الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسائل في الإمامة والاقتداء وبعض أخطاء المصلين

السؤال

يحدث لي بعض الأحيان أن لا أدرك صلاة الجماعة مع الإمام الراتب لعذر شرعي، فأدخل للمسجد فأجد بعض الإخوة يصلون جماعة فأدخل معهم في الصلاة.
المشكل أن الشخص الذي قدم أو تقدم للإمامة لا يكون دائما في المستوى المطلوب، و يرتكب أخطاء في الصلاة و أقدم لكم بعض الأمثلة على ذلك:
عدم سماع صوت الإمام في الصلاة الجهرية أو صعوبة تتبع تلاوته خصوصا إذا كنت بعيدا عنه، وربما حتى لو صليت وراءه ربما لضعف صوته أو لخجله، والله أعلم.
الركوع بشكل غير صحيح كالانحناء اليسير أو المبالغة في الانحناء بعضهم يرفع من الركوع قائلا ربنا ولك الحمد، و لا يقول سمع الله لمن حمده.
بعضهم لا يسجد على رجليه فيضع ظاهر أصابعه على الأرض.
بعضهم يصلي بملابس تحدد العورة و تجسمها.
هناك من يلحن في الفاتحة فيقرأ الذال المعجمة دالا، و الظاء ضادا.
بعضهم يسرع في الصلاة حيث تصبح متابعته غاية في الصعوبة، وربما تأخر عنه المأموم بركن علما بأن هذا الأمر يمكن أن يحدث حتى مع أئمة عدد كثير من المساجد.
أرجو منكم الإجابة على كل مثال على حدة، وما حكم صلاة من صلى خلف من يقع في خطأ من هذه الأخطاء، علما بأني أصبحت لا أصلي مع جماعة إذا علمت أن من يؤمهم يقع في مثل هذه الأخطاء، ويمكن أن لا أعرف الإمام فتكثر علي الوساوس والشكوك فأصلي وحدي أو أدخل معه ثم أعيد الصلاة خصوصا إذا كان يسرع أو تخلفت عنه بركن، وفي هذه الحال أرجو منكم التفضل بتقديم الحكم في حال التخلف عنه بركن لسرعته أو لسهو المأموم أستسمحكم على الإطالة. نفع الله بكم وجزاكم الله عن المسلمين خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فننبهك أولاً إلى أن الأصل هو صحة صلاة الإمام، ولا يسوغُ ترك الجماعة لأجل احتمال أن الإمام يخطئ في الصلاة لأن اليقين لا يُترك للشك.

وأما ما ذكرته من الأخطاء فنحنُ نجيب عليها ونبين ما فيها بإذن الله.

أولاً: ليس سماعُ تلاوة الإمام شرطاً في صحة متابعته والاقتداء به، فإن الإمام إذا أسر في الجهرية صحت صلاته، قال ابن قدامة في المغني: الجهر في مواضع الجهر، والإسرار في مواضع الإسرار، مجمع على استحبابه. والأصل فيه فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ثبت ذلك بنقل الخلف عن السلف. فإن جهر في موضع الإسرار، أو أسر في موضع الجهر، ترك السنة، وصحت صلاته. انتهى.

فإذا جهر وكان المأموم بعيداً بحيثُ لا يسمعه، أو كان جهرُ الإمام بحيثُ لا يُسمع كل المأمومين، فالاقتداءُ صحيح بلا شك، ثم إن الراجح أن المأموم تشرع له القراءة للسورة بعد الفاتحة في هذه الحال لأن الأمر بالإنصات إنما يصحُ إذا سمع قراءة الإمام، قال ابن قدامة: فإن لم يسمعه لبعد قرأ نص عليه -أي الإمام أحمد- قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله رحمه الله: فيوم الجمعة؟ قال إذا لم يسمع قراءة الإمام ونغمته قرأ، فإذا سمع فلينصت. انتهى.

ثانياً: بالنسبة لخطأ الأئمة في صفة الركوع، فإن الركوع له صفتان، صفةٌ مُجزئة وهي أن ينحني بحيثُ تمس يده ركبته، وصفةٌ كاملة، وهي المبينة في الأحاديث من القبض على الركبتين بكلتا اليدين، ومد الظهر وجعل الرأس حياله. وانظر الفتوى رقم 7917، ورقم: 77103.

فإذا كان انحناءُ هذا الإمام المذكور يحصل به القدر المجزئ وإن كان دون الانحناء المسنون، وكذا إن بالغ فيه بحيثُ لا يزول عنه اسم الركوع فالاقتداءُ به صحيح، وأما إن أخل الإمام بالركوع المجزئ لم يصح الاقتداء به في هذه الحال.

ثالثاً: ما ذكرته من ترك بعض الأئمة قول سمع الله لمن حمده لا تبطل به الصلاة عند الجمهور، فإن التسميع سنةٌ عند الجمهور خلافاً لأحمد رحمه الله، وعند أحمد أنه واجبٌ يُجبر تركه بسجود السهو، إن كان تركه نسياناً أو جهلاً.

ومن ثم فالاقتداءُ بتارك التسميع صحيحٌ عند الجمهور، وينبغي تعليم الإمام الذي يترك التسميع ومناصحته ليخرج من خلاف أهل العلم، ثم إن كان تركه للتسميع نسياناً أو جهلاً، فإنه يسجد للسهو على مذهب أحمد رحمه الله، وانظر الفتوى رقم: 120059.

رابعاً: السنة للمصلي أن يستقبل ببطون أصابعه القبلة في السجود أي يجعلها مثنية إلى القبلة وبطونها إلى الأرض، ولكنه إن خالف، وسجد على ظهور قدميه صحت صلاته وأجزأه ذلك، لأنه سجد على قدميه، وإن كان مخالفا للسنة وانظر الفتوى رقم: 94613. وبه تعلم أن الاقتداء بمن يسجد على ظهور قدميه صحيح.

خامساً: الصلاة في الثياب الضيقة التي تصف حجم العظام صحيحةٌ مع الكراهة، إذا كان لا يبينُ لون الجلد من تحتها، وأما إذا كانت تصف لون الجلد لم تصح الصلاةُ فيها لانتفاء الستر.

قال الشافعي رحمه الله: وإن صلى في قميص يشف عنه لم تجزه الصلاة، فإن صلى في قميص واحد يصفه ولم يشف كرهت له، ولا يتبين أن عليه إعادة الصلاة. انتهى.

وقال ابن قدامة: فإن كان خفيفاً يُبَيِّن لون الجلد من ورائه -فيُعلم بياضه أو حمرته- لم تجز الصلاة فيه، لأن الستر لا يحصل بذلك. وإن كان يستر لونها ويصِف الخلقة، جازت الصلاة، لأن هذا لا يمكن التحرّز منه. انتهى.

وبه تعلم أن الائتمام بمن يلبس الثياب الضيقة التي تصفُ حجم العظام جائزٌ، والصلاة خلفه صحيحة.

سادساً: قد أشبعنا القول فيمن يبدل حرفاً بغيره في الفاتحة، وفي صحة الائتمام به في الفتوى رقم: 113626. فانظرها ففيها تفصيلُ حكم هذه المسألة.

سابعاً: إذا تخلف المأموم عن إمامه بركن لعذر فإنه يأتي بهذا الركن ثم يتابع إمامه فيما بقي من الصلاة، وإن تخلف عنه لغير عذر ففي صحة صلاته خلاف. وانظر التفصيل في الفتوى رقم: 110789، ورقم: 113697.

وتخلف المأموم عن إمامه بركن سهواً عذر من الأعذار فيأتي بما سبقه به الإمام، ثم يتابعه فيما بقي من صلاته، وانظر الفتوى رقم: 13908.

وإذا كان الإمام يُسرع في صلاته جدا بحيثُ لا تمكن المأموم متابعته، فإنه يفارقه، ويكمل ما بقي من صلاته منفرداً، وقد بينا حكم هذه المسألة في الفتوى رقم: 121030.

ثامناً: عدمُ معرفتك بالإمام لا يقتضي أن تترك الصلاة خلفه، فإن الأصل صحة صلاة المسلمين، وعدم طروء ما يبطلها. وانظر الفتوى رقم: 115388.

فحذار حذار من الاستسلام للوساوس والشكوك، وعليك بما نبهناك عليه في أول الفتوى من أن الأصل صحة صلاة الأئمة، وقد عرفت أن معظم ما ذكرته من الأخطاء لا يمنعُ من صحة الاقتداء، فلا تفوت على نفسك فضيلة الجماعة بسبب هذه الوساوس والأوهام، ولا تترك الصلاة خلف إمام لتصلي منفردا إلا إذا كنت جازماً بأن صلاته غير صحيحة.

وأما إعادتك الصلاة من غير موجبٍ سوى هذه الوساوس والشكوك فهو مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد: نهى أن يصلي الرجل الصلاة في اليوم مرتين. أخرجه أبو داود.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني