمامي وخالتي ومن بنات لا أعرفهن ولا أعرف مكان سكناهم أصلا وقد علمت أنني يجب أن أعيد المسروقات إلى أصحابها أو التعويض عنها في حال استهلاكها والمشكلة أنني أتحرج من فكرة أن يفتضح أمري إذا اعترفت لأقاربي بالموضوع هذا من ناحية، وكذلك أنا لا أذهب إلى الأردن الآن أبدا لأنني التزمت ولا أسافر بدون محرم والحمد لله، والمشكلة أنهم لا يأتون لزيارتنا ولا نتبادل الهدايا في المعتاد وسيستغربون فكرة الهدية مني خاصة أنها ستكون باهظة الثمن بقدر المسروقات، ولا أستطيع إعطاءهم المال لنفس الفكرة، فلا أحد سيصدق أنها هدية وسيفتضح أمري أكيد، ولا أعرف كيف سأوصل المسروقات لهم . أنا فعلا نادمة جدا ومتعبة من هذا الموضوع، ولا أعرف كيفية التصرف فهل يجوز أن أخرج قيمة ما سرقت كله على شكل صدقة عن كل منهم تجنبا للفضيحة . وسؤالي المهم أنني أديت فريضة الحج، ولست متأكدة من قبولها، وأنا في ذمتي حقوق للناس وذنوب، وأنتظر توفر المال اللازم لسداد الحقوق كلها ما استطعت على شكل جمعية سأقبضها خلال شهرين. ولكن أهلي سيخرجون لأداء العمرة خلال شهر، ويريدون ذهابي معهم، وأنا لا أستطيع أن أعترف لهم بما فعلت كي ينتظروني حتى أرجع الحقوق لأصحابها، ولا أملك المال حاليا كي أرجع ما أخذت ومحتارة في أمري.سؤالي من شقين:هل أخرج للعمرة وأنا في ذمتي حقوق للعباد مع العلم سأقوم بسدادها حين أقبض الجمعية أي بعد رحلة العمرة المقررة مع أهلي، وهل تجوز العمرة لي في هذا الوضع ؟الشق الثاني: هل أرجع الحقوق إلى أصحابها على شكل صدقة عن كل واحد سرقت منه وبنفس القيمة لتعذر وصولي إليهم وتجنبا للفضيحة؟ والله نادمة لابعد الحدود ومتعبة وأريد أن أكون إنسانة نظيفة من الذنوب التي لا أعرف كيف قمت بها في الماضي وأخشى من الاعتراف لأهلي ولمن سرقتهم بذنوبي ولا أعرف كيفية التصرف أفيدوني أرجوكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا شك أن السرقة محرمة تحريما شديدا، والإسراف في الذنوب والمعاصي عموما ضرر كبير على العبد في دنياه وآخرته، ولكن من تاب إلى الله تعالى توبة صادقة مستجمعة لشروطها فإن الله عز وجل وعد بقبول توبته كما قال تعالى: فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {المائدة:39}وكما قال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طـه:82}

وبما أن الأخت السائلة قد ندمت على ذنوبها وسرقتها فنرجو أن تكون توبتها صادقة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الندم توبة. رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني. ولم يبق على الأخت السائلة إلا الإتيان ببقية شروط التوبة وهي رد المال المسروق إلى أهله. وأما ما ذكرته من أنها تخشى من الفضيحة فالجواب هو لا بد من رد تلك المسروقات إلى أهلها، ولا يلزم إخبارهم بحقيقة الأمر، فأديها إليهم على شكل هدايا كما ذكرت، وأما كونك ليس من المعتاد أن تهدي لهم فيمكن أن تضعي المال في حسابهم أو تتصلي بهم مثلا وتشكريهم على معروفهم لك أيام الدراسة، وأنك قررت التواصل معهم، وأرسلي لهم المال كهدية على أساس أنها بداية التواصل، والمهم أنك لن تعدمي حيلة توصلين بها الحقوق من غير إحراج، ولا يجزي أن تتصدقي بالمال عنهم ما دمت تعرفينهم وتستطيعين إيصال المال إليهم ولو مراسلة. وأما من سرقت منهم ولا تعرفين مكانهم فتصدقي بالمبلغ المسروق عنهم. وقد نص أهل العلم على أن الغاصب إذا جهل صاحب المال المغصوب ولم يتمكن من إيصال المال إليه ولا لورثته لعدم علمه بهم فإنه يتصدق به عنه مضمونا. قال صاحب الزاد: وإن جهل ربه تصدق به عنه مضمونا. قال في الشرح: أي بنية ضمانه إن جاء ربه، فإذا تصدق به كان ثوابه لربه وسقط عنه إثم الغصب. انتهى.

ولا تذهبي إلى العمرة من مالك الخاص قبل سداد ما عليك من تلك الأموال المسروقة إلا كان أهلك سيتكفلون بمال العمرة، فلا حرج عليك في الذهاب. وأما الحج وتأثير السرقة عليه فالحج صحيح إن شاء الله تعالى ولا أثر لتلك الذنوب عليه، والله تعالى حكم عدل كما أنه يعاقب على الذنوب أو يعفو عنها فهو يثيب على الطاعات ويكافئ عليها وقد قال تعالى: وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا {طـه:112} ، وانظري للأهمية الفتوى رقم: 40782، حول شروط توبة السارق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني